سكان العالم اليوم لا يتفقون على شيء أكثر من اتفاقهم على أن هذا العام 2020 عام غريب لم تكد تمضي ثلاثة أشهر منه حتى أرانا الخوارق والأوبئة والذعر. وقد خُيّل إلينا، في الماضي، وفي شرق تكثر فيه الأساطير والمعادلات المرتبطة بالعلوم والروحانيات في الوقت ذاته، أننا بوسعنا قياس درجة تفاؤلنا بالعام الجديد حسب أرقامه، وكانت تلك عادة اتخذتُها تشبّهاً بالشعراء القدامى، من عمر الخيام إلى نوستراداموس، وبحثت عن الكتب الخاصة بعلم الجمّل وحساب الحروف والأرقام. وهي كتب ممنوعة في العالم العربي. لكن الفساد موجود، وكان يمكن أن تعثر على ما تريد ببعض الرشوة البريئة.
وكان يدور مثل هذا الحوار في حي المسكية الدمشقي تحت بوابة جوبيتير، ما بيني وبين بائع بلحية يضع طاقية ويمسك بمسبحة طويلة:
• هل لديك كتاب ”كذا“ الصادر في القرن السابع الهجري؟
• أعوذ بالله. هذا كتاب في الدجل والتنجيم.
• ولكني أود الاطلاع عليه.
• أبيعك الكتاب وأكسب خطيئة في رقبتي يحاسبني عليها الله؟ حتى لو كان الكتاب عندي في الداخل، لن أفعل. ”ثم ينظر إليّ بعين مغمضة وأخرى مفتوحة حتى المنتصف، ليتأكد أني التقطت رسالته“.
• أخي مستعد لدفع الثمن الذي تطلبه.
• لكن الكتاب ممنوع. ”ويعيد النظرة السابقة من عينيه المكحلتين“.
• نزيد المبلغ؟
• طيب دقيقة لأحضره على مسؤوليتك. ”ويذهب إلى عمق مكتبته الضئيلة، ليعود بالكتاب، ويناوله لي“.
يهمس بالسعر وهو يتمتم بالاستغفار ويدس المال في جيبه والمسبحة تدور بين أصابع يده الأخرى. ويقول ”لكن احذر من هذا الكاتب لعنه الله، وسوّد وجهه في الدنيا والآخرة“ ويدعو على المؤلف وهو يرفع يديه عالياً.
أهرع إلى البيت مسرعاً لأختلي بالكتاب العجيب، لم يكن يهمني حديث مؤلف الكتاب عن الشياطين والملائكة، بل عن الأرقام والحروف وحسب. فالعلم الذي استند إليه سبق وأن تناوله القديس أوغستين في القرن الرابع الميلادي حين قال إن ”الأرقام هي لغة الكون وهبها الخالق للبشر من أجل تأكيد الحقيقة”.
واليوم، كل ما عليك هو أن تحتسب مجموع أرقام هذه السنة ”2+0+2+0“ وسيكون الناتج الرقم 4 الذي تشير طاقته الروحية إلى الطبيعة وعناصرها الأربعة وفصولها الأربعة واتجاهاتها الأربعة وأخلاط الجسد الأربعة التي حددها أبقراط، وإلى حرف “الدال” وأسراره السرمدية، وإلى كوكب أورانوس ذي العواصف الغاضبة التي يشنها الميثان القاتل، وهو كوكب الإله أورانوس الذي كره أولاده وطمرهم في التراب، لكن إلهاً آخر هزمه بمنجله، كان اسمه ويا للعجب ”كرونوس“، الاسم الذي يسبق تطابقه الصوتي اللسان والعقل على الفور إلى ”كورونا“. علينا وعليكم اللطف.
> إبراهيم الجبين كاتب سوري