سمير شوقي: الجامعة تتحمل قسطا كبيرا من أسباب إفلاس الأندية

بعد الجزء الأول الذي تحدث فيه رئيس مركز «أوميغا» للأبحاث الاقتصادية والجيوسياسية عن الجانبين الاقتصادي والاجتماعي، وعلاقتهما بالتنمية وطنيا، يتطرق الجزء الثاني لحوار بيان اليوم مع سمير شوقي للمجال الرياضي، والإشكالات التي يعاني منها كقطاع تحول في السنوات الأخيرة، إلى خيار استراتيجي للدولة ككل، خاصة كرة القدم.. وهذا راجع إلى قيمة الإنجازات الكبيرة التي تحققت قاريا ودوليا، ويتجلى ذلك في حجم المشاريع المبرمجة، والتظاهرات الكبرى التي سيستضيفها المغرب، خلال السنوات القادمة.

هناك المنتخبات، وهناك الأندية والعلاقة غير المتوازنة، وما يطبع الفعل الرياضي من تفاوت مهول في الإمكانيات والتدبير والحكامة، وغياب دعم القطاع الخاص، وصولا إلى الرهان حول مشروع «شركة التنمية الرياضية»، لتجاوز العجز المهول في مسألة التكوين، وصولا إلى أهمية دعم الاستثمار الرياضي… كلها محطات استفاض ضيفنا في الحديث عنها…

وتستمد آراء سمير شوقي أهميتها من كونه، إلى جانب خبرته في مجال المال والأعمال، والاقتصاد والصحافة، أيضا، مسيرا سابقا، ومهتما وحريصا دائما على إبداء الرأي في كل الأحداث التي تعرفها الساحة الوطنية، كما لا يخفي كونه عاشقا حتى النخاع لفريق الرجاء البيضاوي، لكن عشقه هذا لا يصل إلى حدود التعصب الأعمى، ومعاداة الآخرين…

< هناك مقولة رائجة في المغرب تقول، إن كرة القدم في بلادنا تسير بسرعتين، كيف تراها؟ وهل تتفق معها؟

 

> لا بد أن أوضح أن أغلب من يقولون إن كرة القدم المغربية تسير بسرعتين، يقولون ذلك بسوء نية، على اعتبار أن الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، تسير بسرعة مرتفعة، والأندية المغربية تتحرك ببطء شديد. والواقع أنه إذا كانت الأندية تسير بهذه السرعة المنخفضة، فإن المسؤولية تعود إلى الجامعة نفسها، لأنها هي التي تتولى تنظيم المنظومة الكروية في شموليتها بالمغرب. وبالتالي فأي خلل في المنظومة، فالمسؤولية تتحملها الجامعة. شخصيا لست ممن يسايرون هذا الطرح، وتحميل المسؤولية فقط للأندية.

إشكالية الكرة المغربية، أو إذا أردنا أن نكون أكثر دقة، إشكالية كرة الأندية، هي مجموعة من الإشكاليات. وهنا سأضع جانبا تدبير المنتخبات الذي يعود بصفة حصرية للجامعة التي رصدت لها إمكانيات هائلة وضخمة، سواء من حيث البنى التحتية أو الناحية المالية أو اللوجستية، وبالتالي لا يمكن اليوم أن نقارنها مع أندية تصارع من أجل جلب موارد مالية، هي أصلا نادرة مع هيئة كروية، يتسابق ويلهث المستشهرون لكسب ودها.

وأقول هنا بأن على الجامعة أن تفكر مليا – بعد أن أصبحت المنتخبات في مستوى لا بأس به وجيدة من الناحية التنظيمية -، في أن تنكب على كرة الأندية، حتى لا تجرها هذه المنتخبات إلى الهاوية.

< ولكن هناك رأي آخر يضع أيضا المسؤولية على عاتق الأندية، فرغم عراقتها وتجاوزها الستين والسبعين سنة على التأسيس، لم تستطع التحول إلى مؤسسات، وظلت تلهث وراء النتائج، وبالتالي فهي تتحمل المسؤولية؟

> بكل تأكيد. فالمسؤولية الأولى تقع على مسيري الأندية. عندما تحدثت عن مسؤولية الجامعة، فكنت أقصد جانب الرقابة والحكامة. وهذا هو بيت القصيد بالنسبة لكرة الأندية في المغرب. هناك إشكال حقيقي فيما يخص الحكامة. وجاء هذا الواقع المفلس، بسبب تساهل الهيئات المشرفة على اللعبة ببلادنا، مع ظهور جيل جديد أفرزته كرة الأندية منذ سنة 2010. هذا الجيل يتميز بالوصولية وعدم الكفاءة واستعمال الريع المالي، للوصول لتدبير الأندية بغايات أخرى لا علاقة لها بالرياضة. وهناك نماذج كثيرة نراها اليوم ورأيناها أمس، منهم من كان هدفه الوصول إلى قبة البرلمان، ومنهم من كان يطمح أن يصبح وزيرا ومنهم من كان يرغب في تنمية أعماله. وكلهم اتخذوا من الأندية مطية. مع الأسف أندية كبيرة ومرجعية أدت الثمن باهظا، وما زالت تؤديه حتى اليوم جراء هذا النموذج.

رأينا سباقا محموما بين بعض الوجوه المعروفة من أصحاب الريع، والتي تتحمل القسط الأوفر مما وصلت إليه كرة القدم من حضيض.

< ربما هناك حتى على مستوى الجامعة نوع من الحكامة والتدبير المثمر، لكن ترك الأمور تسير وفق هذا الواقع المؤسف، يجعل مسؤولية الجامعة أيضا قائمة، لأنها لم تحرص بمعية السلطات، لمعرفة من يسير، وحمايتها من عبث الفاسدين، وضمان تدبير بعيد عن الفضائح، والصورة البشعة التي نراها حاليا؟

> صحيح. افتقدنا الصرامة في المنظومة الكروية، حيث إذا أردنا أن نقدم تقييما للجامعة خلال العشر سنوات الأخيرة، أي منذ 2014، – حيث ستحل في أبريل الجاري ذكراها العاشرة -، فإنها نجحت على مستوى المنتخبات، لكن الأندية عاشت ويلات كثيرة. أظن أنه لم تتم الاستفادة من الدرس، لأن خارطة الطريق كانت قد وضعت سنة 2008 في الرسالة الملكية الشهيرة، والتي قال عنها جل المسيرين: «آمين. مضمونها جيد ويشكل لنا خارطة طريق»، لكن لا أحد طبقها. والأنكى من ذلك، لم تعمل الجهات الوصية على تفعيلها. وهنا تتحمل الجامعة قسطا من المسؤولية في عهد الرئيس السابق علي الفاسي الفهري. منذ ذلك الوقت ونحن نجتر هذا التماطل، لأنه مثلا عندما وضع قانون (30-09) سنة 2009، كان علينا أن نطبقه بحذافيره ابتداء من 2010. لحد الساعة لا أعلم لماذا هذا التقاعس؟ وضع قانون ثم اجتر لسنوات، وانتظرنا حتى 2017، لتضرب الجامعة على الطاولة وتجبر الأندية، وتمهلها 6 أشهر لإنشاء شركات رياضية، وإلا سيتم إقصاؤها من المشاركة في الدوري. ولكن مع ذلك لم يطبق هذا القانون، وتم التحايل عليه من طرف مسؤولي الأندية، حيث تكتلوا وشكلوا لوبيا في وجه الجامعة، وتحايلوا على القانون بشكل يمنحهم شركات رياضية هي في ملكية الجمعية، بنسبة 95-96 في المائة. أي أن نفس الأشخاص الذين يسيرون الأندية هم من يسيرون الشركات. ولم نخرج من هذه الدائرة المغلقة، وبقيت المشاكل تتكاثر وتتفاقم إلى أن وصلنا اليوم لحالة الإفلاس التي تعيشها الأندية المغربية.

< في وقت كان علينا إصلاح هذا الواقع من خلال التعامل بصرامة مع حكامة الأندية، ظهرت حلول أخرى على مستوى الدولة، وهو إنشاء شركة للتكوين، لأن الأندية لم تعد قادرة على إنجاب لاعبين أو مسيرين، وإذا سرنا في هذا التوجه، فربما واقع الأندية يزدهر..

> هناك مبادرة أعتبرها جيدة، كونها ترمي إلى العمل على المستوى القاعدي، ولن تشتغل على الهرم المقلوب، كما فعل رؤساء الأندية منذ أزيد من 10 سنوات، حيث كانوا يركزون على الفريق الأول. اليوم مؤسسات الدولة المغربية ارتأت أن تقلب القاعدة، وتشتغل على الهرم الواسع، وهو الفئات العمرية، لأنها هي التي ستؤمن لنا مستقبل الكرة في المغرب. وهذا شيء جيد.

* ولكن هذا التدخل كان مطلبا ملحا، قصد تجويد التكوين؟

> بالتأكيد. لو كانت الأندية تفعل التكوين بشكل جيد، لما جاءت الدولة المغربية والجامعة بهذا المشروع الذي «ينتزع» التكوين لدى الفئات العمرية من أيدي الأندية، وإن كان الأمر اختياريا في هذه المرحلة. هنا لا بد أن أذكر بهذا المسار الذي بدأ قبل 3 سنوات. أول من فكر في هذا المشروع هو المكتب الشريف للفوسفاط، المؤسسة الوطنية التي تحتضن 3 أندية هي الدفاع الحسني الجديدي وأولمبيك خريبكة وأولمبيك أسفي، بحكم أن هذه المدن من كبريات مناجم الفوسفاط بالمغرب. وهذه علاقة تاريخية. ارتأى المكتب الشريف للفوسفاط خلق شركة للتنمية الرياضية، تعنى بتكوين الفئات الصغرى لهذه الأندية الثلاثة، لأنه لاحظ بأن التكوين بدأ يقل، وبدأت الأندية تنافس بقية الفرق في التعاقدات، وتهمش الفئات الصغرى.

من هنا جاءت الفكرة. ومن أجل إنجاحها رصدت إمكانيات مالية ضخمة. رأسمال الشركة يبلغ 25 مليون درهما، ولكن الاستثمار الإجمالي الأولي يبلغ 370 مليون درهما. إجمالا حوالي 40 مليار سنتيم. هذا في المرحلة الأولى، وهو رأسمال ضخم وكبير جدا.

وشخصيا أتوقع مستقبلا زاهرا لهذه الأندية التي ستجد بين أيديها مؤطرين محترفين، لا علاقة لهم بتدبير الفريق الأول، أو النتائج أو ضغط الجمهور، وبالتالي سيشتغلون بأريحية ولهم إرادة قوية للرفع من المستوى. بالإضافة إلى ذلك، سيتم الاعتماد على أطر أوروبية عالمية مشهود لها في مجال التكوين، وبنى تحتية مهمة. وبالتالي فالمنظومة كلها تمت تهيئتها بكل ما يؤمن لها النجاح.

فالمكتب الشريف للفوسفاط، اشتغل مع الجامعة على هذا النموذج الذي اعتبر داخل الهيئة الكروية نموذجا أوليا، أو ما يسمى بـ «التجربة بيلوط»، والتي يمكن أن تسير عليه باقي الأندية. والجامعة تعمل على جلب شركات أخرى لتفعل الشيء ذاته وتتعاقد مع أندية أخرى حتى تمنحها تدبير فئاتها العمرية. هذا المشروع جيد لكنه مرتبط بعدة أمور، لا بد أن نفعلها قبل انطلاقته.

< مثل ماذا؟

> لا يمكن أن ننجح في هذا المشروع، وأن نهيئ له أرضية النجاح، إلا إذا حصل تكامل بين التكوين في الفئات العمرية الذي ستتكلف به الشركات، وبين تحسين وتجويد الحكامة بالنسبة للفريق الأول بالأندية. لا يمكن أن نستمر بنفس التدبير، ونحن اليوم نفعل منظومة جديدة عصرية وقوية، من أجل النهوض بكرة القدم المغربية، لأن الهدف الأسمى هو النهوض باللعبة في شموليتها.

فإذا لم نفعل ذلك، فالأكيد سنخلق إيقاعات أخرى متفاوتة في السرعة والأداء، وهذا ليس هدفا لنا. وأنا أقترح على الجامعة أن تفكر في دفتر تحملات لكل الأندية الممارسة في القسمين الأول والثاني. ويتضمن تقييد «بروفايلات» الأشخاص المخول لهم تسيير الأندية، سواء من حيث التكوين أو الذمة المالية، وما يحمله من مشروع، يريد تطبيقه داخل النادي، وأيضا على أساس نهج السيرة، ويتضمن عدة معايير. وعلى الجامعة بلورة كل ذلك.

< هل مثل هذا المشروع الطموح، مسؤولية الجامعة فقط؟

> هي مسؤولية جميع مكونات المنظومة، لكن الجامعة هي من تتولى القيادة. والجامعة لها ارتباط بالدوائر الحكومية وبالدولة عموما، وبالتالي يمكنها خلق قوانين ملزمة. وبالتالي أعتبر وجود شخص يترأس الجامعة، وفي نفس الوقت هو مسؤول حكومي، يسهل مثل هذه الأمور، لنرفع كرة القدم في شموليتها إلى الأعلى.

النقطة الثانية التي لا بد منها، هي الشق المالي، إذ لا بد أن نضع في دفتر التحملات ما يسمى بقواعد اللعب النظيف. لا يمكننا اليوم أن نقتصر على وضع معيار واحد وهو أن الكتلة الأجرية لا يجب أن تتعدى 70 في المائة من مجموع المصاريف. هذا غير كاف. لماذا؟ لأنه مثلا إذا كان لدينا فريق يدبر بمبلغ 50 مليون درهم. فالكتلة الأجرية ستبلغ 35 مليون درهم. فماذا سيتبقى لتغطية باقي المصاريف؟

فمبلغ 15 مليون درهم لن يكفي لتدير ناد بالقسم الأول. وبالتالي علينا تقنين قواعد اللعب النظيف حسب المداخيل، إذا كان للنادي مدخول 50 مليون درهم، فلا يمكن للكتلة الأجرية أن تتجاوز 40 في المائة كأقصى حد. هناك مصاريف أخرى محيطة بالممارسة ككل، لكي تبقى في جودة معينة. اليوم نرى بعض النماذج المؤسفة كعدم القدرة على تأدية تكاليف البنزين والنقل، وأخرى لا تستطيع دفع نفقات الإقامة والفنادق.

والعديد من الأندية لها شيكات بدون رصيد لدى الممونين، لماذا؟ لأنها تعطي الأولوية للاعبين والطاقم التقني. وحتى هؤلاء لهم مستحقات متأخرة. وعليه فقواعد اللعب النظيف باتت أساسية جدا.

بعدها تأتي المراقبة المالية في شموليتها. إذن هي 3 نقاط رئيسية: أولا بروفايلات الرؤساء. ثانيا قواعد اللعب النظيف. ثالثا الحكامة المالية بشموليتها. هنا أعتقد ستكون بداية متكاملة مع المشروع الذي نشتغل عليه اليوم. ونضع أهدافا في أفق سنة 2030، لأنه لا يمكن رصد النتائج في سنة أو سنتين، حتى يكون بمقدورنا تقييم التجربة، وبعدها نضع أهدافا أكثر ارتفاعا، لكي نصل بعد 15 سنة إلى أندية تضاهي الأهلي المصري أو ما ميلودي صندونز الجنوب إفريقي، أو تفوقها، ولم لا؟

< هناك مسؤولية الجامعة ثم الأندية، لكن هناك مسؤولية المدن، لأن الأندية تمثلها، فما هي الإسهامات التي قدمتها هذه المدن لفرقها. مثلا لا يمكن ذكر الدار البيضاء، دون ذكر الرجاء والوداد، أو الكوكب أو المولودية أو نهضة بركان أو الكوديم بدون ذكر مدن مراكش ووجدة وبركان ومكناس. بالتالي هذه المدن مطالبة بالمساعدة في المداخيل وجودة المنتوج، وكذلك المراقبة بما أنها سلطة محلية…

> صحيح إذا أخذنا – وهذا يجب أن يكون أيضا ضمن دفتر التحملات لأنه أمر مهم -، النموذج الاقتصادي لأندية الدار البيضاء إذا جاز لنا تسميته بهذا الاسم، فهو نموذج جد هش، لأنه يعتمد على مداخيل الجمهور. وهنا إذا استثنينا 3 أندية فمداخيل باقي الفرق هامشية. ويعتمد في الشق الثاني على المستشهرين، والذي هو ضعيف جدا. فماذا يتبقى؟ تتبقى الإعانات ومنح الدعم من الجهات العمومية، كالمجالس البلدية والإقليمية والجهوية. وللأسف هناك أندية لا يمكن تدبيرها، في نموذجها الحالي، إلا بهذه الإعانات، لأنها لا تملك مداخيل جمهور أو استشهار. وهذا وضع غير مستقيم. ولذلك علينا من خلال دفتر التحملات أن يحدد الرئيس المرتقب، ما هي الموارد المالية الدائمة التي سيجلبها على الأقل في الولاية الأولى؟

أود الإشارة إلى إشكالية أخرى قبل أن أعود إلى مسألة الدعم المالي للجهات العمومية، وهي إشكالية الجمهور للأندية الكبرى. لدينا أندية كالرجاء والوداد وتأتي بعدها الجيش والمغرب الفاسي وفرق أخرى كاتحاد طنجة.. تملك قاعدة جماهيرية كبيرة. اليوم هناك ظرف استثنائي في ظل تنظيم المغرب لكأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، وهو ما يقتضي إصلاح جميع البنى التحتية.

واليوم المغرب يوجد بلا بنى تحتية باستثناء مركب أكادير. وبالتالي لا بد من التدخل وتعويضهم على الأقل بقيمة نصف المداخيل. والأمر سهل من خلال الاطلاع على آخر تقرير مالي للجمع العام للأندية في خانة المداخيل. يجب تعويضهم بنصفها. لا يمكن مثلا لأندية الدار البيضاء التي تحصد أعلى المداخيل في المغرب (25-30 مليون درهم)، أن لا تستفيد ولو من سنتيم واحد.

هذا التجاهل غير معقول، لأنه سيؤدي بالأندية إلى الإفلاس. فورشا كأس أمم إفريقيا وكأس العالم، هما ورشا المملكة المغربية. ولإنجاحهما علينا إنجاح المنظومة بأكملها من خلال تحفيز الجميع على الانخراط في هذين الورشين، وذلك بدعمهم وتسهيل المأمورية أمام الجماهير، في التنقل للمدن الأخرى، – طبعا – في إطار احترام القوانين العامة. وهذه مسألة لا نقاش فيها.

أعود للشق الخاص بالنموذج المالي، فمن الضروري للمملكة المغربية كبلد، والجامعة كهيئة مشرفة، أن يفكرا في نموذج يحفز إقبال الشركات المغربية على رعاية الأندية. لا يمكن أن كبريات الشركات من أبناك وتأمينات ومجموعات صناعية لا نراها إلا خلال حملات إشهارية عن مباريات كأس العالم أو عندما يلعب المنتخب الوطني وينتصر.

آنذاك ترى إعلانات من قبيل «كلنا مع الأسود». لا يمكن أن تستفيد من توهج بلد عن طريق الكرة، ولا تساهم بدورك. أعتقد أن الحكومة المغربية لديها من الإمكانات ما يمكنها من دفع الشركات إلى الانخراط في هذه الأوراش المهمة، لأننا نتحدث عن أبعادها الوطنية.

وهنا أنتقل للنقطة الثانية التي لا بد منها، إذا أردنا أن ننجح في خلق مجموعة متكاملة – كما قلنا – من القاعدة إلى رأس الهرم في أفق خمس أو عشر سنوات، حتى نكون قاعدة كرة أندية قوية وصلبة، على ضوء ما يقع في تدبير المنتخبات، لابد أن تقوم الحكومة المغربية كدولة، بمبادرة اتجاه كل الأندية بمسح جميع الديون. وأعتقد أنه لدى لجنة مراقبة المالية التابعة للجامعة رصد دقيق لكل متأخرات الديون والضرائب، وصندوق التقاعد وصندوق الضمان الاجتماعي، ومستحقات اللاعبين.

< كان هذا مطلبا في لقاء جمع الأندية والجامعة، لكن أندية ليست لديها مشاكل مادية استخدمت حق «الفيتو»، ويتعلق الأمر تحديدا بأندية الرباط التي تتمتع بموارد مضمونة، واعتبرت أنها تطبق تدبيرا سليما، والتعامل بهذه الطريقة مع الآخرين يشكل ضررا لمجهوداتها لسنوات…

> لدي ملاحظة على عبارة تدبير سليم. لا يمكن الحديث عن ذلك بمداخيل مضمونة. التدبير السليم هو عندما تدبر مداخيل تجلبها بمجهودك الشخصي.

فالنموذج الاقتصادي لهذه الأندية مختلف عن نموذج الأندية الأخرى. أندية الكرة المغربية تسير بقاطرتين. قاطرة أندية لديها مداخيل مضمونة أستثنيها، لأنها ليست معنية. ولدينا 12 أو 13 ناديا عليهم تدبير أمورهم بأنفسهم وأن يذهبوا إلى المحرقة كل سنة. وهذا غير معقول لأنه تدبير غير متكافئ ويتم الكيل فيه بمكيالين. اليوم نود مسح كل هذا، لكي نرفع مستوى اللعبة إلى الأعلى. ويستفيد الجميع ونتجاوز أنا وأنت والآخر. نحن بصدد منظومة.

ولهذا قلت إن الجامعة من خلال رئيسها الذي يحظى كذلك بمنصب حكومي مهم وله حظوة في دواليب الدولة بإمكانه التدخل بفعالية للوصول إلى بلورة هذا المشروع على أرض الواقع، خاصة وأن الإرادة السياسية ليست غائبة. وبما أننا سنبدأ العمل هذه المرة من القاعدة الكبيرة (الفئات الصغرى)، وإلا وهناك رؤية مستقبلية. من منظوري الشخصي علينا تسريع الأمور. فهذه المسألة كلها كم تتطلب؟ 300 أو 350 مليون درهم. أعتقد أن هذا ليس مبلغا كبيرا بالنسبة للمالية العمومية.

فعندما أرادت المملكة المغربية دعم الصحافة، قامت بذلك منذ سنة 2020 أي أربع سنوات. ولحدود الساعة رصدت 100 مليار سنتيم، وما زالت تدعمها إلى اليوم، لأنها قررت أن تمدد من حياة الصحافة، لأنه لولا هذا التدخل لأفلس القطاع ككل. ونحن في كرة القدم نتوجه نحو إفلاس كروي، إذا لم تتدخل الدولة.

فالمغرب بات يعتمد كرة القدم، كقوة ناعمة بإفريقيا. لا ننسى أنه لدينا أزيد من 40 اتفاقية مع اتحادات إفريقية. وهذا ليس اعتباطا بل سياسة دولة. فالقوة الناعمة عبر كرة القدم، تجاوزنا من خلالها القارة الإفريقية لننشرها عبر العالم منذ كأس العالم «قطر 2022». لكن لا يمكننا اعتماد هذه القوة الناعمة في الخارج، وإغفال ما يقع في الداخل من إكراهات ومشاكل وإشكاليات.

لذلك أقول إنه يجب تفعيل الإرادة السياسية وأن تخطو خطوة إضافية بإلغاء كل الديون المتراكمة على الأندية، لكن مع دفاتر تحملات، ومن شروط دقيقة فيما يخص الحكامة. لن ألغي ديونك اليوم، لكي تأتي لاحقا، وتغرق غدا النادي في الديون.

< في هذا التصور الذي تحدثنا عنه، هل يمكن أن نحلم بأن تصبح أنديتنا مجالا لتهافت المستثمرين يوما؟ وهل القوانين مساعدة في هذا الاتجاه؟

> الهدف الذي جاء من خلاله القانون 30-09 هو أن نصل لأندية استثمارية. عندما حدد 70 في المائة للشركة الرياضية و30 في المائة للجمعية، مع ترك الأخيرة تدبر الفئات الصغرى، أعتقد أن الأمر أصبح متجاوزا مع هذه الشركات، فالهدف كان أن نبحث عن مستثمرين. اليوم قانونيا لا شيء يمنع هذا.

< لكن ماذا عن الضمانات؟

> الضمانات، هي أولا ما قلناه. لا يمكن لأي مستثمر أن يضع مئات ملايين الدراهم في مشروع كله ضبابية. علينا أيضا اليوم كمنظومة كروية شاملة أن نقوم بإلغاء ما مضى، ونفعل منظومة جديدة بقواعد جديدة ونجلب المستثمرين. والقاعدة القانونية موجودة، وهي القانون 30-09. يجب وضع آليات وضوابط دقيقة تمكن من تقييم ممتلكات وأصول النادي، حتى توضع له قيمة سوقية. صحيح أن هناك نقاشا بخصوصها، لأن هناك مكاتب دولية لديها دراية بالأمر، حيث تقوم بتقييم عقود اللاعبين، والأصول والقيمة المعنوية والرمزية للنادي، وإمكانية حصوله على ألقاب تجلب الأموال. هناك مكاتب متخصصة في جميع أنحاء العالم، وليس فقط في المغرب. هذا ليس إشكالا من ناحية التقييم، بل كيف نمنح الثقة للمستثمرين حتى يلجوا هذا الميدان الذي أراه مربحا إذا وضعنا له جميع القوانين والقواعد.

< لكن كيف نتمنى أو ننتظر أو نترقب مجيء رؤوس أموال، في ظل هذا الشغب والحملات اللفظية والاستهداف بمواقع التواصل الاجتماعي، بما فيها من حرية مبالغ فيها وتشهير بالناس والعائلات، كيف سنشجعهم وهذا عامل مهم؟..

> طبعا. إنه مهم جدا. لما تحدثت عن المشروع في شموليته، قلت بأنه مشروع دولة. وبالتالي من الضروري أن نتحلى بإرادة سياسة قوية بغية إنجاحه. لا بد أن ننظر إليه من جميع الجوانب. وما قلته هو مهم على أساس أنه مكمل، ولكن له أهمية خاصة من الناحية المعنوية. نحن نعرف محيطنا اليوم. هناك ترسانة قانونية يجب تفعيلها، سبقتنا دول لذلك، ولم لا نقوم به نحن؟ ففي بريطانيا، مثلا، كان من يسمون بـ «الهوليغانز» أخطر بكثير من الشغب الذي نراه اليوم، ومع ذلك قامت الحكومة البريطانية بوضع قوانين صارمة جدا وضعت حدا للمخربين، واستطاعت في ظرف سنتين القضاء عليهم. كذلك عندما سوف نضع دفتر تحملات للأشخاص والأطر التي بإمكانها أن تدبر الشأن الرياضي، يجب أن يؤتى بمسيرين لديهم ما يكفي من النضج. فلا يمكن ولا يعقل أنه اليوم لدينا مسيرون في كرة القدم هم من يثيرون الشغب. نحن بحاجة لمن يساعد المنظومة، وليس لمن يخلق لها المشاكل.

مع الأسف هناك مسؤولون كلما وضعت أمامه ميكرفون، إلا وخلقوا لك أزمة وراءها الشغب. بالتالي أعتقد أن المسؤولية قانونية وتحسيسية، ويجب أن ينخرط فيها الجميع. عندما ينخرط النادي من أعلى هرم فيه، بثقة في النفس أمام جماهيره بهدف إنجاح المنظومة، فلا بد أن يكون هناك انسجام.

ستجد دائما بعضا ممن لا يشكلون الأغلبية، من لا يساير، إلا أنهم لن يعرقلوا المشروع ككل. يجب أن نبدأ من قوانين زجرية وتحسيسية، ونرتقي شيئا فشيئا.

< هل أنت متفائل؟

> أنا متفائل بالنسبة للشركات التي من الممكن أن تأخذ على عاتقها تكوين الفئات العمرية، ولكن اليوم يجب أن نعلم أننا لم نبلغ الغاية بعد، لأنها مرتبطة بشيئين. أولا موافقة الأندية، وهو اختياري، وغير ملزم. ثانيا إيجاد شركات، فالمهم ليس قبول الأندية للمشروع، بل أين هي الشركات، لأن هذا المشروع في المرحلة الأولى غير مربح، ولن يكون مربحا لأي شركة قبل 10 سنوات. فمثلا إذا أخذت طفلا عمره 8-9 سنوات بهدف تكوينه، لن يكون بمقدورك بيعه، وجلب مداخيل إلا بعد 10 سنوات، أي في سن الـ 18. ستصرف عليه لمدة 10 سنوات. وهذا يتطلب نفسا طويلا. لذلك أقول بما أنه مشروع دولة، فإن على المؤسسات العمومية الانخراط فيه، والنموذج هو المكتب الشريف للفوسفاط. يجب أن تلتحق به مؤسسات عمومية في إطار الخدمة العمومية.

وأقول إنه بعد التحاقها سيأتي أيضا الدور على شركات القطاع الخاص، عندما ترى أن الأمور تسير وفق منظومة منظمة. أنا في هذا المجال متفائل.

بالنسبة لباقي منظومة الأندية سأكون أكثر تفاؤلا إذا تم أخذ الأمور بحزم وتم وضع الأطر القانونية وتفعيلها بدءا من قانون 30-09 ودفتر تحملات المسيرين، وقواعد اللعب النظيف والتدبير المالي بشكل شامل. إذا بدأنا في هذه المرحلة ما بين عامي 2024 و2025، سأكون متفائلا بأننا في سنة 2030 سنخطو خطوة مهمة إلى الأمام.

< هل تعتقد أنه يوجد سؤال مفيد لم نطرحه في هذا الحوار؟

> لا أعتقد. أحطنا بالأمور من جميع جوانبها. لم أركز كثيرا على تدبير المنتخبات، لأنه ناجح ورصدت لها من إمكانيات ما يلزمها بالنجاح. حتى أنها باتت نموذجا في إفريقيا، وبالتالي علينا نقل هذا النجاح إلى الأندية المغربية.

>أجرى الحوار: محمد الروحلي أعده للنشر: صلاح الدين برباش – تصوير: احمد عقيل مكاو

Top