إنها التفاتة تستحقّ، حقّا، كل الشكر والتنويه تلك التي أقْدَمَتْ عليها مجلة «الكلمة» المعروفة بإفرادها ملفَّ عددها الأخير (شتنبر 2014) للفقيد الدكتور عبد الرحيم مودن (1948 – 2014م)، وقد ضَمَّ بين دفتيه شهادات وقراءات نقدية في أعماله، وهي كثيرة ومتنوعة كما نعلم؛ إذ إنه كتب في القصة، والمسرح، وأدب الرحلة، والنقد الأدبي، ونحوها من الميادين. كما أعادت المجلة نشْر جملة من أبحاث د. مودن ومقالاته، لاسيما وأنه كان من كُتابها المُكْثرين، الذين آمنوا بمشروعها وسُمُوّ أهدافها؛ فلم يتوانوا عن الإسهام في أعدادها بمقالاتٍ تتابِعُ جديد الأدب المغربي، أو تتطرق إلى قضايا ومواضيع مختلفة. وقد أشرف على إعداد هذا الملف المُميَّز، فعلا، الكاتب والصِّحافيّ عبد الحق ميفراني، تحت عنوان «عبد الرحيم مودن: الانتصار لقيم الكتابة»، وأسهم فيه، كذلك، بمقال وافٍ عن أديبنا الراحل حاول، عبر محاوره الأربعة، تتبُّع مسار د. مودن في البحث والكتابة والانتصار لقضايا المجتمع. ونطالِعُ، في الملفّ، بعد هذه المقالة الافتتاحية قراءاتٍ في مُنْجَز الفقيد الأدبي قدّمها نقاد وباحثون ذوو وزن في مشهدنا النقدي المعاصر، وهم: مصطفى يعلى («أرخبيل الذاكرة».. أرخبيل حياة)، وحميد ركاطة (القصة القصيرة بين المفهوم النظري والنص القصصي)، وأحمد بلخيري (معجم عبد الرحيم المؤذن)، ومحمد أقُضاضْ (عبد الرحيم مودن: المثقف المتعدد)، ومحمد نجيم (محمد باهي يرحل في فضاء باريس بمَعالمها الثقافية والتاريخية). ونشرتِ «الكلمة»، عقب ذلك، سِتّاً من دراسات مودن في مجال السرد عموماً (مثل: اتجاهات البحث الرِّحْلي بالمغرب (خطاطة أولية) – الرحلة الأخيرة لهشام شَرَابي: الرواية والرحلة – الرحلة: المفهوم والجنس الأدبي…)، وتسْعَ قراءات أو متابَعاتٍ نقدية أنجزها حول أعمال أدبية وإبداعية عدة (مثل: بين «الفتوة» و»البلطجي» في قصص نجيب محفوظ – قراءة في ببليوغرافيا قصصية مغربية – رجل الكراسي أو كرسي سيزيف – مجموعة «كلكنّ عذراوات»: الانتصار للقصّ المتجدِّد…)، وتسعَ مقالات كذلك تناولت مواضيع مختلفة (مثل: الرحلة العربية في ألف عام: اكتشاف الذات والآخَر – تحية إلى مجلة «الآداب» – ذاكرة الغياب.. – حول الثقافة الرقمية…)، وسبعةَ نصوص إبداعية له في ميادين القصة والرحلة والمسرحية (مثل: الرحلة الباريسية – قصة «أيام العرب» – ابن بطوطة وتابعه ابن جزي؛ وهي مسرحية من ثلاثة مَشاهِد…)، عِلاوةً على كلمة/ نداء خَطَّه بمناسبة الدعوة التي أطْلقها قصّاصون مغاربة من أجل اعتماد «28 أبريل» يوماً وطنيا للقصة المغربية القصيرة، وعلى حوار مُجْرىً معه، سابقاً، أكّد فيه أننا «نمتلك تراثاً ضخماً في أدب الرحلة، لكنّ الكثير من نصوصه يظل في حاجة إلى تحقيق علمي». والواقع أن هذا الملف، بهذا الغِنى والتنوع، يعدّ مرجعاً مهمّا للباحثين في تراث د. مودن الأدبي والفكري. ولا بد من الإشارة إلى أن جملة وافرة من موادّه سبق نشْرها، ورقيّاً، في مَلاحِق ثقافية وفي دوريات عديدة.
وحافظت المجلة على أبوابها الأخرى الثابتة التي يَعْرفها مُتتبِّعوها جيداً، ويشتمل أولها على دراسات جادّة ورصينة لثلة من الكتاب المتميزين، تطرقت إلى بحث إشكالات وقضايا وموضوعات متنوعة، وهي كالآتي:
– زَمَكان الحداثة الخاوية السّرْمدي (صبري حافظ، وهو رئيس تحرير «الكلمة»، ومُديرها).
– تنمية قناة السويس .. مشروع لمستقبل مصر (أحمد السيد النجار).
– النظريات المُفسِّرة لنُشوء الكون (محمد الفاهم).
– إيديولوجيا الفرجة (يحيى بن الوليد).
– تخييل البنى العميقة للعُشَرية السوداء (عبد الله شطاح).
– الديمقراطية السودانية: المفهوم، التاريخ، الممارسة (محمد شاويش).
– النص الرقمي (مصطفى الغرافي).
ونشر العدد 89 من الكلمة، في باب «نقد»، مقالات لكلٍّ من: سلامة كيلة (القضية الفلسطينية في سياق الحرب على غزة)، ومصطفى يوسف اللداوي (غزة تحت النار)، ونبيل عودة (أوشفيتش غزة: «أمواتاً يمشون» حتى متى؟!)، وصبحي حديدي (شاعر الخطاب والحماسة)، وسعيد بوخليط (سيرة جاك ديريدا)، ومراد ليمام (قراءة في الصور المجازية للولادة المزدوجة لمصطلح «لوغوس»)، وسفيان عبد الستار الفاروقي ( حادثة 11 سبتمبر في «الإرهابي 20» لعبد الله ثابت السعودي)، و رائد وحش زكي نداوي لا يزال حيّاً)، و مأمون شحادة عالم الانترنت .. بين الاغتيال والتشهير والضبابية).
ونقرأ في العدد نفسِه قصائدَ للشعراء والشواعر: إبراهيم زولي (صاحب «ديوان العدد»)، وفرات إسبر، وسعيد الشيخ، وسعيد تاقي، وماجدة غضبان، وأمجد الحريزي، وميداني بن عمر، ومريم سليمان، ومَناش باتاشارجي. كما نقرأ فيه نصوصاً سرديةً للكُتّاب: خضير فليح الزيدي، وعمر الحويج، وباقر جاسم محمد، ومحمد فطومي، وأنا ماريا مَطُوطي، ووفاء شهاب الدين، وحسن يارتي.
وأسْهَمَ، في باب «علامات»، نبيل سلامة بمادّة أدبية عن «خير الدين الأسدي؛ عاشق حلب»، وفي باب «مواجهات / شهادات»، الكاتب إلياس فركوح بكلمةٍ عن «علاقة الأحزاب بالمثقفين والفنانين». وتضمّن العدد، كذلك، ستَّ مُراجَعات أو قراءات في كتبٍ منشورة، قدّمها الباحثون: علاء الديب، وشوقي عبد الحميد يحيى، وحميد لغشاوي، وحسن المودن، وفراس حج محمد، وسعيد أصيل. فضْلاً عن جملة من الرسائل والتقارير عن فعاليات ثقافية وأنشطة وندوات علمية وأدبية ومهرجانات…؛ كموسم أصيلة في دورته الأخيرة، التي حَضَرَتها البحرين بوصفها ضيفة شرف.