يعتبر تعميم نظام التحفيظ العقاري من الرهانات والأهداف الكبيرة التي يطمح المغرب إلى تحقيقها لما لذلك من أهمية كبيرة في تنمية بلادنا، والتحفيظ الجماعي للأملاك القروية يكتسي أهمية بالغة في هذا الإطار، ذلك أن هذه المسطرة الخاصة المنظمة بظهير رقم 174-96-1 بتاريخ 10 جمادى الأولى 1389 (25 يوليوز 1969) بمثابة ميثاق للاستثمارات الفلاحية، تساهم في تعميم نظام التحفيظ العقاري أسرع من المسطرة العادية، كون التحفيظ عن طريقه يكون بشكل جماعي ومجاني إضافة إلى جملة من المميزات الأخرى التي يحظى بها هذا النوع ما التحفيظ.
غير أن هذا لا يعني أن هذه المسطرة سليمة ولا يشوبها أي خلل فبرجوعنا إلى الواقع العملي نجد أنها تتخبط في مجموعة من الإشكاليات راجعة أحيانا لبعض مقتضياتها القانونية وأحيانا أخرى إلى وجود إشكاليات على المستوى العملي تعيق سيرها، هذه المشاكل جعلتنا نتساءل عن مدى إمكانية تعويض مسطرة التحفيظ الجماعي بالمسطرة الخاصة والإجبارية للتحفيظ، التي جاء بها قانون 14.07 ما دامت المسطرتين تتشابهان إلى حد ما فيما يتعلق بخاصيتي الجماعية والمجانية في إجراءات التحفيظ غير أن المسطرة المنصوص عليها في الفصل 14.07 جاءت بمقتضيات وخصائص إضافية لها من القوة ما يجعلها تساهم أكثر في تعميم نظام التحفيظ العقاري.
فبالرجوع إلى قانون 14.07 نجد أنه جاء بمقتضى في غاية الأهمية وهو تنصيصه على مسطرة جديدة للتحفيظ الإجباري تضاف إلى حالات التحفيظ الإجباري الأخرى المنصوص عليها من قبل وقد نظمها المشرع في هذا القانون من الفصل 51-1 إلى الفصل 51-19.
والسؤال المطروح هنا أين تبرز أهمية هذه المسطرة وماهي المميزات التي تتصف بها وتميزها عن باقي المساطر وأهمها مسطرة التحفيظ الجماعي لأملاك القروية ؟ وإلى أي حد تمكننا مميزات هذا النوع من التحفيظ في الاستغناء عن مسطرة التحفيظ الجماعي للأملاك القروية وتعويضها بمسطرة التحفيظ الإجباري؟
وهذا ما سنحاول الوقوف عليه من خلال إجراء مقارنة بسيطة بين مقتضيات كل من المسطرتين وبالتالي استنتاج ما إذا كان الطرح الذي تساءلنا حوله صحيح أم لا.
فإذا كانت مسطرة التحفيظ الجديدة التي جاء بها قانون 14.07 إجبارية وهي تختلف في ذلك عن مسطرة التحفيظ الجماعي للأملاك القروية التي تتميز بطابع الاختيارية، فإن مبدأ المجانية صفة مشتركة بين المسطرتين، إذ نص عليها القانون 14.07 في الفصل السابع منه، إذ جاء فيه بأنه “تدرج المطالب في المناطق التي سيتم فتحها للتحفيظ الإجباري مجاناً”، وإذا كان المشرع قد نص على هذه المجانية بصورة مطلقة أي لم يحدد المدة ولا الشروط الواجب توفرها في الملاك للاستفادة منها، فإنه في مسطرة التحفيظ الجماعي للأملاك القروية قيد أجل الاستفادة من هذه المجانية، في أجل سنة واحدة تبتدئ من تاريخ نشر قرار الإعلان عن التحفيظ في الجريدة الرسمية، بل خوّل إمكانية تمديد هذا الأجل لستة أشهر أخرى إذا اقتضت الضرورة ذلك، فإذا كان غرض المشرع من وراء ذلك هو الإسراع بعملية التحفيظ فإن هذا قد يكون عائقاً يحول دون استفادة بعض الملاك من هذه العملية لكون ملفات عقاراتهم قد تكون محط نزاعات أو معلقة على أمر قضائي.
ومن بين مميزات هذه المسطرة الإجبارية الجديدة ما نصّ عليه الفصل 51-3 الذي يتعلق بإحداث لجنة تدعى لجنة التحفيظ الإجباري، والتي تتكون من ممثل السلطة المحلية رئيسا ورئيس الجماعة المعنية أو من ينوب عنه والمحافظ على الأملاك العقارية المعني أو من ينوب عنه ثم رئيس قسم مصلحة المسح المعني أو من ينوب عنه، إذ تتلخص مهام هذه اللجنة في قيامها بإعداد المعنيين بالأمر لعمليات التحفيظ وضمان حسن تنفيذ أشغال البحث التجزيئي والقانوني، وذلك من خلال مشاركتها في تنفيذ هذه الأشغال إلى جانب الوكالة الوطنية، ومراقبتها لهذه العمليات، وكذا اتخاذها كافة التدابير التي تمكن من تحديد وإدراج مطالب التحفيظ، الشيء الذي لا شك سينعكس بالإيجاب على مراحل إنجاز هذه المسطرة، فوجود هذه اللجنة قد يحل أو يخفف على الأقل من مشكل الموارد البشرية المتخصصة والمتكونة في هذا المجال.
كما أن ذلك سيساهم في تسريع عملية التحفيظ، وبالتالي التعجيل بتكوين الرسم العقاري، في حين أنه في مسطرة التحفيظ الجماعي للأملاك القروية، فقد يستدعي الأمر تدخل عدة جهات، ويتطلب ذلك القيام بعدة مراسلات وإجراءات الشيء الذي ينتج عنه لا محالة بطء وتعطيل سير إجراءات المسطرة .
وما يبرهن لنا أيضا اتجاه المشرع من خلال هذه المسطرة إلى التعجيل في التعميم، ما جاء به في الفصل 51-7، والذي نص على أنه «تحرر مطالب التحفيظ وتُدرج تلقائيا في اسم الملك الخاص للدولة بالنسبة للقطع التي لم يتم التعرف على مالكيها أثناء أشغال البحث في حين جعل القطع التي تغيب أو تقاعس مالكوها عن تقديم مطالب لتحفيظها تحرر وتدرج تلقائياً في إسمهم»، الشيء الذي يُبرز فعالة هذه المسطرة وإسرار المشرع على تمديد التحفيظ على مختلف أرجاء المملكة.
ودائما في إطار المقارنة بن المسطرتين، وإذا ما تناولنا هذه المقارنة من ناحية التحديد نجد أن المشرع في ظهير 1969 خوّل إمكانية إجراء هذا التحديد حتى في غيبة المالك أو ممثله إذا رأى المحافظ أن ذلك ممكنا.
وإذا كان من شأن هذا الإجراء أن يشجع السير الجماعي لعملية التحفيظ دون ترك بقع بيضاء داخل منطقة هذا التحفيظ الجماعي، وأن يضمن السير المتناسق للإجراءات المتعلقة بهذه العملية من إشهار وتعليق واستدعاء… كما أنه يحث الملاك وأصحاب الحقوق العينية على الحضور أثناء عملية التحديد من أجل الاطمئنان على حقوقهم مما سيساهم في تخفيف التكاليف والمجهودات والوقت على الإدارة إذا ما حضر الجميع عملية التحديد، إلا أن المشرع جعل هذا التحديد بهذه الكيفية رهين بموافقة المالك فيما بعد، ورغم وجود إمكانية إلغاء المحافظ لهذا المطلب إذا تعذر القيام بهذا التحديد، إلا إنه مع ذلك وفي انتظار موافقة طالب التحفيظ وفي مراسلته مرة أو مرتين حتى يتأكد المحافظ من توصله بذلك، ومع الإشعار بالتوصل لا محالة سيأخذ دلك الوقت خصوصاً وأنه لم يتم تحديد مدة زمنية محددة لموافقة هذا المالك، بل قد يأخذ وقتاً ولا يوافق هذا المالك في الأخير على هذا التحديد مما سيؤدي إلى إلغائه.
في حين أنه وإذا ما عُدنا إلى هذا الإجراء أي التحديد وفق مسطرة التحفيظ الإجباري الجديدة، نجد أن المشرع أوجب إجراء هذا التحديد قبل انتهاء أجل التعرض سواء بحضور طالبي التحفيظ أو غيابهم، دون ترك الخيار لموافقتهم، فيما بعد من عدم ذلك، الشيء الذي سيسرع في إنجاز هذا الإجراء في أقل مدة ممكنة وهذا طبعاً يتماشى أيضا مع سياسة تعميم المسطرة، وإذا كان هذا فيما يخص التحديد، ففي التعرض كذلك نجد أن مسطرة التحفيظ الإجباري الجديدة تنص على أن التعرضات تقبل داخل أجل أربعة أشهر ابتداءً من تاريخ النشر في الجريدة الرسمية للإعلان عن إيداع اللائحة والتصميم التجزيئي بمقر السلطة المحلية، وذلك دون فتح أي باب للتعرض بصورة استثنائية على خلاف ما هو عليه الحال في مسطرة التحفيظ الجماعي، طبقاً لظهير 1969، والذي أجاز فتح التعرض بصورة استثنائية وبعد انصرام أجل التعرض والمحدد من إيداع مطلب التحفيظ إلى انصرام أ جل شهرين يبتدئ من تاريخ نشر إعلان اختتام التحديد بالجريدة الرسمية .
وهنا كان من الأفضل لو لم يتم فتح إمكانية هذا التعرض الاستثناء في هذه المسطرة الخاصة لما قد يأخذه ذلك من وقت سيؤدي إلى بطء إجراءات هذه المسطرة.
ودائما في إطار رصد بطء مسطرة التحفيظ الجماعي وفق ظهير 1969 نجد ما نص عليه الفصل العاشر من هذا الظهير والذي جاء فيه بأنه «في حالة ما أدخل تغيير على البيانات الأساسية المدرجة في البيان التجزيئي أودع بيانا له بمقر السلطة المحلية المعنية بالأمر، بل وينشر إعلانا عن هذا الإيداع بالجريدة الرسمية ويعلق طبق الشروط المنصوص عليها في الفصل الرابع»، وفي حالة ما إذا كان الإعلان عن اختتام أشغال التحديد قد تم نشره، منح أجل جديد لمدة شهرين تبتدئ من تاريخ نشر الإعلان عن إيداع بيان التعديل.
وسلوك كل هذه المراحل والتعقيدات لاشك سيأخذ وقتاً طويلاً، ويزيد في بطء عملية التحفيظ، هذا المقتضى الذي لا نجد له مثيلاً في مسطرة التحفيظ الإجباري الجديدة، بل من بين مميزاتها أيضاً تنصيصها على ضرورة نشر كل حق تم اكتسابه خلال مسطرة التحفيظ لتجنب كل ما يمكن أن يقع فيما بعد من خلافات ومنازعات.
كانت هذه عبارة عن مقارنة بسيطة فقط لبعض فصول المسطرتين، تبين لنا من خلالها وفي أكثر من مرة ورغم فعالية مسطرة التحفيظ الجماعي للأملاك القروية ومساهمتها في التعميم إلى حد ما، تبين لنا أن إمكانية تعويض هذه الأخيرة بمسطرة التحفيظ الإجباري الجديدة وارد خصوصاً وأن هذه الأخيرة إضافة إلى أنها ذات طابع إجباري ونحن نعلم ما لهذه الصفة من فعالية في تحقيق التعميم. فإن لها جملة من المميزات الأخرى والتي تطرقنا لبعض منها تأكد لنا إمكانية الاستغناء عن مسطرة التحفيظ الجماعي للأملاك القروية، لأن مميزات هذه المسطرة ستساهم لا محالة في تمديد هذا التعميم، وبالتالي القضاء على الازدواجية القائمة بين العقارات المحفظة والغير المحفظة.
ما يمكن قوله في الأخير هو أن رغبة المشرع في تعميم نظام التحفيظ العقاري واضحة جدا خاصة عند تنصيصه على فتح مناطق إجبارية للتحفيظ في قانون 14.07، لا شك أن ذلك سيكون له وقع كبير في تعميم التحفيظ ببلادنا خصوصا إذا ما تم تعويض مسطرة التحفيظ الجماعي للإملاك القروية بهذه المسطرة الإجبارية الجديدة أو فقط الأخذ ببعض مقتضياتها كمبدأ الإجبارية وما لذلك من أثر في تعجيل التعميم هذا الهدف الذي يظل رهين بكل مساطر التحفيظ سواء منها العادية أو الخاصة وليس فقط بهذه المسطرة الإجبارية.
مونية انحيلي
باحثة بسلك الدكتوراه علوم قانونية بجامعة محمد الخامس أكدال الرباط