FIAC مهرجان أكادير الدولي للثقافة والفنون يهزم عقلية الإسمنت المسلح

احتضنت مدينة أكادير أيام 27 و28 و29 مايو 2016 النسخة الأولى للمهرجان الدولي للفنون والثقافات (FIAC  الفياك) المنظم من قبل جامعة ابن زهر و»منتدى جنوب ثقافات» بمشاركة مجموعات فنية من إسبانيا والسينغال وإيطاليا والبرتغال وروسيا ولاس بالماس والمغرب. ويقوم المهرجان على مفهوم يسعى إلى إبراز المثاقفة المرتكزة على عروض تمثل فعليا الجهات والدول التي تنحدر منها، كما يقوم «مهرجان الفياك» على تفرد عروضه بعدم اعتماد الآلات الحديثة وسعيه إلى إعادة الاعتبار للثقافات المحلية أساسا. ولهذه الغاية، تمت دعوة فرق تمثل ثقافات الموطن الذي تنحدر منه والتي يقوم توجهها الفني والإبداعي على صون الملامح الثقافية لهذه المواطن والهويات التي تعبر عنها.
هذا وافتتح المهرجان بحفل لأكبر عرض إسباني للموسم هو عرض «الغجرية» La Gitanilla الذي قدمته كارمن كورطيس Carmen Cortes بمناسبة مرور أربعة قرون على رحيل الكاتب الإسباني ذي الصيت العالمي ميغال سيرفانتيس. كما شهد المهرجان عروضا فنية مختلفة كاحتفالية «فرحة دكالة» الذي سبق للمخرج الكوريغراف لحسن زينون أن استجمع فيها أصوات وتعابير السهول.. وكذا عروض من ذاكرة رقصات روسيا وفن الفادو بالبرتغال ورقصات العشق والتماهي بإيطاليا والطبول التي تختزل آهات السينغال ووارزازات وإيقاعات أكلاكال. ويعتمد المهرجان على تنظيم ورشات فنية ومعرفية تدور في فلك الإبداع المحيط بالهويات ومظاهر تقديمها لباسا وإيقاعا وتشكيلا وصورة.

من أجل تأصيل زاوج بين رمزية المكان وبعد الفكرة، جاؤوا من كل الأعمار كبارا وصغارا، ومن كلا الجنسين، من كل الطبقات الاجتماعية التي تعشق السمو بالذوق الفني لتفتح أبواب نسمات المتعة الموسيقية الهوياتية والإيقاعية، كسروا حاجز الانتظار البائس، جاؤوا تلبية للارتواء الجمالي ضدا على كل أشكال الرداءة والابتذال السائد، جاؤوا للرقي والاستمتاع بلحظات سمو فني وثقافي، وتنوع حضاري واثنوغرافي، لحوار الإيقاعات والعزف الأصلي وطيب الأصوات وصور السينوغرافيا الجمالية في بعدها التعبيري عن كينونة الإنسان لكسر جدران الحدود التي تفصل العقول قبل الأجساد.
هكذا افتتح مهرجان (فياك أكادير) الستار لأولى دوراته بأحد الأماكن الأكثر تعبيرا فنيا وجماليا وهندسيا عن روعة الفنون العمرانية المغربية التقليدية الأصلية بفضاء “لاميدينا داكادير”، هذا الفضاء السياحي والثقافي الرمزي الذي أبدعه المهندس المعماري الإيطالي “كوكو بوليزي” الذي أحب سوس وثراثها المعماري… وأنجز في تسعينيات القرن الماضي قرية سياحية تراثية بالحجر والطين والخشب والقش، مؤثة بالأقواس والأسقف القصيرة والجدران السميكة والأبواب الخشبية الصغيرة والنوافذ الحديدية والشرفات المغربية الأمازيغية الأصيلة.. فضاءات وساحات وخضرة ومياه تحتضن محلات صغيرة لحرف الفنون المغربية الأصلية المشهورة بمنطقة سوس والصحراء.. اختار منظمو هذا المهرجان هذا الفضاء حتى تتزاوج فكرة المهرجان مع الإخراج العام شكلا ومضمونا، لعلاقة الفضاء بالفكرة، وما أكبر الفكرة.
   هكذا قرر المنظمون بمنتدى جنوب ثقافات وجامعة ابن زهر أن تحتضن مدينة أكادير أيام 27 و28 و29 مايو 2016 النسخة الأولى للمهرجان الدولي للفنون والثقافات FIAC بمشاركة مجموعات استعراضية وفرق فنية من إسبانيا والسينغال وإيطاليا والبرتغال وروسيا ولاس بالماس والمغرب.  

المهرجان يسعى لمنح الحيز الأكبر للاشتغال على الإنسانية والقيم النبيلة للفنون وحوار الثقافات والتقارب بين الشعوب

 افتتح المهرجان بساحة (لامدينيا داكادير) في غابة الأوكالبتوس وارفة الظلال على إيقاع طبول أدغال إفريقيا، فتعانق المكان مع الإيقاع في لوحات فنية وجمالية غاية في الروعة تحلق حولها عدد كبير من المتفرجين فيما يشبه حلقة مغربية ضخمة، فتح الجمهور عدسات هواتفهم الذكية لالتقاط وتأريخ وتسجيل لحظات نادرة في الحياة الثقافية والفنية بأكادير، لقطات / لحظات تذكر النشطاء الجمعويين والفنانين والمهتمين بالمهرجان الإفريقي للفنون الشعبية الذي كان ينظم في ثمانينيات القرن الماضي بملعب الانبعاث وساحات كبرى بأكادير والذي لقدرة قادر اختفى من الوجود في فترة كانت تعرف زخما فنيا وموسيقيا وثقافيا وسياحيا بعاصمة سوس.. بعد عرض الفرقة السينغالية بإيقاعاتها ورقصاتها المتسارعة تلتها بعد ذلك فرقة طلابية من جامعة روسية رقصت هي الأخرى وسط تصفيقات الجمهور من مختلف الأعمار ثم جاء دور الفرقة الإيطالية التي رقصت على إيقاعات الأبيض المتوسط.. وفيما يشبه الحلم، التأمت الفرق الثلاثة رقصا وإيقاعا إفريقيا وأوربيا بما يبرز الملامح الإنسانية الراقية التي امتزجت وتلاقحت عبر الموسيقى والجسد، إنه البعد الإنساني والثقافي الذي يتجاوز مفهوم اللون والعرق واللغة، هكذا أراد المنظمون المبادرون أن تكبر الفكرة من خلال اختفاء الحواجز، وذوبان الاختلافات، والتوحد من خلال منح الفكرة، فكرة المهرجان، الحيز الأكبر للاشتغال على الإنسانية والقيم النبيلة للفنون وحوار الثقافات.

عروض تنتصر للجمال ورقي الذوق وسمو قيمة الفن والتنوع  
 
  بعدها التقى الجمهور في فضاء أنيق منظم ومفتوح فيما يشبه مسارح إيطاليا الكوليزي، فضاء هادئ وبعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث الهدوء التام الذي يتيح حيوية اللقاء وحميميته، لقاء ليس كأي لقاء آخر، حيث افتتح المهرجان تحت أضواء خافتة لا يبدو منها سوى ثوب يتوسط الخشبة ومرآة كبيرة تعكس قيمة وسمو اللوحة التي عاينها الجمهور الحاضر من خلال إيقاع الفلامينكو وعزف إسباني أصيل من خلال أكبر عرض إسباني للموسم هو عرض “الغجرية” LA GITANILLA الذي قدمته الفنانة المتألقة كارمن كورطيس Carmen Cortes بمناسبة مرور أربعة قرون على رحيل الكاتب الإسباني ذي الصيت العالمي سيرفانتيس.
كما قدم المهرجان عرض فرحة دكالة الذي سبق للمخرج والكوريغرافي الفنان لحسن زينون أن استجمع فيه أصوات وتعابير السهول، كما استمتع المشاهدون بعروض من ذاكرة رقصات روسيا وفن الفادو بالبرتغال ورقصات العشق والتماهي بإيطاليا والطبول التي تختزل آهات السينغال ووارزازات وإيقاعات أكلاكال.
    لقد أتبث افتتاح هذا المهرجان من خلال العروض والتنظيم والتواصل والفكرة واختيار الفضاء والعروض المفتوحة والسنوغرافيا بل حتى اخيار التوقيت، أن الخبرة والحنكة والتجربة الجمعوية لصاحب المبادرة الدكتور عمر حلي اجتمعت لتشتغل بقوة وإصرار وتحد ووثوق من جديد بميلاد فكرة تحتضن وتمنح حيزا ومجالا للإبداع الفني في التصور والتناول والإخراج، وأن الرقي والسمو بالذوق الفني في مجال الثقافة والفنون يحتاج إلى كوادر خبرت المجال من مختلف المناحي، لقد آن الأوان من أجل المرور لزمن الاحتراف في مجال تنظيم التظاهرات للرقي بذوق الجمهور المتعطش لهكذا مهرجانات راقية تسمو بالقيم والحوار والتفاعل والمشاركة والقرب من الإنسانية بتنوعها الثقافي والفني… إن مهرجان أكادير الدولي للفنون والثقافات أبان بالفعل عن احترافية عالية يتعين على الآخرين اتخاذها كنموذج..  

هندسة وفضاء “لاميدينا داكادير” تتمثل هوية عاصمة سوس التي غيبتها عقلية الإسمنت المسلح

فضاء “لاميدينا داكادير” هو الآخر، ومن خلال هذا المهرجان، يشكل بنية استقبال رحبة ومريحة في زمن الفقر المؤسساتي لمرافق الإبداع الفني بالمدينة، وفي غياب بنيات ثقافية بمواصفات احترافية من شأنها استقبال هذا النوع من الفرجات والعروض الحية.. يمكن أن يبصم على لعب دور متميز بهوية بصرية محلية تساهم في الرقي بالفعل الثقافي والسياحي المحلي، الحاضرون من الزوار والسياح الأجانب وممثلو قنصليات الدول المشاركة انبهروا إن لم نقل سحروا بهندسة “لاميدينا داكادير” الفريدة والتي تتمثل في فضائها المعماري هوية جدران وتراب وأشكال ورموز أهل سوس التي غيبها الإسمنت المسلح فسلخ المنطقة من جلدتها وهويتها الهندسية في بعدها الثقافي والتراثي والحضاري، مما يجعل هذا الفضاء وهذا المكان فضاء قابل لاستقبال اللعروض الفنية ولو شهرية تنسي الجمهور المتعطش زخم ضجيج المدينة وعناءها، فما أحوج سكان أكادير إلى فسحات الفن الراقي كما يقول العازف الموسيقي السوسي ومدير المعهد البلدي الموسيقي باكادير الفنان ادريس المالومي.
     وفي الاتجاه نفسه قدم المهرجان لجمهور المدينة ثلاثة أشرطة سينمائية اعتمدت على تقديم المعمار واللباس المغربيين وجعلتهما من مؤثثاتها الأساسية، أولها آخر شريط لمحمد الشريف الطريبق “أحلام صغيرة” وثانيها شريط لحسن زينون “عود الورد”، ومن ذاكرتها شريط “البحث عن زوج امرأتي” لمحمد عبد الرحمن التازي، وعرضت هذه الأشرطة بحضور مخرجيها. كما تم تنظيم ماستر كلاس “لكارمن كورتيس” وورشة ومحاضرة لماريان ديل مورال من إسبانيا ومحاضرة لهناء صادق من العراق وورشة تشكيلية لمحمد السنوسي ويعتمد المهرجان على تنظيم ورشات فنية ومعرفية تدور في فلك الإبداع المحيط بالهويات..
    لقد أجمع جل الحاضرين الذين التقتهم بيان اليوم في هذا المهرجان من فعاليات ثقافية وفنية وطنية ومحلية وجهوية من مختلف الأصناف والمجالات والتعبيرات الفنية على أهمية الفكرة وقوة الحمولة واحترافية التنظيم والإخراج والعروض المقدمة، منوهين ببرنامجه وتنوع فقراته وجدية كوادره والقائمين على تنظيمه، ومنهم من دعا لأن يلعب هذا المهرجان دور القاطرة في تصحيح أعطاب بعض أقطاب الحركة المهرجانية بأكادير، الذين يستفيدون من المال العام ولا يشفون غليل الجماهير المتعطشة للفنون والثقافة في مدينة لا تعترف بأبنائها.. ومنهم من اعتبر أن بإمكان مهرجان الفياك أن يستنهض الهمم، ليس فقط بالتشجيع على البحث في الهويات وعن الجذور الممكنة للمثاقفة، بل البحث ما أمكن ليستيقظ الفاعلون بالمنطقة، أشخاصا ومؤسسات، لنفض الغبار والانتصار لثقافة الاعتراف، وإبداع أشكال جديدة تشكل قيمة مضافة لهذه المدينة.. كما هو الشأن بالنسبة لمهرجان (الفياك – أكادير) للفنون والثقافات.

  أكادير: رشيد فاسح

*****

حوار اكسبريس

في حوار أجرته معه بيان اليوم، يخلع رئيس المنتدى الأستاذ عمر حلي قبعته كمسؤول جامعي ويلبس قبعة الفاعل والناشط الجمعوي والمثقف الذي بصم المشهد السوسي بمدينته أكادير رفقة فاعلين آخرين منذ ثمانينيات القرن الماضي:

> لماذا هذا المولود اليوم وكيف كبرت الفكرة لإنشاء منتدى لتنظيم هذه التظاهرة؟
< هذا المولود في الساحة الثقافية والفنية بعاصمة سوس ليس بالجديد، فساحة سوس عرفت وتعرف العديد من الأنشطة ذات الطابع الفني والثقافي، لكنها تختلف من حيث الرؤية والتصور والإخراج، أعتقد أنه آن الأوان لنقدم طبقا يليق بعراقة سوس والمغرب، ببعده الثقافي المنفتح على الجنوب والشمال والشرق والغرب يقوم على مفهوم يسعى إلى إبراز المثاقفة المرتكزة على عروض تمثل فعليا الجهات والدول التي تنحدر منها، كما يقوم «الفياك» على تفرد عروضه بعدم اعتماد الآلات الحديثة وسعيه إلى إعادة الاعتبار للثقافات المحلية أساسا. ولهذه الغاية تمت دعوة فرق تمثل ثقافات الموطن الذي تنحدر منه والتي يقوم توجهها الفني والإبداعي على صون الملامح الثقافية لهذه المواطن والهويات التي تعبر عنها».
> ما هو جديد هذا المهرجان في خضم عديد مهرجانات على المستوى المحلي والجهوي وهل هنالك قيمة مضافة حتى لا نجد أن المهرجان ربما يكرر تجارب أخرى موجودة في الساحة؟
< مميزات هذا المهرجان ترتكز على شيئين اثنين: أولا ألا تكون هنالك الموسيقى الحديثة المختلطة والمتشابهة في يومنا هذا، وأن تكون هنالك فرق ممثلة للهويات من خلال اللباس والإيقاعات والثقافات التي تنحدر منها خصوصا من أوربا وأسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية بالإضافة للمغرب من خلال عروض متنوعة تبرز التنوع الثقافي والفني المحلي.. ثانيا أن هذا المهرجان كذلك جاء بحمولة إنسانية وفي إطار السعي لمنح منتوج ثقافي فني راق يليق بفئة عريضة من الجمهور المحلي المتعطش للرقي بالذوق الجمالي في بعده الحضاري بين الشعوب والأمم.
> لماذا لم يتم تنويع الفضاءات وفتح العروض بمناطق أخرى بالمدينة كفضاء حديقة اولهاو مثلا التي صممها نفس مصمم فضاء المهرجان كوكو بوليزي؟
< في الحقيقة يأتي اختيارنا للفضاء بناء على تصورات قبلية وتخطيط مسبق، حيث يتم الربط بين الشكل والمضمون وبين الموضوع والجغرافيا، فقبل أن يقع اختيار المهرجان على فضاء «لا ميدينا»، قمنا بتجربة ناجحة قبل أسابيع بنفس الفضاء، حيث نظمنا حفلا فنيا كبيرا حضره أزيد من 1300 متفرج، وهذا شجعنا كثيرا لإقامة المهرجان بهذا الفضاء الثقافي ذي الحمولة والطاقة الاستيعابية المرجوة، وكما لا يخفى عليكم فإن للفضاء دورا كبيرا في عملية الإخراج الفني للمهرجانات، وبالنظر إلى نوعية تيمة المهرجان وعلاقتها بالتصور العام لحوار الثقافات والفنون فنحن بحاجة لإبراز هذا المكون في شقه التراثي والهندسي، وأعتقد أنه لن نجد أفضل من هكذا فضاء بجهة سوس كلها لإقامة عروض بين ثنايا الحجر والطين والقش، بين السقوف القصيرة والأقواس، وهذا المسرح الكوليزي الامازيغي المفتوح بين ظلال وهدوء هذه الغابات وارفة الظلال.. أعتقد أن تمثلنا للفضاء كان على صواب بالنظر إلى حرصنا على ضرورة تساوق موضوعة المهرجان مع الوعاء الذي يحتويها.. ضف إلى ذلك أن هذا الفضاء يمكننا من التحكم في مسالك التنظيم بنجاعة وسلاسة، خصوصا في عملية استقبال الجمهور وفي تحركات وتنقلات المتفرجين الذين يتعين أن يجدوا فضاء مغايرا يتيح لهم الولوجية بحرية وإمكانية الجلوس أو الوقوف أو حتى المشي أثناء تقديم الفرجات.. خصوصا وأن الفياك يسعى لأن يكون مهرجانا راقيا يرقى بنخبة من المفكرين والمبدعين والجمهور العاشق للرقي والسمو..

Related posts

Top