< كأستاذة جامعية وقيادية نقابية في قطاع التعليم العالي، كيف اخترت خوض غمار المنافسة الانتخابية لتشريعيات 2016؟
> (مبتسمة) في الحقيقة، خوض المنافسة الانتخابية هو نابع من اختيار النضال السياسي الذي كان سابقا، بكثير، عن الاشتغال المهني والانخراط النقابي.. بحيث اخترت مبكرا، وأنا طالبة في الكلية، الانخراط في العمل السياسي والانضمام إلى الحركة الطلابية ضمن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، سواء هنا بالمغرب أو عندما واصلت دراساتي العليا في الخارج، حيث ترشحت لمسؤوليات عديدة في إطار الدفاع عن مطالب الطلبة. وواصلت مساري السياسي بعد عودتي إلى أرض الوطن ضمن صفوف مناضلات ومناضلي حزب التقدم والاشتراكية.
وطبعا نحن كنساء مناضلات في الأحزاب الوطنية كنا دائما ندعو ونعمل على الرفع من التمثيلية السياسية للنساء والحق في المساواة في الوصول إلى مراكز القرار، لا يمكن إلا أن نعطي المثال أيضا بالترشح للانتخابات وخوض غمار المنافسة الانتخابية. فالنساء هن اللواتي يجب أن يضطلعن بمسؤولية تمثيل النساء والدفاع عن حقوقهن. وهذا لا ينفي وجود مناضلين ذكور يقومون بذلك أيضا، ولكن نسبتهم قليلة مقارنة مع من يحاربون المرأة. وإن كنا نجد كذلك في صفوف النساء نسبة لا تؤمن بحق المرأة في الوصول إلى مراكز القرار بل وتحاربه أحيانا. ولذلك فنحن كمناضلات مطالبات بلعب دورنا في تعزيز الحضور السياسي للنساء وكذا في بناء الديمقراطية وضمان الكرامة والعدالة الاجتماعية لجميع فئات المواطنين، خاصة في العالم القروي حيث ما تزال الساكنة تعاني من انشغالها بهموم أخرى على رأسها الأمية والهدر المدرسي والفقر والعزلة، بما ينعكس سلبا على عموم الساكنة وخاصة على النساء والفتيات.
< كيف تعتزمين الدفاع من قبة البرلمان عن حق النساء في التعليم والتكوين والتكوين المستمر؟
> طبعا مسألة التعليم والتربية والتكوين تظل هي أساس كل إصلاح وتغيير. وهذا يعيدنا دوما إلى الحديث عن ضرورة إعادة الاعتبار للمدرسة العمومية التي تخرج منها خيرة الأطر ممن خدموا ومازالوا يخدمون هذا الوطن في جميع المجالات بروح الصدق والتفاني وبكفاءة لا تحتاج إلى تأكيد. مسألة التعليم والثقافة هي إذن الهم الأول الذي أحمله على عاتقي على غرار العديد من المناضلين والمناضلات والمواطنين والمواطنات، وهي موضوع نضال يومي أخوضه سواء ضمن الحزب أو ضمن الإطارات المهنية والجمعوية التي أنشط فيها. وعندما نتحدث عن التعليم فلا بد من التأكيد على ضرورة إعطاء الأولوية أيضا لمحاربة الأمية خاصة في العالم القروي، إذ كيف يمكن أن نطلب من أم وأب غير مدركين لأهمية التعليم أن يشجعا ويحرصا على تعليم ابنتهما؟ وكل ذلك يتطلب مقاربة فعالة على مستويات متعددة منها التوعية والتحسيس والثقافة والإعلام الذي لا يلعب، للأسف، دوره في هذا المجال كما ينبغي.
< كيف ذلك؟
> قنواتنا الإعلامية الوطنية لا تقوم بأداء رسالتها في الرفع من مستوى الوعي لدى المواطنين والمواطنات بالعديد من القضايا، علما أنها يمكن أن تفعل الكثير في هذا المجال. بل إنها تساهم في تكريس الجهل والتخلف من خلال إنتاج وترويج برامج ترفيهية غير هادفة ومسلسلات أجنبية فارغة المحتوى لا تفلح سوى في جعل المواطن يهرب من واقعه وينسلخ عنه، بل تمعن في منتوجها الإعلامي في ضرب القيم الكونية المتعارف عليها بتبخيس صورة المرأة واستغلال صورة الطفل وعدم الانتباه لقضايا البيئة وحقوق الإنسان.. واستبلاد الجمهور.. ولعل النساء من ربات البيوت ومربيات الأجيال من أولى ضحايا هذه السياسة الإعلامية الهجينة، لأنهن يجدن أنفسهن بعيدات كل البعد عن قضايا وهموم المرحلة ببلادنا، وبالتالي فإنهن يقمن لاحقا، بتلقائية وبدون وعي، بالمساهمة في تكريس الواقع السلبي للمرأة. وهذا لن يجعلنا نتقدم إلى الأمام في تعزيز حقوق المرأة على جميع المستويات وحقوق المواطنة بصفة عامة.
< كيف يدافع حزب التقدم والاشتراكية عن مجانية التعليم؟
> حزب التقدم والاشتراكية كان دائما ولا يزال يدافع عن مجانية وإجبارية التعليم، لأن التغيير والإصلاح هو رهين أيضا بتحسين الوضع الاقتصادي للشباب والشابات والذي لا يمكن أن يتحقق إلى من خلال مجانية التعليم في جميع مستوياته وضمان ولوجه لكل الفئات. ونحن نستغرب من دفاع البعض ومحاولاتهم نزع هذا المكسب من المغاربة في الوقت الذي اختارت دول أخرى العودة إلى مجانية التعليم بعد أن ثبت لها عدم صلاحية مبدإ الأداء والمقاربة التجارية في هذا القطاع الحيوي. نحن لسنا ضد التعليم الخاص، وأنتم تعلمون أن الكثير من الأسر تبعث أبناءها للدراسة في التعليم الخاص، ولكننا كنا نتمنى أن لا يضطر المغاربة لترك المدرسة العمومية إلى المدارس الخصوصية إلا في إطار لعب دور إيجابي وتكميلي من قبل القطاع الخاص الذي له رجالاته وإيجابياته أيضا، لا أن يكون الأمر كما هو عليه حاليا حيث يتم إفراغ المدرسة العمومية من المضمون ومن الأطر بهدف جعل الجميع يرتمي في أحضان القطاع الخاص. لذلك فإن برنامج حزب التقدم والاشتراكية الذي يجعل الإنسان في صلب السياسات العمومية والهدف من تعزيز المكتسبات في كافات القطاعات وعلى رأسها قطاع التعليم وقطاع الصحة، مع منح الأولوية لمسألة المساواة وتكافؤ الفرص بين النساء والرجال والشباب، وبين جميع الفئات الاجتماعية وخصوصا الفقراء والمحتاجون وذوي الاحتياجات الخاصة، وكذلك بين المناطق القروية والمناطق الحضرية. ونتمنى أن نتمكن بالفعل من تطبيق برنامجنا من أجل مزيد من الكرامة لجميع المواطنات والمواطنين.
< وماذا عن التعليم العالي، وأنت قيادية في النقابة الوطنية للتعليم العالي، كيف تنظرين إلى واقع القطاع؟
> كما تعلمين، فالقطاع يعيش منذ مدة على إيقاع صراع وتوتر بالنظر إلى موقف النقابة الرافض لسياسة وزارة التعليم العالي الحالية، وخاصة حول النقطة السوداء في هذه السياسة وهي المتعلقة بمبدإ الشراكة بين القطاعين العمومي والخاص، والتي لن تعود في رأينا بأي نفع على القطاع بما أنها تضرب في العمق مبدأي المجانية وتكافؤ الفرص اللذين تحدث عنهما سابقا. وإن كانت الوزارة ماضية في سياستها هذه بإحداث كليات خاصة ومثال على ذلك كلية الطب الخاصة بالدار البيضاء التي يجب على الطالب أداء ما لا يقل عن 13 مليون سنتيم في السنة لمتابعة دراسته، وهو مبلغ لا يسعنا معه إلا أن نقول “اللهم إن هذا منكر”… فضلا عن مشكل المعايير إذ يطالب الراغب في ولوج كلية الطب التابعة للتعليم العالي العمومي بمعدل 17 و18 في امتحان البكالوريا، بينما يتم قبول معدلات دون ذلك في التعليم الخاص، وكلها مشاكل تكرس عدم تكافؤ الفرص وغياب مبدإ العدل والإنصاف بين الشباب وتجعلنا نتخوف من أن يذهب التعليم العالي بالمغرب إلى الهاوية من خلال هذه الاختيارات والسياسات التي لا تنسجم لا مع القوانين المؤطرة للقطاع ولا مع اختيار الديمقراطية والعدالة الاجتماعية الذي يمضي فيه المغرب. كما أنها تعمل على تعميق الهوة بين القطاع الخاص والقطاع العمومي في التعليم وبالتالي تعميق الفوارق الطبقية بحيث أصبحت الطبقة المتوسطة بدورها تعاني من هذه التوجهات، فيما تزداد معاناة الطبقة المسحوقة وتزداد معها نسب التوتر والحقد الاجتماعيين وترتفع نسب البطالة والجريمة والانحرافات الاجتماعية بشتى أنواعها. ولذلك فإننا ندعو اليوم إلى القطع مع هذه السياسات وإعمال مبدإ تكافؤ الفرص والمساواة وتعزيز حقوق المواطنة في جميع المجالات.
حاورتها: سميرة الشناوي