في كل ولاية انتخابية تصرف بعض المجالس المنتخبة مليارات الدراهم، لأجل تجويد البنية التحتية للمناطق التي تشرف عليها (الطرقات، الأرصفة، الكورنيشات…)؛ وإن كان يحسب لها ذلك في ظل نهج البعض الآخر لسياسة اللامبالاة، فإنها تغفل عن أمر مهم يرتبط بالصيانة والمواكبة حتى لا تصبح هذه المشاريع من دون جدوى ومجرد سبيل لهدر المال العام.
فمثلا، لا يعقل تخصيص ميزانية ضخمة لإعادة تهيئة وإصلاح بنية محددة -شارع أو كورنيش معين…-، دون أن يتم تضمين دفتر التحملات جزء منها (الميزانية)، لأجل المواكبة والترميم المستمرين لهذا المشروع بعد إنجازه؛ وكما يعلم كل مغربي، فبعد الانتهاء من تشييد الشوارع والكورنيشات والأرصفة والأزقة والحدائق والمنتزهات وغيرها، تبدأ بعض العيوب أو الثغرات في الظهور على مستوى “الزليج” أو فسيفساء الأرصفة وغيرها من بنيات المشروع، إما نتيجة “غش في التشييد” أو عوامل طبيعية أو حتى بشرية، فيتم تركها على حالها رغم سهولة ترميمها، نتيجة عدم وجود بند في دفتر التحملات يحدد ميزانية مخصصة لهذا الغرض، لتبقى على حالها، محدثة عيوبا وتشوهات بارزة تسيئ لجمالية البناية أو الحديقة أو الشارع…، بل تصبح هذه العيوب أحيانا خطرا على المواطنين تهدد سلامتهم الجسدية، ولعل أمثلة الحفر على الأرصفة والطرق المهملة أو المتروكة بعد نهاية الأشغال ليست عنا ببعيدة، ورغم تنديد المواطنين عبر مواقع التواصل الاجتماعي “حفرة لكل مواطن” و”مدينة الحفر” أو الاحتفال بأعياد الحفر مثلا…، فإن المسؤول يظل في سباته الشتوي في انتظار الإعلان من جديد عن طلبات عروض لإنجاز المشروع من جديد، أو إعادة الـتأهيل والترميم أو الإصلاح، وهو ما يشكل هدرا واضحا للمال العام، كان يمكن تجنبه من خلال وضع بند في دفتر التحملات خاص بالصيانة الدورية أو الترميم والمواكبة قبل بداية تشييد المشروع.
نقولها ونحن نتأسف، من غير المقبول ونحن في 2022 أن نجد حفرا وزليجا مكسورا على مستوى أرصفة شوارع كبرى بأكبر المدن المغربية، بل في المدن التي تراهن لجذب السياح من قبيل طنجة، مراكش، الرباط، أكادير وغيرها، والتي خصصت لهذه المشاريع مبالغ طائلة قصد الإنجاز، لكن الإنجاز في نظرنا غير كاف، لذا نحن اليوم في حاجة ماسة لمجالس منتخبة تفكر على المدى البعيد فيما يهم مختلف مشاريع البنية التحتية، حيث إن كل المدن المغربية تعرف توسعا عمرانيا متسارعا، مما يفرض ضرورة التفكير في مشاريع جديدة تستجيب لحاجات المواطن، بدل التفكير المحدود الذي يجعل فضاء واحدا (شارع، طريق، رصيف، كورنيش…) دائما على لائحة المشاريع التي تعاد كل سنة وبالتالي تخصيص ميزانية لها لإعادتها من الصفر.
نعتقد أن فضاءات مدننا المغربية اليوم خارج شروط الفضاء العمومي، في ظل الوضعية الكارثية على مستوى البنية التحتية لأغلبها، بسبب استمرارية عقلية الترقيع والهشاشة، فلا يعقل أن تتم تهيئة وإعادة تهيئة شارع مرتين في كل ولاية انتخابية، خصوصا في ظل الوضعية والأزمة العالمية التي تفترض ترشيد النفقات وعقلنة كل مشروع تهيئة، وأن تكون دفاتر التحملات صارمة، وتضع أيضا ضوابط جزرية لكل إخلال بأحد بنودها، خصوصا أن بعض المقاولات لا تحترم بنود الصفقة العمومية وتتحايل على الرقابة، لذا فعلى وزارة الداخلية باعتبارها الوصية المباشرة على مجالس الجماعات الترابية أن تكون صارمة حتى لا نسقط في مشاريع مغشوشة.
عبد الصمد ادنيدن