مقدسات ومحرمات وحروب.. ألغاز الثقافة -الحلقة 18-

يتناول كتاب «مقدسات ومحرمات وحروب: ألغاز ثقافية» لـمؤلفه «مارفين هاريس» بعض من الأعراف المحيرة بين الشعوب الأمية أو البدائية، والتي تبدو ألغازا عصية على الحل، بل وتحيل على الجهل والخوف والتناقض كعناصر أساسية تشكل الوعي اليومي.
امتناع الهندوس عن أكل لحم الأبقار، أو كره اليهود، والمسلمين، أو لماذا يؤمن بعض الناس بالمخلصين بينما يؤمن آخرون بالساحرات، هي صورة في ما لا يعد ولا يحصى من أوهام مكتسبة واسعة، تعزز قناعتنا الأعمق بالكيفية التي يتحتم من خلالها أن يتصرف وفقها أناس بعقلياتهم الشرقية المبهمة.
بيان اليوم تقدم لقرائها بعض من هذا الإصدار الممتع ضمن حلقات رمضانية.

عصي المكانس ومجمع السحرة

وثيقة خلاصية تنبأت بقدوم فريدريك على حصان أبيض ليحكم العالم بأكمله

تحدى فريدريك علنا سلطة البابا، الأمر الذي تسبب بوضع مملكته تحت الحظر والتحريم البابوي للمعمودية والزواج والاعتراف والطقوس الدينية الأخرى. جاء الدعم لفريدريك من الجناح الفقير المتعصب للنظام الفرنسيسكاني المعروف بالروحاني.
وادّعى ممثلو هذا الجناح أن فريدريك سوف يقوم قريبًا بدور عدو المسيح، مطهرًا الكنيسة من الثروة والترف ومقوّضًا سلطة رجال الدين أعلن فريدريك منقذا في ألمانيا من المبشرين الجوالين المناصرين ليواكيم، الذين ندّدوا بالبابا وأداروا الطقوس الدينية ومنحوا صكوك الغفران في تحد للحظر البابوي. وفي شوابيا، قال أحد هؤلاء المبشرين، الأخ أرنولد، إن المسيح سوف يعود في عام 1260 وأكد حقيقة أن البابا عدوّ المسيح، وأن رجال الدين هم بمنزلة «الأطراف» العدو المسيح. هؤلاء سيدانون كلهم بسبب عيش الترف واستغلال الفقراء واضطهادهم. عندئذ سيصادر فريدريك الثروة العظيمة لروما ويوزعها على الفقراء المسيحيين الحقيقيين الوحيدين.
لم يُطح موت فريدريك الفجائي في عام 1250 التصورات المسيحية المرتبطة بحكمه بل أصبح الإمبراطور النائم وفي عام 1284، جذب الرجل، الذي ادعى أنه فريدريك المستيقظ الأتباع في مقاطعة نيوس الألمانية قبل أن يُحرق بسبب الهرطقة واستمر الفريدريكيون المنقذون يُحرقون لمئات من السنين بعد ذلك.
أورد نورمان كوهن وثيقة خلاصية – حربية تدعى« كتاب من مئة فصل»، كُتبت في بداية القرن السادس عشر، وتنبأت بقدوم فريدريك على حصان أبيض ليحكم العالم بأكمله، وأن رجال الدين من البابا فما دون سوف يُمحقون بمعدل 2300 شخص كل يوم. وسيذبح الإمبراطور أيضًا جميع مقرضي الأموال والتجار الذين يتحكمون بالأسعار، والمحامين عديمي الضمير. وستكون كل الثروة عادلة وتعود إلى الفقراء، وستُمحى الملكية الخاصة، وستصبح كل الأشياء كلها مشاعا: كل الملكيات ستصبح ملكية واحدة وحيدة. عندئذ، سوف يكون في الواقع راع واحد وحظيرة غنم وحيدة . استعدادًا للعصر الثالث الذي تنبأ به يواكيم الفيوري، بدأت عصابات من الرجال الذين اختصوا في جلد أنفسهم بالأحزمة ذات الأطراف الحديدية، المسير من بلدة إلى بلدة وبوصولهم إلى ساحة كل بلدة، كان «جالدو أنفسهم»، هؤلاء يتجردون من لباسهم حتى الخصر ويسوطون أنفسهم حتى يسيل الدم، وكانوا مهتمين في البداية بالتوبة كوسيلة التقويم الطريق من أجل العصر الثالث. لكن أنشطتهم أصبحت مدمرة بصورة متزايدة وموجهة ضد رجال الدين، خصوصا في ألمانيا بعد عام 1260 وعندما بدأوا الادعاء أن مجرد المشاركة في إحدى عملياتهم تغفر للإنسان خطيئة، اعتبرتهم الكنيسة هراطقة و دفعتهم بذلك إلى التواري عن الأنظار عادوا إلى الظهور في عام 1348 باسم جماعة «الموت» «الأسود» واكتسحوا أوروبا. حمّل «جالدو أنفسهم اليهود مسؤولية الموت الأسود فحرضوا الحشود، بلدة بعد بلدة، على ذبح السكان اليهود وإذ وضعوا أنفسهم في مرتبة أعلى من البابا ورجال الدين، ادعوا بأن دمهم لديه قوة الافتداء وأنهم كانوا جيش القديسين الذي يحمي العالم من غضب الرب. ورجموا الرهبان الذين حاولوا الوقوف في وجوههم، وعطلوا الخدمات المنتظمة للكنيسة، وصادروا ممتلكاتها وأعادوا توزيعها.
قاد حركة الجالدين لأنفسهم، التي توجت الثورة الخلاصية، شخص يدعى كونراد شميد الذي ادعى أنه الإمبراطور الربّ فريدريك. جلد شميد أتباعه وغسلهم بدمائهم كأعلى درجة من المعمودية. وكما حصل مع المؤمنين بالأحمال في نيو غينيا، باع الناس أملاكهم في سكسونيا السفلى وتركوا العمل واستعدوا لأخذ أماكنهم في الجوقة الملائكية التي ستقف عند أقرب نقطة من الإمبراطور الرب بعد يوم القيامة. حصلت هذه الحادثة في عام 1369 . وبسبب من التدخل الفاعل لمحاكم التفتيش أحرق شميد قبل أن يتمكن من إتمام عمله. وبعد سنوات، كان «جالدو أنفسهم» لا يزالون يكتشفون في سكسونيا السفلى، وأحرق ثلاثمئة منهم في يوم واحد من عام 1416.
كان ثمة سبيل واحد للتخلص من الفقراء المنفرين مثيري الشغب وهو بتجنيدهم في الحروب المقدسة أو الصليبية للمساعدة في استرجاع أورشليم من الإسلام. لكن حدثت لبعض هؤلاء الصليبيين ردات فعل عكسية وتحوّلوا إلى الحركات الثورية الخلاصية الموجهة ضد رجال الدين والنبلاء.

< إعداد: ايت اومزيد سعيد

Related posts

Top