رفض مغربي رسمي وشعبي لتقسيم فلسطين في 1947
في ظل الأوضاع التي تعرفها فلسطين، سواء بالضفة الغربية أو قطاع غزة من عدوان شامل للاحتلال ومحاولة لإبادة جماعية لشعب فلسطين الأبي، كان للمغرب دائما حضور وازن، لا من حيث التضامن الشعبي أو الرسمي من خلال المساعدات الإنسانية وغيرها أو من خلال دعم جهود الإعمار، وكذا دعم خاص للقدس الشريف.
ومنذ 7 أكتوبر 2023 الذي أطلق فيه الاحتلال الإسرائيلي حربه المدمرة على قطاع غزة واستمراره في مسلسل الاستيطان خاض المغاربة من شمال المغرب إلى جنوبه، ومن غربه إلى شرقه سلسلة من الاحتجاجات والأشكال التضامنية مع القضية الفلسطينية.
ووفق التقديرات فإن المغاربة خاضوا أزيد من 6000 مظاهرة وأزيد من 730 مسيرة شعبية، في أكثر من 60 مدينة مغربية، إضافة إلى وقفات مركزية عديدة وبشكل دوري أمام البرلمان، بالإضافة إلى ما يزيد عن 25 موكبا تضامنيا للسيارات والدراجات، وما يفوق 120 ندوة ومحاضرة لتنوير الرأي العام وتوعيته في ما يهم معركة “طوفان الأقصى” والقضية الفلسطينية وتطوراتها.
هذا الغنى في التضامن مع القضية الفلسطينية يجعل المغرب في مقدمة الدول الأكثر تضامنا مع القضية الفلسطينية بالشارع العربي والمغربي، وهو ما يدفعنا في هذه السلسلة الرمضانية إلى العودة إلى تاريخ العلاقات المغربية – الفلسطينية، وكيف تضامن المغاربة مع القضية الفلسطينية وجعلوها قضية أولى إلى جانب قضية الصحراء المغربية.
وتستند هذه الحلقات إلى قراءة في كتاب “المغرب والقضية الفلسطينية من عهد صلاح الدين إلى إعلان الدولة الفلسطينية” للراحل أبو بكر القادري الذي شغل أول رئيس للجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني، وأيضا كتاب “فلسطين قضية وطنية” للكاتب عبد الصمد بلكبير، وأيضا إلى مراجع وكتب أخرى تناولت القضية
استمرت نضالات المغاربة على واجهات متعددة، فعلى المستوى الوطني كان نضالات الحركة الوطنية مكثفة من أجل نيل استقلال البلاد، وفي ظل هذا الزخم، فإن استحضار القضية الفلسطينية لم يغب لحظة عن أذهان المقاومين المغاربة وظلت مواقفهم ثابتة في رفض احتلال أرض فلسطين.
وعندما تقرر أممياً تقسيم فلسطين في العام 1947 اتسع التضامن ليشمل القصر الملكي، الذي بادر ديبلوماسيا بالاستنكار والرفض أمام السلطة الفرنسية الحامية، ولدى الجامعة العربية، حيث اعتبر المغرب عن طريق الزعيم علال الفاسي المقيم حينها بالقاهرة،القرار “عدوانا على الإسلام وإهانة للمسلمين.
وتضيف المصادر وفق كتاب الأستاذ عبد الصمد بلكبير “فلسطين قضية وطنية”، أنهمع اشتداد المظاهرات الشعبية، توجه السلطان محمد الخامس باعتباره أميرا للمؤمنين بخطاب إلى الشعب المغربي في نفس الموضوع وبنفس مواقف الاحتجاج والرفض لتقسيم دولة فلسطين.
وهي المواقف ذاتها التي عبر عنها رجال الحركة الوطنية والهيئات السياسية التي أصدرت مواقف مناهضة لتقسيم فلسطين وضد قيام الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين، وقامت من أجل ذلك التظاهرات ووزعت المناشير، وتقوت المواقف على كثير من المستويات.
ولم يقف التضامن المغربي عند هذا الحد، حيث تذكر المصادر أنه عند اندلاع الحرب العربية الأوربية (الصهيونية) في 1948 بفلسطين، هاجر الكثير من المغاربة نحو الشرق مصر والأردن برسم جهاد التحرير. متوسطين لذلك مكتب المغرب العربي بالقاهرة بقيادة الزعيمين العروبيين الخطابي والفاسي وكانت القائمة طويلة، وكانت تلك أيضا مناسبة لتدريب المناضلين المغاربة علىالمقاومة المسلحة، والتي فجروها لاحقا في أوطانهم بالمغارب.
هذه الهبة الشعبية للمشاركة في حرب 1948 لمواجهة الصهيونية، قابلها أيضا ضغط مغربي رسمي على الاحتلال الفرنسي، حيث احتج الملك محمد الخامس على المستعمر بسبب رسو باخرة إسرائيلية في ميناء الدار البيضاء، معتبرا إياها باخرة عدوة.
وحسب الأستاذ بلكبير ومصادر أخرى، فإنه بالنسبة للملك محمد الخامس كان يعتبر أن الاحتلال الفرنسي أهون لديه من الصهيونية وقيام إسرائيل على أرض فلسطين، حيث تضيف المصادر أن الملك تدخل بشكل شخصي لدى السلطات الفرنسية من أجل الإفراج عن المناضل أمين الحسيني مفتي القدس الذي كان معتقلا بالسجون الفرنسية.
وهي المصادر ذاتها التي أكدت مساهمةالحركة الوطنية المغربية بفرنسا عبر الهادي الديوريفي تدبير هروب المناضل أمين الحسيني من سجانيه ومغادرته فرنسا.
واستمرت نضالات المغاربة عبر التطوع في مواجهة الكيان الإسرائيلي والتطوع في حرب مواجهة الصهيونية، والتي كانت حربا تخريبية، حيث رد الاحتلال الإسرائيلي على مساهمة المغاربة في هذه الحرب بتعمدالسطو على الوقف المغربي، ثم لاحقا وخاصة إثر احتلاله شرق مدينة القدس مباشرة، إلى الإجهاز على البقية الباقية منه، حيث هدم حارة المغاربة بعد ثمانية قرون من إعمارها مغربيا، بما في ذلك مراكزها الدينية من خلال جامع البراق / زاوية المغاربة، وصادر وقفها جميعه، وشرد ساكنتها المغربية، ومنها أسر: الزاوي والجربي والدكالي والمراكشي والشاوي والفلالي والسباعي والفاسي والضراوي والتواتي والسرغيني والسويسي والتازي والحلفاوي والشنقيطي والفكيكي والتيجاني والمصلوحي والجبلي والخطيب… وعائلات كثيرة أخرى مغربية كانت قد عاشت بالقدس الشريف.
ولم يكتفي الاحتلال الإسرائيلي بتخريب المعالم المغربية بالقدس الشريف، بل عمد أيضا إلى مصادرة مفاتيح باب المغاربة، ثم خصصها للسياح والمتطرفين اليهود، قبل أنيغلقه نهائيا في 2000، ثم في 2007 واصل التدمير عبر هدم طريق المغاربة وباب المغاربة وخلع الرصيف العثماني ونهش الكتف الغربي للمسجد الأقصى، ثم هدم غرفتين منه.
وزاد الاحتلال في جبروته، وحول حارة المغاربة إلى ساحة “مبكي قبالة حائط البراق، وهي جرائم اقترفها ويقترفها الاحتلال الإسرائيلي الذي حاول ولا زال يحاول طمس تاريخ فلسطين وتاريخ القدس الشريف، الذي ظل على الدوام يحتفظ بجزء مغربي خالص في تاريخه، ما تزال عدد من الأسر المغربية هناك تحافظ عليها وتقاوم من أجل استمراره ضدا على نهج وعدوان الاحتلال.
إعداد: محمد توفيق أمزيان