حكايات عديدة نسجت في كل مراحل التاريخ عن طبيعة المرأة الفيزيولوجية والبيولوجية واعتبار هذه «الطبيعة» محددا لتدني مكانتها في المجتمع قياسا بموقع الرجل فيه. وقد كان حيفا كبيرا في العديد من مراحل التاريخ البشري أن يُزج بالمرأة، فقط لأنها امرأة، في الدرك الأسفل من المجتمع. لقد كانت المرأة وما تزال ضحية الذهنية الذكورية التي تجعل منها كائنا لا يستقيم إلا بتبعيتها للرجل وموالاتها له، ولهذا، فالأدوار الأساسية والمناصب ذات الحساسية في أي مجتمع كانت وما تزال تسند، في عمومها، إلى الرجل ولا يُلتفت إلى المرأة حتى ولو كانت كفاءتها وأهليتها العلمية تؤهلها لتحمل المسؤولية والوصول إلى مراكز القرار السياسي إسوة بالرجل. من قلب هذه المعاناة التاريخية للمرأة، جراء إقصائها الظالم، يظهر بين الحين والآخر الاستثناء الذي معه تتبوأ المرأة مناصب عليا قد تكون بالغة الحساسية في بعض الأحيان، كما تبرهن على ندّيتها للرجل، وتدحض بذلك كل «الحجج» أو الادعاءات التي تتدرع بها عقلية الذكورة من أجل تثبيت دونيتها. وإنصافا للمرأة من ظلم التاريخ، نورد في ما يلي نماذج من هؤلاء اللواتي كسرن ادعاءات الرجل بشأنهن، بوصولهن لمناصب النخبة والقرارات السياسية في بلدانهن.
إلين جونسون سيرليف أول امرأة تتولى منصب رئيس جمهورية لدولة أفريقية
إلين جونسون سيرليف من مواليد 29 أكتوبر 1938 في مونروفيا هي الرئيسة الحالية لليبيريا، درست العلوم الاقتصادية من عام 1948 لغاية عام 1955 في كلية غرب أفريقيا في مونروفيا. وتزوجت من جيمس سيرليف عندما كانت في سن 17 عاماً. وسافرت معه إلى الولايات المتحدة في عام 1961 لمواصلة دراستها في مجال الاقتصاد والعلوم السياسية. وفي عام 1971 عادت إلى وطنها للعمل في حكومة وليام تولبرت.
خدمت سابقاً في منصب وزيرة المالية أثناء حكم ويليام تولبرت، من 1979 حتى الانقلاب العسكري في السنة التالية حينما غادرت البلاد. في انتخابات عام 1997 تم ترشيحها وقد حصلت على المركز الثاني مع فارق بسيط. فازت في انتخابات 2005 وشغلت منصب الرئيس منذ 16 يناير 2006. وهي أول امرأة تحكم دولة أفريقية، وقد احتلت المركز السبعين في قائمة أقوى النساء في العالم التي نشرتها مجلة فوربس عام 2014. حصلت على جائزة نوبل للسلام لعام 2011 مع مواطنتها ليما غوبوي واليمنية توكل كرمان.
وضع حد للنزاع المسلح في البلاد
قبل 10 سنوات، أصبحت إلين جونسون سيرليف، أول امرأة تتولى منصب رئيس جمهورية لدولة أفريقية، عندما فازت المرأة التي لقبت بـ”المرأة الحديدية”، بانتخابات الرئاسة لليبيريا، في إطار عملية ديمقراطية وضعت بها حدا للنزاع المسلح في بلادها.
إلين جونسون سيرليف، اشتهرت بانتقاداتها لحكومة ويليام تولبرت، عند عودتها إلى ليبيريا بعد حصولها على الماجستير في الإدارة العامة من جامعة هارفارد عام 1971، وكانت اعتراضاتها سببا لمغادرتها البلاد والعودة إلى الولايات المتحدة، حيث تولت منصب خبيرة اقتصادية بالبنك الدولي، حتى ترشحها عام 2005 لانتخابات الرئاسة.
صنفتها مجلة “فوربس” من أكثر 100 شخصية نسائية تأثيرا على مستوى العالم، حيث رسمت المرحلة الأبرز في تاريخ بلادها بفوزها في انتخابات 2005 التي أنهت حربا أهلية استمرت لـ14 عاما، وتشكيل حكومة شاملة تداوي جراح الحرب، وتلقيها إشادة دولية واسعة لعملها من أجل إعادة إعمار ليبيريا.
في عام 2011، تسلمت إلين جائزة نوبل للسلام، بالمشاركة مع مواطنتها ناشطة السلام ليما جبوي، والناشطة اليمنية توكل كرمان، نظيرا لكفاحهن السلمي من أجل سلامة النساء وحقوقهن في المشاركة الكاملة في أعمال تحقيق السلام.
تعهدت رئيسة ليبيريا إيلين جونسون سيرليف بملاحقة المسؤولين عن تزايد جرائم القتل الشعائري في البلاد التي تسعى للتعافي من أزمة وباء الإيبولا.
وفي بعض المناطق في وسط أفريقيا تباع أجزاء من الجسد بمبالغ كبيرة للاعتقاد بقواها غير الطبيعية واستخدامها في طقوس السحر الأسود.
وقالت جونسون سيرليف في خطاب مشهود لها “نشهد تزايدا في أعمال القتل شعائري فيما يبدو وأعمال سطو مسلح في البلاد مما يهدد أمننا.” وأضافت “لقد أعطيت توجيهاتي للقوى الأمنية لفرض القانون بصرامة وبحذافيره والسيطرة الفورية على هذا الوضع البشع.”
ليبيريا ..العودة للاستقرار وبناء الدولة
تتعافى ليبيريا اليوم من آثار الحرب الأهلية والتفكك الاقتصادي ذو الصلة حيث يعيش حوالي 85% من السكان تحت خط الفقر الدولي
وتعد ليبيريا واحدة من اثنتين فقط من البلدان الحديثة في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء من دون جذور في النزاع الأوروبي على أفريقيا. ابتداء من عام 1820، استعمر المنطقة العبيد المحررون من الولايات المتحدة بمساعدة من جمعية الاستعمار الأمريكية وهي منظمة خاصة اعتقدت بأن العبيد السابقين سيحصلون على المزيد من الحرية والمساواة في أفريقيا. وهو أصل تسمية البلاد بليبيريا المستمدة من كلمة ليبرتي والتي تعني الحرية. كما أرسل العبيد المحررون من سفن العبيد هناك بدلًا من إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية. في عام 1847، أسس هؤلاء المستعمرون جمهورية ليبيريا وأقاموا حكومة على غرار نظيرتها في الولايات المتحدة وسموا العاصمة مونروفيا تيمنًا بجيمس مونرو خامس رئيس للولايات المتحدة ومؤيد بارز للاستعمار. احتكر المستعمرون والمعروفون أيضًا باسم الليبيريين الأمريكيين القطاعات السياسية والاقتصادية في البلاد على الرغم من أنهم لم يشكلوا سوى نسبة ضئيلة من السكان.
بدأت الدولة عملية التحديث في أربعينيات القرن الماضي في أعقاب استثمار من قبل الولايات المتحدة أثناء الحرب العالمية الثانية وكذلك تحرير الاقتصاد في عهد الرئيس وليام توبمان. كانت ليبيريا عضوًا مؤسسًا للأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الأفريقية. أطاح انقلاب عسكري بالمؤسسة الليبيرية الأمريكية في عام 1980، مما طلق بداية عهد من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي وحربين أهليتين متعاقبتين خلفتا ما يقرب من 250,000 قتيل ودمرتا اقتصاد البلاد. أدى اتفاق سلام عام 2003 لإجراء انتخابات ديمقراطية في عام 2005.
إعداد: سعيد أيت اومزيد