يخلد الشعب المغربي، غدا الأحد، عيد العرش، الذي يصادف هذه السنة الذكرى الثامنة عشر لتربع جلالة الملك محمد السادس على العرش، وتحيل هذه المناسبة الوطنية كل عام على ثابت جوهري وكبير في التاريخ السياسي الوطني لبلادنا، وهو الارتباط القوي بين المؤسسة الملكية والقوى الوطنية، والتحام العرش بقضايا الشعب ووحدة الوطن، وبالتالي، فهذا الثابت بقي دائما درسا متجددا يطرح نفسه أمام كل الفاعلين ومختلف القوى عبر مختلف محطات تاريخ المغرب، وأمام كل ما طرح على البلاد من تحديات ورهانات ومعارك.
عيد العرش أيضا اقترن باستمرار بخطاب الملك، وهو يعتبر بمثابة مناسبة لرصد حصيلة عام واستشراف معالم عام جديد، وإبراز الإيجابيات والسلبيات بالنسبة لكل ما يتصل بقضايا البلاد وتدبير الشؤون العامة، والتنبيه إلى الاختلالات وضرورة تجاوزها.
وعلى غرار الأعوام الأخرى، هذه السنة يقترن عيد العرش كذلك بذات الدروس والتطلعات، وتتوجه الأنظار إلى خطاب العرش، وما يجسده كخارطة طريق تطرح أمام مختلف الفاعلين والمؤسسات.
من دون شك، ما يميز راهن بلادنا اليوم في عدد من الميادين والمناطق، يحضر ضمن أفق انتظار شعبنا، وعلى مستوى ما تتداوله الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي ومختلف مجالس الحديث، كما أن مضمون خطاب العرش للسنة الماضية وصرامة الأسلوب الملكي وحزمه في التنبيه إلى عدد من الاختلالات، كل هذا لم يغب عن بال الجميع، وبالتالي تستمر المشكلات الوطنية مطروحة إلى اليوم.
بلادنا في حاجة اليوم إلى نفس حقيقي وقوي يسير في اتجاه تعزيز المسار الإصلاحي الديموقراطي العام في بلادنا، وأن يستعيد شعبنا ثقته في مستقبل بلاده، وفِي تميز النموذج الديموقراطي والتنموي للمغرب قياسا لما يشهده محيطه الإقليمي من أزمات واضطرابات.
هذا هو التحدي المركزي الأول المطروح اليوم أمام الجميع، ويجب تمتين التعبئة الوطنية واليقظة من أجل ربحه، ومن شأن ذلك المساعدة على كسب باقي الرهانات الأخرى، تنموية واقتصادية واجتماعية وديموقراطية، وتهدئة مختلف الأجواء المجتمعية.
وبالإضافة إلى ما سبق، فإن التحدي الآخر يبقى هو الانكباب على القضايا الاجتماعية باستعجال وجدية، والسعي لتلبية المطالب الاجتماعية لشعبنا، وخصوصا ما يتعلق بالشغل والتعليم والصحة والسكن، وأيضا إصلاح الإدارة والعدالة، وتحقيق العدالة بين الطبقات وبين الجهات والمناطق، والتخفيف من حدة الفوارق الاجتماعية والمجالية، وبالتالي جعل الفئات الفقيرة والمتوسطة تحس بالأثر الملموس والإيجابي، وتشعر بالتغيير الإيجابي على مستوى أوضاعها المعيشية الاجتماعية، ويتقوى لديها الأمل والتفاؤل والثقة في بلادها وفِي المستقبل.
المسألة التنموية، في المعنى الوطني العام، تفرض اليوم تجاوز كلام البوليميك والسجالات الظرفية قصيرة النظر، وطرح إشكالياتها واختلالاتها بعمق ضمن تفكير استشرافي حول النموذج الاقتصادي الذي تقتضيه رهانات وتحولات الظرفية، وتحتاجه بلادنا.
مناسبة وطنية مثل عيد العرش كفيلة بأن تؤسس لمثل هذا الحوار الوطني الشجاع الذي يتطلبه مستقبل وطننا، كما أن الاستسلام لتدوينات الفايسبوك وجعلها هي كل ما تناقشه طبقتنا السياسية وصحافتنا الوطنية ونخبتنا، وما تعرضه من أفكار، هو أمر يبعث على الأسى حقا، ويفرض القول أن المغرب يستحق نقاشا عموميا أرقى، وبدل التيه في قضايا ثانوية وفِي تصفية حسابات صغيرة جدا وبلا بعد نظر، الأجدر التفكير بحجم الوطن، وبحجم ما يطرح عليه من رهانات وطنية واستراتيجية واقتصادية واجتماعية وثقافية، وتعبئة كامل الجهد الوطني لصياغة أجوبة ومداخل لحلول حقيقية وناجعة لمختلف المشكلات الوطنية.
ترتيبا على كل ما أشير إليه، واعتبارا لمختلف الرهانات المطروحة، فإن تخليد مناسبة عيد العرش تفرض، على ضوء ذلك، التأكيد على أن عمق الاحتفال هو استحضار درس الارتباط بين المؤسسة الملكية والقوى الوطنية الجدية ذات المصداقية، وأيضا أهمية صيانة مميزات واستثنائية النموذج المغربي، وتعزيز مسار الإصلاح واتجاهه نحو المزيد من الاستقرار والديموقراطية والتقدم.
محتات الرقاص