سينما «ملتحية»

أثار قرار نبيل عيوش الاستعانة بمحمد الفيزازي في فيلمه القادم «نجوم سيدي مومن» الكثير من الاستغراب، وأيضا الفزع والخشية على مستقبل إبداعنا السينمائي والفني عموما.
ماذا يعني تصريح الفيزازي بأن مهمته «تخص الجانب الشرعي داخل الفيلم»، وأن هدفه الأول من ذلك «يندرج في عملي الذي هو الدعوة إلى الله»، وبأن عيوش هو الذي طرح عليه العمل خارج التمثيل، بعد أن رفض الفيزازي المشاركة ممثلا في الفيلم، وبأن المخرج «يخشى أن يسيء إلى الإسلام والإسلاميين».؟؟؟؟؟
أليس عيوش بصدد التأسيس لاتجاه مؤداه أن من يريد ختم «حلال» بالنسبة لأفلامه، عليه أن يولي وجهه نحو رموز التطرف الديني ويدفع لهم مقابلا عن ذلك؟ ألا يكمن الخطر هنا على الإبداع وعلى الحرية هنا بالذات؟
إن المشاركة في فيلم لا تقتصر فقط على التمثيل، إنما الأمر يتم أيضا من خلال السيناريو أو النص الذي سيشرف عليه «علميا» الفيزازي، أي أنه هو الذي سيحدد رسائل الفيلم و»إيديولوجيته» وسياقات الفكرة، الشيء الذي سيطرح سؤالا كبيرا حول ما إذا كان الفيلم سيكون قريبا من أفكار الفيزازي وتفسيره لتفجيرات 16 ماي أم بعيدا عنها، ثم ما هو موقف صاحب الرواية التي يقال إن الفيلم اقتبس منها، أي ماحي بنبين…
من جهة ثانية، فإن مشاركة الفيزازي في فيلم سينمائي يطرح عليه سؤال الموقف من السينما ومن الفن أصلا، وعما إذا كان لازال يحرمهما أم أنه سيفتي الآن في كون السينما التي يقدمها مع نبيل عيوش، وربما لاحقا مع آخرين، هي «حلال»، وما عداها يعتبر من المحرمات؟
من خلال تصريحات للفيزازي نفسه نشرت مؤخرا بشأن الجدل حول عمله مع عيوش، يتأكد أن الرجل لازال يعتبر التمثيل «قضية ليست قابلة للمناقشة بأي ثمن»، كما أنه لم ينبس بحرف واحد لحد الآن بشأن موقفه من الفن بصفة عامة، وماذا كان مثلا بإمكانه أن «يفتي» لمريديه بأن السينما ليست حراما برأيه، وبأنه غير مواقفه السابقة من الفن، أم أنه سيبقي على هذه الازدواجية الانتهازية، حيث أن السينما مع عيوش حلال لأن هدفها، كما قال نفسه هو أنها «شغل بأجر»، مقابل حجب طابع «حلال» على غير ذلك من الأفلام التي لم يتمسح مبدعوها بأعتاب الشيخ طلبا لـ «الإشراف العلمي على مستوى النص ومستوى التشخيص».
إن خطوة عيوش، التي يبدو أنه حسبها من خلال شباك التذاكر فقط، ومن خلال ما هو معروف عنه من تفوق في معرفة من أين تؤكل الكتف، تجعلنا نضع الأيادي على القلوب خوفا على بلدنا وعلى تميزه وعلى انفتاحه وعلى حرية مبدعيه وفنانيه.
وإن الخطورة مضاعفة عندما يتولى المحسوبون على الفن جرنا من أعناقنا إلى الخلف، أي إلى الظلام…
[email protected]

Top