سؤال اليسار…

عند كل استحقاق تنظيمي داخلي لأحد الأحزاب اليسارية المغربية يعود للواجهة موضوع وحدة اليسار وما يحيط بذلك من استحضار للتاريخ وللذكريات وللأسماء ولبقية التفاصيل، وقد عاد الحديث نفسه في الأيام الأخيرة للتداول على ألسنة قياديين من تنظيمات يسارية، وفي بعض البلاغات والتصريحات، وتكرر الكلام عن «وحدة  اليسار»، وعن الفيدرالية، وعن الحزب الاشتراكي الكبير، بل وذهب البعض في ذات التمني إلى الحديث عن «الكتلة التاريخية»، وتابع الناس هذه التفاصيل كما لو أنها لشريط سبق أن شاهدوه أكثر من مرة. إن أجواء التعبير الديمقراطي الحر التي صارت تشهدها مؤتمرات الأحزاب الوطنية، وأسلوب الترشيح التعددي والتصويت الحر  لتولي منصب زعيم الحزب، يجب أن تنتظم  اليوم ضمن بنية تنظيمية وفكرية عامة داخل هذه الأحزاب وتسير بالدينامية إلى نهايتها، وتنجح في إعادة توحيد الصفوف داخل كل حزب على حدة، وتصحيح كل اختلالات الذات، وبعدها يمكن أن ينطلق الحديث بين أحزاب حقيقية تتوفر لديها قواسم مشتركة من أجل الوصول إلى صيغة للعمل التنسيقي المشترك، أما الحديث من البداية بين مجموعات عديدة متعددة فقد تم تجريبه في أكثر من مرة، وكان يقود دائما إلى تكرار البدايات.
في السياق نفسه، إن التنظيمات اليسارية المغربية، أو على الأقل بعضها، يكبلها عائقان مركزيان يمنعان كل تحرر في الأفكار والعقليات والأبصار، وهما أن الوحدة أو التقارب يراد لهما أن يتما في زمن اليوم، لكن بنظارات وخلافات الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وهذه معضلة حقيقية تجعل كامل الكلام يلتف حول نفسه ويدخل في منغلق بلا أفق.
أما العائق المركزي الثاني، فيرتبط بأوهام البعض عن ذاته، وعن حجم تمثيليته في الساحة، وأيضا ما يكبل فكره من يقينيات لا يريد أن يتزحزح عنها سواء بالنسبة لتقييمه لمواقف وتجارب الأطراف اليسارية الأخرى، أو بالنسبة لقراءته للوقائع السياسية والمجتمعية الجارية اليوم على الأرض.
المغرب اليوم في حاجة فعلا إلى قوة يسارية ديمقراطية حداثية وعقلانية، ولكنه في حاجة كذلك إلى أن تكون هذه القوة اليسارية مرتبطة بواقع مغرب اليوم، ومتحررة من أنانياتها وأوهامها، وتفتح عيونها على تحولات المغرب الحالي، وعلى ما يشهده محيطه الإقليمي والعالمي، وأيضا على ما يميز مجتمعنا وشعبنا وشبابنا من تغيرات اجتماعية وثقافية وفي القيم والتمثلات والمطالب.
إن يسارنا الديمقراطي التقدمي العقلاني، وبعد أن يفتح عيونه على أعطاب الذات وينجح في علاجها، يجب أن يدرك الحجم الحقيقي لتمثيليته وسط الناس وفي صناديق الاقتراع، حتى ولو كان موحدا في حزب واحد أو جبهة واحدة، ومن ثم عليه أن يتملك رؤية واضحة وشجاعة لتحالفاته في المشهد السياسي الوطني على ضوء ما يتطلع إليه شعبنا اليوم من أهداف ديمقراطية وتنموية، وهنا تبرز تجربة الكتلة الديمقراطية ضمن دينامية لقاء القوى الوطنية الديمقراطية المناضلة ضد الفساد والمفسدين، ومن أجل تقوية الإصلاحات في بلادنا، وتلبية المطالب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والديمقراطية لشعبنا، ولتمتين جبهة حماية استقرار بلادنا، وانفتاحها وتعدديتها السياسية، ومن أجل رفض التحكم والهيمنة.
إن الديناميات التي انطلقت في السنوات الأخيرة على صعيد التدبير التنظيمي داخل عدد من الأحزاب يجب أن تتطور اليوم إلى دينامية عامة تنجح في النهوض بمشهدنا الحزبي والسياسي بصفة عامة، بما في ذلك على صعيد توضيح التحالفات وتأهيل الممارسة الحزبية والسياسية والمؤسساتية، وذلك بما يمكن من ترسيخ التعددية والديمقراطية في البلاد، ويشجع على إنجاح مسلسلات الإصلاح والتنمية لفائدة شعبنا وشبابنا.

Top