يخلد المغرب يومه الأربعاء الذكرى ال79 لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944، وهي مناسبة لإبراز هذه المحطة الكبرى في ملحمة الكفاح الوطني لبلادنا وشعبنا من أجل الاستقلال والتحرر من الاستعمار، ومن أجل تحقيق السيادة الوطنية والوحدة الترابية للمملكة المغربية.
هذا التخليد ليس طقسا مكرورا ورتيبا، وليس ذكرى متحفية من الماضي، ولكن الأمر يتعلق بمناسبة كبيرة تتجدد دلالاتها باستمرار، وهي حدث وطني كبير تحتفظ به دائما الذاكرة التاريخية لشعبنا.
بالفعل، يعتبر مهما استحضار سياقات الحدث وتفاصيله وسجالاته، ولكن ذلك مسؤولية المؤرخين قبل غيرهم، والأكثر أهمية أن الحدث الوطني الكبير يمنح دروسا متواصلة إلى اليوم، ومن الضروري تعريف الشباب والأجيال الحالية بها، والحرص على استحضارها الدائم وتمعن جسامة ما قدمه شعبنا من تضحيات خلال صنع هذا الحدث في حينه.
هذه المناسبة، ومناسبات وطنية أخرى من قيمتها، تذكرنا بأن قوى استعمارية جثمت على صدر بلادنا وشعبنا طيلة سنين، وبأن المملكة المغربية لم تحصل على حريتها واستقلالها صدفة أو منة من المحتلين، ولكن نتيجة صمود شعب ومقاومته، وبعد أن سالت دماء وقدمت أرواح، وأيضا بسبب تلاحم وطني قوي بين الحركة الوطنية والمؤسسة الملكية، وكل هذا يبرز قوة الكفاح الوطني المغربي وتميزه، والتعبئة التاريخية للمغاربة ضد المحتل الأجنبي، ومن أجل تحقيق الاستقلال.
لا بد أيضا أن نستحضر أن أغلب الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال كانوا شبابا في مقتبل العمر، وهذا يؤكد أهمية وقدرات الشباب، وتفوقهم في تحقيق المستحيل متى امتلكوا الوعي اللازم والتنظيم الضروري والتعبئة الوطنية المطلوبة.
من جهة ثانية، الوعي النضالي ووضوح النظر السياسي والتقاء ارادة قوى الحركة الوطنية وإرادة المؤسسة الملكية ومتانة الجبهة الداخلية الوطنية هي الأوراق الرابحة للمغرب في معركة تحقيق الاستقلال، ولاحقا في معركة استكمال الوحدة الترابية للبلاد، وهو ما يمثل أكبر دروس ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، وما يجب اليوم كذلك تعزيز الوعي به وترسيخه والعمل به للنجاح في كل الرهانات الوطنية والديموقراطية والتنموية.
بفضل الإصرار العام على الحرية والاستقلال، وبفضل الوحدة الوطنية والتعبئة الشعبية والمجتمعية، استطاع المغاربة التحرر من الاستعمار وتحقيق السيادة الوطنية والوحدة الترابية، وهذا العام تم بفضل هذه الإرادة الوطنية بالذات، وبفضل الإصرار على النجاح، تحقيق الانتصارات الرياضية التي احتفى بها المغاربة، وجرى أيضا التصدي للجائحة وتداعياتها، أي بفضل اعتزاز كل المغاربة بوطنيتهم، وبفضل الإصرار الجماعي على الانتصار لوطنهم…
درس المقاومة والصمود مستمر إذن في كل المجالات الوطنية، والشعور الدائم بضرورة بقاء المغرب حرا ومستقلا وموحدا و… ناجحا ومنتصرا، بقي دائما هو قناعة المغربيات والمغاربة، وهو أفقهم الوطني الأساسي، ودليل السير الجماعي نحو المستقبل.
تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال في يناير 1944 مثل محطة كبرى في المسيرة النضالية الوطنية من أجل الاستقلال، ومرحلة فاصلة عما قبلها، كما قادت امتداداتها إلى محطات وملاحم أخرى تبعتها، ومنها ثورة الملك والشعب، وأشعلت الحماسة النضالية الوطنية التي انتصرت في الأخير، وحققت للوطن حريته واستقلاله عن القوى الإستعمارية الاوروبية التي تكالبت على المغرب وجزأته واستعمرته.
ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، مناسبة للترحم على كافة شهداء المقاومة الوطنية من أجل التحرر الوطني، ومناسبة، أيضا، لاستحضار دلالات التاريخ والسياق والامتداد، ولاستمرار التمعن فيها وقراءتها والتعريف والاهتداء بها.
ذكرى 11 يناير…
الوسوم