بيان اليوم تزور أبرز معالم العاصمة الروسية وتقترب عن كثب من أجواء “الكرملين” -الحلقة 2

على الرغم من قساوة الطقس بها والبرد الذي ينطلق مع بداية أكتوبر، إلا أن روسيا الفيدرالية بمدنها المختلفة وخصوصا عاصمتها موسكو، تظل حية لا تهدأ، عبق من التاريخ ومتاحف شيدت لتظل شاهدة على غنى تاريخي متنوع.

خلال رحلة سابقة لـ “بيان اليوم” لعاصمة روسيا في إطار تكوين خاص بالصحفيين من شمال إفريقيا والشرق الأوسط نظمته وكالة الأنباء الروسية “سبوتنيك” بشراكة مع البيت الروسي “روسوترودنيتشيفو الفيدرالية Rossotrudnichestvo” التابعة لوزارة الخارجية الروسية وشركاء آخرين، امتد من آواخر شهر شتنبر إلى أكتوبر الماضي، توقفت الجريدة، عند أبرز معالم الكرملين وإحدى أهم المنشئات الفيدرالية الروسية التي تحمل تاريخا عالميا هاما.

وإلى جانب موسكو، مدينة سان بطرسبرغ كانت هي الأخرى ضمن جولة “بيان اليوم” إلى روسيا، حيث نقوم من خلال هذه السلسلة من الحلقات بإعادة تركيب مشاهد المدينتين التاريخيتين اللتين ظلتا شاهدتين على أحداث وطبعتا مسار التاريخ، ليس تاريخ روسيا وحدها فحسب، بل تاريخ العالم..

الإرميتاج.. جوهرة التاريخ وأبرز المعالم العالمية

لا يمكن لزائر سانت بطرسبرغ أن يكمل استمتاعه بهذه المدينة الغنية والجميلة بدون أن يزور أحد أبرز المعالم التاريخية العالمية، وواحد من المتاحف المصنفة في العالم، وهو متحف الإرميتاج.

الإرميتاج أو كما يصفه بعض عشاق المتاحف بـ “جوهرة التاريخ”، هو واحد من أهم وأشهر المتاحف في العالم، والذي يزيد جماله شكل المبنى والمعمار والألوان المزهوة به، فضلا بالإضافة إلى موقعه الجميل المطل على نهر إيفا الكبير.

ولندخله كان لزاما أن يكون هناك حجز مسبق للتذاكر، إذ أن عددا كبيرا من المهتمين وملايين السياح من دول مختلفة يقصدون هذا الصرح الثقافي والتاريخي الذي يعد محجا لعشاق الآثار واللوحات الفنية والمعالم القديمة للإطلاع على تاريخ خالد، للإمبراطوريات الروسية المتعاقبة على الحكم وعلى القصور والأبنية المختلفة التي صمدت لقرون من الزمن ثم للوحات فنية لكبار الفنانين التشكيليين.

في زيارتنا لهذا المتحف التي استغرقت ساعات طويلة بدون أن نصيب حظنا كاملا من جواهره التاريخية الكامنة داخل عشرات القاعات التي تضم كنوزا تاريخية، استطعنا إلى حد ما أن نكتشف ربما حوالي 60 بالمئة مما يزخر به هذا المتحف، الذي كما يقول الكثيرون أنه يحتاج إلى زيارات كثيرة وليس زيارة واحدة للوقوف عن كثب على تاريخ عريق ما يزال حيا بين أروقة هذا المتحف.

ويضم الإرميتاج كما أسهب دليلنا ومرشدنا السياحي خلال هذه الجولة في الحكي مجموعة ضخمة ومتنوعة من المآثر الفنية والثقافية والتاريخية، إذ يعد هذا المتحف واحدا من أقدم وأكبر المتاحف في العالم، خصوصا وأن تاريخ بناء المبنى الذي يضمه يعود إلى القرن الثامن عشر، وبالضبط سنة 1764 حيث كان يستخدم في البداية كقصر للعائلة الإمبراطورية القيصرية الروسية.

بيد أن المصادقة على الشروع في بناء هذا المتحف انطلقت في عام 1754، حين صادقت الإمبراطورة يليزافيتا رومانوفا على مشروع مقر قيصري جديد حتى يكون قصرا للإمبراطورية القيصرية، حيث استمرت أعمال البناء ثماني سنوات في نهايات حكم يليزافيتا وفترة الحكم القصيرة للإمبراطور بطرس الثالث الذي أبعدته حرمه يكاتيرينا الثانية عن طريق انقلاب قصر مدعومة من الحرس الموالي لها في عام 1762.

وعقب عودتها من مراسم اعتلاء العرش التي كانت تقام في موسكو، تولت الإمبراطورة يكاتيرينا الثانية زمام الحكم من القصر الجديد الذي شارك في أعمال بنائه نحو 4 آلاف شخص، من بينهم خيرة المعماريين من أنحاء البلاد كافة.

هذه المعلومات التي يجري تقديمها للزائرين بالإضافة إلى المعلومات المرتبطة بالقطع الفنية والأثرية واللوحات والقاعات التاريخية، يشرف عليها عشرات المرشدين السياحيين والموجهين الذين يضعهم المتحف في خدمة الزائرين، فضلا عن تسجيلات صوتية تبث بلغات عديدة عبر أجهزة تسجيل تتيح للزائر الاستمتاع وفهم العمق التاريخي للمكان، الذي ليس متحفا فحسب بل تذكرة سفر في أعماق التاريخ، وعودة، كما قال مرشدنا السياحي إلى عهد يكاتيرينا الثانية التي استمر حكمها 34 عاما.

ووفق المرشد فإن عهد يكاتيرينا الثانية هو الذي شهد خلاله مجمع الإرميتاج توسعا كبيرا إثر تشييد مجموعة من المباني، بما فيها مباني الإرميتاج الكبير والإرميتاج الصغير ومسرح الإرميتاج الذي يشكل حاليا مجمعا متحفيا فريدا، فضلا عن مباني أخرى، أبرزها قصر الشتاء، قصر ميخايلوفسكي، وقصر الصيف، وقصر مرمري، إذ تعتبر هذه المباني بحد ذاتها معالم ثقافية مهمة وتجسد فخامة وأهمية الثقافة الروسية.

عقب الجولة، كان لوفد الصحفيين من شمال إفريقيا والشرق الأوسط لفرصة للتواصل مع مدير المتحف الحالي ميخائيل بيوتروفسكي الذي قدم مجموعة من التوضيحات الهامة المتعلقة بهذا الفضاء التاريخي، الذي قال إنه يضم مجموعة هائلة من الأعمال الفنية من جميع أنحاء العالم، وتشمل هذه المجموعة لوحات لأهم الفنانين العالميين مثل ليوناردو دافنشي وريمبراندت وفان كوخ، بالإضافة إلى مجموعة من النحت والمجوهرات والمقتنيات الثمينة، فضلا عن قاعة خاصة بالمآثر الذهبية والمجوهرات.

وبالنسبة للمآثر العربية، كشف ميخائيل بيوتروفسكي أن الإرميتاج يحتضن أيضا مجموعة من الآثار من الشرق الأوسط في العصر القديم وتحديدا من البلاد ما بين النهرين ومصر وإيران، مثل نقوش من قصور الملوك الآشوريين تم اقتناؤها في القرن الـ19 ومجموعة من الآثار المصرية وقطع ذهبية إيرانية تعود إلى عصر الساسونيين.

ويحتضن المتحف، وفق مديره، أكثر من 3 ملايين قطعة تمثل إرثا تاريخيا حيا يخلد مختلف العصور من العالم القديم وحتى العصر الحديث، كما تشمل الحضارات الروسية العريقة والحضارات العربية، وأساسا منها المصرية والعراقية، إذ يعود غنى هذا المتحف إلى السعي المتواصل لمؤسسته يكاتيرينا المعروفة بتوجهاتها الإصلاحية والتنويرية والتي كانت مولعة باقتناء مختلف المجموعات من الأعمال الفنية التي شكلت قاعدة لمتحف الإرميتاج، ليتواصل بعد حقبتها اقتناء الروائع الفنية في فترات حكم القياصرة التاليين من آل رومانوف.

وما يزيد هذا الصرح رمزية تاريخية، ويجعله أحد أجمل الأماكن بالعالم هو احتفاظه إلى اليوم بروح القرن 17 والقرن 18، حيث لا تزال بعض قاعات الإرميتاج تحفظ بإرث روسيا القيصرية عبر الإبقاء عليها من دون تغيير، ومن بينها مكتبة نيقولاي الثاني ذات التصميم الخشبي الفريد من نوعه.

وفق القائمين على هذا الصرح الجميل، الذي لا تكفي الكلمات لوصفه، فإن الإرميتاج الذي يستقبل سنويا ملايين السياح من دول مختلفة لا يقتصر دوره على عرض الأعمال الفنية فحسب، بل يقوم أيضا بتنظيم فعاليات ثقافية وفنية متنوعة مثل المعارض المؤقتة والندوات والحفلات الموسيقية.

باختصار، يعتبر متحف الإرميتاج واحدا من أبرز المعالم الثقافية في العالم، وجوهرة تاريخية وفنية تضيء سماء مدينة سانت بطرسبرغ وتثري زوارها بتجربة ثقافية فريدة ولا تنسى.

>إعداد: توفيق أمزيان

Related posts

Top