خلق القرار رقم 2494 الصادر عن مجلس الأمن الأممي يوم 30 أكتوبر الماضي بشأن الصحراء المغربية، صدمة غير مسبوقة في صفوف قياديي جبهة البوليساريو الانفصالية وداعميها من الجزائر وبعض الدول الإفريقية التي لا تزال تبدي موقفا مناوئا للمغرب في قضيته الأولى، وذلك بسبب ما تضمنه التقرير من دعم قوي لموقف المغرب ويكرس ما يدعو إليه في أفق حل النزاع المفتعل حول الصحراء.
وكان مجلس الأمن، قد قرر بأغلبية ساحقة، تمديد مهمة بعثة الأمم المتحدة المنتشرة بالصحراء المغربية (المينورسو) لسنة واحدة، بعد أن كان طوال السنتين الماضيتين يقصر التنديد على ستة أشهر. وحصل مشروع القرار الذي تقدمت به البعثة الأمريكية على تأييد 13 دولة، فيما امتنعت عن التصويت روسيا وجنوب إفريقيا التي ترأس المجلس في دورة أكتوبر والتي تعتبر من الدول المساندة لجبهة البوليساريو.
وتلقت كل من البوليساريو والدول الداعمة لأطروحتها الانفصالية قرار مجل الأمن المشار إليه بعدم الرضا وكثير من القلق، حيث اعتبرت الجبهة على لسان ما يسمى بوزير الخارجية، أن القرار 2494 “يعد رجوعاً مؤسفاً للغاية وغير مقبول إلى سياسة “ترك الأمور على حالها المعهود” … ونكسة خطيرة للزخم السياسي الذي خلقه المجلس وحافظ عليه على مدى الـ 18 شهراً الماضية”، وفق تعبيره.
وهددت الجبهة مرة أخرى بالانسحاب من عملية السلام وقالت إنه “أمام التقاعس المتكرر للأمانة العامة للأمم المتحدة ولمجلس الأمن عن منع المغرب من إملاء شروط عملية السلام ودور الأمم المتحدة في الصحراء الغربية فإنه لم يعد أمام جبهة البوليساريو أي خيار سوى إعادة النظر في مشاركتها في عملية السلام برمتها”، متهمة فرنسا بالتدخل لصالح المغرب في الفترة الأخيرة من داخل مجلس الأمن “بدرجة بلغت محاولتها تغيير مهمة وطبيعة بعثة (المينورسو)”.
من جانبها، عبرت الجزائر عن عدم رضاها عن القرار 2494 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، مقللة من شأنه باعتباره “مجرد تجديد تقني من خلال عبارات مماثلة تقريبا لتلك التي جاءت في لائحته السابقة حول المسالة دون إعطاء أي دفع مرجو للديناميكية الجديدة التي تطلع إليها الأمين العام للأمم المتحدة بوضوح”، مضيفة عبر بيان نقلته وكالة الأنباء الرسمية أن الجزائر تسجل “بأسف أن اللائحة رقم 2494 (2019) لم تحظ بالإجماع لأعضاء مجلس الأمن الدولي، حيث أشارت الأغلبية إلى الطابع غير المتوازن للنص وهو ما أكده بشكل خاص عضوين دائمين في مجلس الأمن وعضو إفريقي”.
وأكدت الخارجية الجزائرية أن “الجزائر بصفتها مراقبا رسميا لمسار السلام والتي طالما قدمت دعما بلا تحفظ لجهود الأمين العام الأممي ومبعوثه الشخصي، تجدد التأكيد علي مسؤولية مجلس الأمن في تجديد التزامه الذي أكده خلال المصادقة على هذه اللائحة من أجل مساعدة طرفي النزاع على التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم، طبقا لمبادئ وممارسات الأمم المتحدة”.
وكان المغرب قد رحب بالتقرير الأخير لمجلس الأمن، مؤكدا أنه “كرَّس ما يدعو إليه المغرب في أفق حل النزاع حول الصحراء ويكرّس الثوابت التي تتجلى في الحل السياسي والتي يدافع عنها المغرب”، مبرزا أن “القرار الأممي يكرّس أولوية مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب لحل نزاع مفتعل طال لسنوات، ويدعو إلى التّوصل إلى حل سياسي واقعي وعملي ودائم قائم على التوافق؛ وهو الأمر الذي ما فتئ المغرب يطالب به، وشأنه شأن قرارات أخرى صدرت منذ 2011”.
من جانبها، أكدت فرنسا أن مخطط الحكم الذاتي المقترح من قبل المغرب يشكل «قاعدة جدية وذات مصداقية» من أجل استئناف الحوار في أفق إيجاد حل نهائي لقضية الصحراء، وقال نيكولا دو ريفيير ممثلها بالأمم المتحدة، أمام أعضاء مجلس الأمن: «تعتبر فرنسا أن مخطط الحكم الذاتي المغربي المقترح منذ عام 2007 يشكل قاعدة جادة وذات مصداقية للمفاوضات، وذلك من أجل استئناف الحوار»، مرحباً باعتماد القرار 2494، وعبر عن سعادته بشكل خاص بتمديد بعثة المينورسو لمدة سنة، وهي المدة التي «يجب أن تظل هي القاعدة في مسألة حفظ السلام»، مشيراً إلى أن مثل هذه المدة «تضمن الاستمرارية وزيادة القدرة على التنبؤ في إدارة هذه البعثة».
وذكر السفير الفرنسي «بالدعم الكامل» لبلاده لجهود الأمين العام للأمم المتحدة من أجل إيجاد «حل سياسي عادل ودائم ومتفق عليه» للنزاع حول الصحراء المغربية، وفقاً لقرارات مجلس الأمن. وأشاد المسؤول الفرنسي بالعمل الذي قام المبعوث الشخصي للأمين العام السابق إلى الصحراء، هورست كوهلر، «والتزامه الشخصي وجهوده المستمرة أعطت زخماً جديداً للعملية السياسية»، مشيراً إلى تمكنه من تنظيم مائدتين مستديرتين ضمت كلاً من المغرب والجزائر وموريتانيا والبوليساريو لأول مرة منذ عام 2012.
إسماعيل الأداريسي