ندوة منتدى المناصفة والمساواة حول “مستجدات مدونة الأسرة”

قالت نزهة الصقلي إن مقترحات الإصلاحات التي تم الإعلان عن بعضها مؤخرا من قبل الحكومة، جاءت مبهمة ومخيبة لانتظارات المجتمع المغربي، وأن المنهجية التي اعتمدتها الحكومة في التواصل حول مستجدات التعديل المرتقب لمدونة الأسرة أبانت عن ارتباك وتخبط كبيرين.

وأوضحت الصقلي، رئيسة جمعية أوال حريات، التي شغلت سابقا منصب وزيرة الأسرة والتنمية الاجتماعية والتضامن، خلال عرض قدمته مساء يوم السبت الماضي بالدار البيضاء، في إطار الندوة التي عقدها منتدى المناصفة والمساواة، حول موضوع “مستجدات مدونة الأسرة”، أن المقترحات المعلن عنها لم تكن في مستوى الأهمية التي أعطيت لهذا الاستحقاق، خاصة أنه جاء بمبادرة وتوجيهات من جلالة الملك الذي حث على ضرورة تعديل المدونة في إطار مواءمة مقتضياتها مع تطور المجتمع المغربي ومتطلبات التنمية المستدامة، وتحقيق الانسجام مع تطور التشريعات الوطنية، وعلى رأسها الدستور المغربي وما ينص عليه من مباديء  العدل والمساواة والتضامن.
واعتبرت الصقلي أن المنهجية التشاركية في الإعداد لهذا التعديل، والتي كانت بدورها من ضمن التوجيهات الملكية السامية، اعتبرت في حينها مبعثا على الأمل في أن تأتي الإصلاحات مستجيبة بشكل أكبر للتطلعات، حيث ساهمت مختلف أطياف المجتمع المغربي والحركة المدنية وضمنها الحركة النسائية في بلورة مقترحاتها بهذا الشأن، والترافع حولها طوال المدة المذكورة، قبل رفعها إلى اللجنة المكلفة بتعديل مدونة الأسرة. لكن الاقتراحات التي تم الإعلان عنها، جاءت مخيبة لكل الآمال، تقول الصقلي، ولا تعكس واقع الأسرة المغربية، كما أنها لا تنسجم مع قدرة الاجتهاد على الاستجابة لمستجدات هذا الواقع ومتطلباته، خاصة فيما يتعلق بقضايا الخبرة الجينية لإثبات النسب، والمساواة في الإرث، وتزويج القاصرات، فضلا عن تراتبية العلاقات في إطار الزواج بين الرجال والنساء، والتي آن الأوان لوضع حد لها في ظل تطور وضعية الأسر وتغير مكانة ودور النساء داخلها وفي المجتمع.      

ودعت الصقلي، في هذا الصدد، المجلس العلمي الأعلى، بصفته مؤسسة وطنية ودستورية، تحت قيادة جلالة الملك أمير المؤمنين، إلى التجاوب مع توجيهات جلالة الملك، من أجل القيام بدوره (المجلس) في إعمال آلية الاجتهاد بطريقة فعلية، وتقديم مقترحات تنسجم مع روح شريعتنا السمحة، وتتلاءم في نفس الوقت مع الواقع الحالي للأسرة المغربية ومع باقي التشريعات الوطنية والتزامات المغرب الدولية. وأكدت الصقلي أن هذا العمل يجب أن يتم “الآن وليس غدا”، وأن يكون للمجلس العلمي بصمة أكبر في الاجتهاد المتنور في الفترة الحالية لصياغة مقترحات مشروع تعديل مدونة الأسرة، حتى لا يواجه القانون مشاكل التطبيق ومطبات الاختلال التي عرفها في السنوات العشرين الماضية.

ووجهت المتحدثة، في نفس الآن، نداءين، أحدهما إلى الأحزاب السياسية الديمقراطية والتقدمية، من أجل التعبير عن رأيها الحقيقي في الاقتراحات الحكومية حول مدونة الأسرة، بالجرأة والقوة اللازمتين، في مواجهة ما وصفته الصقلي بـ”الحملات الإيديولوجية والمعلومات الخاطئة التي تذكرنا بسنة 2003 إبان معركة تعديل مدونة الأحوال الشخصية”، وذلك، تقول المتحدثة، “دفاعا عن مغرب في مستوى أحلامنا بمستقبل أفضل لبلادنا وللأجيال القادمة”.

وذكرت الصقلي، في هذا السياق، أن حزب التقدم والاشتراكية، الذي احتضن مقره بالدار البيضاء هذه الندوة، كان سباقا منذ عهد الدفاع عن استقلال المغرب، إلى إثارة قضايا النساء والدفاع عن حقوقهن، في إطار نضاله من أجل مغرب الكرامة والمساواة لجميع المغاربة والمغربيات. وأشارت أن وعيها كمناضلة في صفوف حزب التقدم والاشتراكية، منذ نعومة أظفارها، بحقوق النساء، كان على يد رجل من أوائل القادة السياسيين داخل الحزب وفي المغرب، هو الراحل عبد الله العياشي، “فهو الذي وجهني إلى قراءة مدونة الأحوال الشخصية آنذاك، والاطلاع على  مدى الحيف والظلم الذي كانت تنطوي عليه نصوصها في حق النساء المغربيات”. ومنذ ذلك الحين، والحزب يرفع، في نضالاته السياسية وفي صحافته، لواء الدفاع عن المساواة والكرامة لفائدة المرأة والرجل معا.

ووجهت الصقلي نداء أخر إلى المجتمع المغرب، وإلى الرجل المغربي خصوصا، من أجل رد الاعتبار لمكانة المرأة في الثقافة المغربية كأم وزوجة وابنة، حيث عرف المغاربة بوضع أمهاتهم في مرتبة التقديس، مؤكدة أن المعركة من أجل المساواة ليست معركة بين الرجل والمرأة بقدر ما هي معركة من أجل “علاقات أسرية واجتماعية متكافئة ومتضامنة يسودها العدل والأنصاف”.

وفي نفس السياق، تحدثت رشيدة الطاهري، الكاتبة الوطنية لجمعية “أوال حريات”، في كلمتها بالمناسبة، عن ضرورات إجابة القانون المؤطر لحياة الأسرة عن التحولات الاجتماعية، مؤكدة أنه من الطبيعي أن يكون هذا القانون خاضعا للتغيير والتعديل كلما دعت الضرورة لذلك، مثلما يحدث في باقي القوانين الوطنية التي تم تعديلها للإجابة عن أسئلة مستجدة مثل ما حصل مع القانون الجنائي بخصوص الجرائم الالكترونية وجرائم الاتجار بالبشر. وتساءلت الطاهري في هذا الصدد عن سبب محاولة إضفاء نوع من القدسية على قانون الأسرة، وعما إذا كان ذلك مرتبطا أكثر بـ”قدسية” الامتيازات التي تمنحها بعض النصوص في القانون “لعقلية ذكورية تستعلي على حقوق النساء”، وليس للنص الديني الذي يتأسس على قاعدة أن “الظلم حرام والعدل هو الحلال وليس العكس” كما تقول الطاهري.  

ودعت الطاهري بدورها إلى إعادة النظر في مقترحات الإصلاحات، خاصة فيما يتعلق بالنفقة والإرث، وبالولاية على الأبناء، وزواج القاصرات، وإعمال الخبرة الجينية في إثبات النسب، وغيرها من المقتضيات التي يفترض أن تكون مؤسسة للعدل والإنصاف باتجاه النساء وللمصلحة العليا للطفل التي تعد مبدأ تشريعيا أساسيا كذلك.

يذكر أن الندوة التي عقدتها التنسيقية الإقليمية لأنفا لمنتدى المناصفة والمساواة، وقامت بتسييرها المنسقة الإقليمية هند مميز، نظمت بتنسيق مع الفرع المحلي لحزب التقدم والاشتراكية بأنفا، ومساهمة الفرع الإقليمي لحزب التقدم والاشتراكية بابن مسيك، عرفت حضور ومشاركة عدد من الخبراء والخبيرات في مجال القانون والقضاء وحقوق الإنسان، فضلا عن مناضلي ومناضلات الحزب وعدد من ممثلي وسائل الإعلام.         

سميرة الشناوي

تصوير: عقيل مكاو

Top