متاهات التجريب وآفاق المثاقفة في المجموعة القصصية «ظل يرقص سامبا شرقية» لعبد الرحيم سليلي

مقدمة
تعرف الكتابة القصصية في المغرب مدا وجزرا، تبعا لعوامل خفية، يصعب جردها، أو تحديد معالمها نظرا لغياب مؤسسة قارة تعنى بهذا الجنس الأدبي المنفلت، وتقدم أرقاما واضحة لسيرورته الإبداعية التي خطت خطواتها الأولى في مرحلة مبكرة. وإذا حَقّ للمتتبع أن يتحدث عن غياب إسناد المؤسسة الثقافية، فإنه سيجد نفسه مضطرا للإشادة ببعض التفاعل مع نصوص وتجارب معاصرة، حملت في تربتها الخصبة بذور مفعول الاختلاف، والمغايرة، عما عهدته المدونة القصصية التأسيسية، ونقصد هنا إلى انبلاج نموذج تجريبي جديد، يمكن القول إنه بدأ يؤسس لنفسه تفردا داخل حقل القصة القصيرة بالعالم العربي.
في هذا السياق، صدرت المجموعة القصصية «ظل يرقص سامبا شرقية» للشاعر، والقاص “عبد الرحيم سليلي”، وهي ثاني عمل قصصي تلا مجموعته الأولى «أضغاث ربيع» الحائزة على جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي سنة 2019. وبالرغم من تدبدب المشروعية النقدية للجوائز في السيرورة القرائية والتطورية للنص الأدبي، فإن هذه الجزئية لها أهميتها، ومكانتها الرمزية نظرا للمصداقية التي تتمتع بها الجهة المانحة.
وارتباطا بالأثر الأدبي، يمكن القول إن المؤلف لم يقف في هذا النص على شعرية البوح فحسب، وإنما ضمن القصة مواقف جمالية، وسياسية، واجتماعية، وثقافية… جعلتها تتجاوز اللغوي نحو الثقافي والحضاري، وتستدعي كل الأنساق الثقافية السائدة استدعاء مساءلة وترويض؛ من ثقافة المجتمع إلى ثقافة النص نفسه باعتباره أثرا فنيا يتجاوز كل تجنيس ليحلق في فضاء الهجنة الأدبية بأجنحة تدمن الخفق فوق المدى. فما توجهات التجريب في هذه المجموعة القصصية؟ وما هي مظاهر تفرد لغة الكتابة؟ وإلى أي حد يسعى الكاتب إلى البحث عن شكل جديد يتجاوز نفسه من خلاله؟ ثم هل ترتاد هذه النصوص آفاقا أرحب للقصة القصيرة، أم أنها مجرد تراكم كمي لا غير؟

1- لغة الكتابة واستراتيجية التجريب
تتسم اللغة النقدية بكونها خالية من المعنى التخييلي، إلا أننا سنخالف هذا التقليد لنتمكن من وصف مجموعة «ظل يرقص سامبا شرقية»، بكونها رقص على إيقاعات الحياة وتفاعل عميق مع الخطابات المتناثرة، والمنتشرة في محيطنا الواقعي، والافتراضي، والتي لم نستطع أن نقبض على تلابيبها، أو نعرف لها بداية من نهاية أو حتى أن نضع لها نظاما معينا، فإذا كان قانون الوباء يقوم على طفرات متوالية، فما إيقاع القص في “ظل يرقص سامبا شرقية” إلا طفرات، أو “متحورات قصصية”. فالحدث في هذه المجموعة كوباء العصر؛ يولد من لحظة مبهمة، ويأتي بصفة لا يتوقعها أحد، وبأعراض قد تبدو مضحكة لكنها تجعلنا نؤمن بأنها موجودة.
وأبرز مثال على هذا الاستلاب الوبائي يظهر في حمى ريو دي جانيروالغريبة التي تقدمها قصة “ظل يرقص سامبا شرقية” في صورة وباء فتاك تنتقل عدواه بمجرد الحديث عنه، وتتمظهر أعراضه في سلسلة وصلات متتالية من رقص مجنون تنتهي بموت الراقص على أقدام تمثال المسيح الفادي.
وخارج كل التوصيفات المتاحة، نلحظ فرادة اللغة القصصية التي تتجاوز الاحتفاظ بسلطة الموقف، وترفض الاكتفاء بنسج البناء المتكامل لملامح الشخصية القصصية، حيث لا يسعى النص إلى تشييد بنية سيكولوجية للشخصيات، وإنما إلى اختبار الخطابات المتداولة، وإبداء وجهة نظر القصة في الخطاب السياسي الذي افتقد في وسائط التواصل إلى أي محدد، أو نظام، أو نسق معين.
وهكذا، اعتمد الكاتب على تماسك جمالية القبح أحيانا، واستنساخ أوصاف الواقع الرث، بإعمال اللعب اللغوي، خارج قصدية شعرنة النص، لذلك كانت هذه النصوص تنبني على لغة تتسم بـ:
– جسارة العبارة؛
– شاعرية الإشارة؛
– تمويهية الرمز؛
– استدعاء الجزالة.
ولعل هذه الأخيرة، هي ما ميز نص “مجزرة” الذي شهد تفاعلا عميقا مع البلاغة العربية نفسها، حيث إن الاستعارة وحدها في قصص “عبد الرحيم سليلي” كفيلة بإحداث تشويق يستفز كل رغبة كامنة في الكشف لدى القارئ، بما تجترحه من إيحاءات يحتاجها الجنس القصصي القائم على شعرية الإيهام والتكثيف.
إضافة إلى ما تقدم نسجل في هذه المجموعة سيطرة قانون الجملة الفعلية بشكل مطرد، الأمر الذي يجعل القصة مادة مطواعة تقبل العبور وتبني جسورها التواصلية على فاعلية الحدث، ومن المرجح أن أي قراءة دراماتورجية، أو سينمائية، تستهدف منح تأشيرة الإخراج الدرامي لمجمل نصوص المجموعة، ستجد لها موطئ قدم، فبعض القصص تسكنها الحركة، ويجد القارئ معها نفسه مرغما على تتبع الفعل الدرامي الذي يعتبر حضوره في المنجز القصصي لعبد الرحيم سليلي سمة من سمات سروده، وهي سمة أكد حضورها الدكتور فهد حسين في تقديمه للمجموعة الأولى “أضغاث ربيع” بقوله: ” إنها مجموعة جديرة بالاهتمام والقراءة، بل إن الأمل يحدو نحو تحويل بعض القصص إلى حلقات درامية تلفزيونية.” (1)
تتوالى الصدمات الجمالية في كل قصة من قصص هذه المجموعة، حيث تختلف عن بعضها البعض، وتتغير بنية كل قصة حسب ما تقتضيه ظروف استراتيجية التجريب التي اختارها المؤلف، مما يفضي إلى اختلاف إيقاعات السرد بين القصص من جهة، وداخل القصة نفسها من جهة أخرى، فنصبح أمام مستويين من البناء يتسم الأول بوضوح تيمة القصة وتوحد مسارها، فيما ينحو الثاني منحى الانفلات والتعدد اللذين يرجعان بالأساس إلى إطلاق العنان للتجريب الجمالي وتعدد مستويات الخطاب، كما في نص مجزرة الذي يقدم توصيفا دقيقا للحرب الشعواء التي يشنها البشر على الطبيعة والعمران بدافع الجشع المتمكن من النفوس:
“قالتها الشجرة، ونكست أهدابها استعدادا لاستقبال نوبة نوم عميق تريح دماغها المشوش من بشاعة ما رأت.. لكنها مع شروق شمس ذاك الصباح، أيقظتها استغاثات الجدار:
– يا أختي أدركيني الألم يقطعني.. إنني أحتضر، أي وباء حل بي؟ يا أختي… يا…
دعكت عينيها، وقالت وهي تنظر إلى الرافعة التي غرزت أنيابها في منكبه:
– إنهم يزيلونك…، سترتاح من شرورهم.
قالتها، وبصقت ورقة يابسة فوق صلعة ممثل الحي، الذي لم يستطع رفع رأسه لينظر في عينيها”. (2)
رغم سمة السمو التي وسمت هذا التخاطب بين الجدار والشجرة، نسجل حضور لغة جارحة في حواراتهما المتكررة على امتداد النص الطويل نسبيا:
– “يا للهول إنه يتبول على جذورك العارية…!
اللعنة عليه سأنتظر أن تمطر لأصلي. ها هو يتعلق بأغصاني…!” (3)
من خلال ما تقدم يمكن القول إن هذه المجموعة لا تكف عن البحث عن الهوامش والأشياء والجمادات أيا كان نوعها، لتعطيها الحق في الكلام، ومن ثم الحق في التفاعل مع الإنسان بأفكار وعواطف تختلف في عمقها عن المألوف من عواطف وتمثلات البشر، فبعد أن منح المؤلف للمهمشين من الناس مساحة في قصصه، نجده ينتقل إلى تمكين الحجر، والشجر، والجدران من النطق، وبهذا يملأ فراغات تحاول القصة اقتحامها، بفضل تجاوز الأسلوب لبعض العوائق الأجناسية للقصة القصيرة. ومن هذا المنطلق، يمكن استنتاج كون هذه النصوص تنبني في جملتها على استراتيجيات تجريبية ثلاث:
– استراتيجية عبثية: تحفزها جمالية الهذيان، والقرارات السياسية الجائرة، والرغبة في القتل، والخوف من المجهول، والسخرية من كل شيء، وسميأة المرجع الخارجي، عبر الاستناد إلى الطاعون، والأوبئة المختلفة، والأزمنة الفاقدة للمعنى… حيث يعمل الكاتب على عقد تناص خفي مع النهج الأسلوبي العام، لبعض النصوص العظيمة ومنها روح الطاعون، وكاليغولا لألبير كامو.
– استراتيجية تشيخوفية: من خلال تمطيط الزمن القصصي، لإحداث توازن بين لذة اللغة، وتغيرات الحدث دون إزعاج القارئ، والاعتماد على عنصر المفاجأة في صياغة بعض النهايات القصصية التي تترك فراغات نصية، تتطلب تفعيل ذاكرة إعادة القراءة، والترتيب المعرفي للسرد، فكأن القصة تمرين لكفايات الدماغ المعرفية، أضف إلى ذلك أن وقاحة اللغة القصصية، تجعلها أحيانا تعليقات على خطاب استعصى على الفهم والتأويل الفوري، وظل عالقا في الذاكرة، ولذلك النص يساهم في إعداد جزئياته عبر الاشتغال الدؤوب على “مشهدية اليومي”.
– استراتيجية تثاقفية: ويمكننا أن نقسم هذا الافتراض الثالث إلى فرعين؛ يقوم فيهما الافتراض الأول، على الاستنبات من النصوص المقدسة، وقد اشتغل الكاتب على سرديات قصة موسى، ويوسف، أي على التناص مع السردية القرآنية، من خلال قصة “الكابوس” على سبيل التمثيل، حيث كان مطلعها: “رآى الحاكم في حلم مريع أن صبيا سيولد في بلده، سيسلبه عرشه، فاستيقظ مغموما، وأصر على مثول حاشية القصر بين يديه في تلك الساعة المتأخرة من الليل.” (4) بينما يتأسس الاختيار الثاني، على البعد الكوني لعلاقة الإنسان مع غيره رغم البعد الجغرافي، أو الثقافي، وباعتبار الثقافة تركيبة من النصوص، فإننا نشهد على تداخل نصوص شعرية، وتراثية، وعربية، وغربية…

2- جمالية الصمت والأنساق المفقودة
من أبرز الإشارات النصية التي تستفز القارئ، بعض الفراغات التي تترك، ولا تملؤها إلا نقط تشي بضرورة تفعيل جواب محتمل أثناء عملية التلقي، وكأننا نقرأ سيناريو وليس قصة قصيرة: “أنا أيضا كانت لي ابنة وهي صار لها ولدان كالبدرين في تمامهما: سناء وعمران، ما اسم ابنتك؟
– …………………………..
– الله يرحم الجميع، تمنيت لو كانت لا تزال على قيد الحياة، لأعتذر لها عن كل لحظة بكت فيها، ولم تجد أصابعي لتكفكف دموعها.
– …………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………….” (5)
ومن ثمة، فالسرد في القصة القصيرة، تطلب حرفية في ممارسة “فن الإيحاء، والاقتراح المفتوح، حيث يقودنا إلى حالة تخييل غير مقيدة بخاتمة، إذ إن الختام مطلوب ولكن تحفيز إدراك القارئ، يصير متاحا أكثر في حالة انفتاح السرد،” (6) لأن القصة تتيح فقط إلقاء نظرة على وجهات نظر مقترحة.
لعل الحوار الذي يدرجه المؤلف لتكسير رتابة السرد، لا ينتهج نفس الطرائق السائدة، ذلك أن كل ما يحدث داخل العالم المرجعي، تحاول اللغة الأدبية أن تقربه، وتصل أحيانا إلى محاكاة بعض تفاصيله، ولكن بالاستناد إلى المفقود من الأنساق السميائية، بمعنى تلك الأصوات المقصود بها حالات من الأسى، أو الحزن، أو الفرح، أو السخرية… مثلما يظهر حين يقول: “- وأقول أنا إن العنزة العجفاء ذبحت على اسم الحمار، وليس المبروك…، اضحك..
ـ حَاحَاحَا حْهَاقْ حْهَاقْ حْهَاقْ…” (7)
يتكرر الاستناد إلى هذا البديل الإبداعي، في عدد لا يستهان به من نصوص المجموعة، من قبيل:”قبل منتصف الليل بساعة رشق الجدار جارته بحصاة صغيرة، وهمس: هَاَيهْ، هَايَهْ…” (8)
وإذا حاولنا الرجوع إلى تجليات هذا الاحتفاء بهذه الأنساق التواصلية في التراث الأدبي، سنجد أن الشاعر والمسرحي الإسباني فدريكو غارسيا لوركا ،(9) قد دعا إلى تبني لغة من لا صوت لهم، وكذا الإحساس بما سماها «لغة الرجرجة» التي تجد أصولها في مرحلة ما قبل اللغة المتمفصلة، إلا أنها غابت عن اللغات الطبيعية، وأصبحت تطفو على الشعر، ولكنها اليوم تثبت مكانها حتى في القصة القصيرة.
لا يغفل النص جزئية استحضار الجسد في بعده التخييلي الفاقد للهوية، وللحرمة الجمالية، فتارة يظهره فريسة للسرد، وطورا يجعله سيده، إلا أن الثابت يكمن في غياب الهوية الواضحة للقارئ، في نظام تسكنه فوضى التحديد النسقي، فيحار هذا القارئ في تحديد توجه مباشر للجسد في سياقات يتدخل فيها الذكاء الاصطناعي، وزحمة الوسائط، واشتداد رياح العولمة.

3- أفق المثاقفة والتفاوض الثقافي
تبنت جل النصوص تمازج اللغة العربية بالتركيب اللغوي للدارجة المغربية في العديد من المتواليات القصصية، ومنها: “… الخروج من سوق رأسي، والدخول في أسواق الآخرين.” (10) وتكراره لنفس نسق التركيب المهجن: “… ألم أكن أقول إنها نصفي الآخر.. قبل أن تصبح نصف ديني؟” (11) وبناء على هذه القرائن، لا يؤثر النسق الدارج على سريان اللغة الأولى، أو ما يمكن أن نسميه اللغة المهيمنة، إذ يساعد أساسا على إغناء الرصيد المعجمي، وتجاوز اللغة المتعالية، صوب نظيرتها المتداولة، والتداولية.
وفي أفق الحفاظ على نوع من التوازن اللغوي، تقوم هذه النصوص على توطين التراث اللغوي العربي، ذلك أن المؤلف لا يأل جهدا في استثمار بعض الألفاظ الجزلة، والقريبة من المعجم العربي القديم، كقوله: “ذُلّْلَتْ ظهورها للسالكين/ تبث لَوَاعِجَهَا عبر الأثير/ يحمى الوَطِيسْ/ تُتَبِّلُ العيش… وكذا، ملاءمة اللغة العربية مع الإسبانية في نص “مواطن كوني”، ذلك أن كلا اللغتين نُسِجتْ بينهما تعالقات تاريخية، وارتباطات بين شعر عربي قديم، وشعر باللغة الإسبانية، يجدُ مسوغه في الذائقة الجمالية المشتركة.
تساعد تعددية المواضيع في القصة الواحدة على استثمار حضن القصة في دمج الثقافة الشعبية بالعالمة، واستعادة عهد الاستعمار وما بعده، وتباين الشعر القديم والحديث، والشعر العربي والغربي، وحضارة الشرق والغرب، والحداثة وما بعدها… إذ إن النص الذي أخذت منه هذه المجموعة عنوانها، يعقد صلة نصية بين فضاءات مختلفة، يمتزج فيها الثقافي بالجغرافي، من المغرب (الدار البيضاء)، والبرازيل (ريو ديجانيرو)، وسوريا (دمشق)، ولبنان (بيروت). دون إغفال الاشتغال على وطأة الذكاء الاصطناعي الذي صار محركا مركزيا لكل شيء، حتى السرد القصصي، فكانت رسائل شبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحت في متناول الجميع بحكم رواج الهواتف النقالة، بوتقة للمثاقفة على أرضية القصة القصيرة.

خاتمة
تتكرر فكرة كون “عبد الرحيم سليلي”، يبحث عن شكل جديد في كل عمل قصصي يقدم على كتابته، بل إننا نجد اختلافا بين قصص المجموعة نفسها. ولذلك، فدينامية التجاوز سمة ظاهرة ومتواترة. ومن ثمة، نخلص إلى أن المؤلِّف، يعطي للقصة القصيرة أدوارا طلائعية مثل كونها مجمعا للثقافات، وملتقى للحضارات، وهي كذلك في هذا السياق وجهة نظر، وموقف في التراث، وقراءة حصيفة له، والملاحظ أنه بالرغم من كونه حديث العهد بهذا الجنس الأدبي، ويحترف كتابة الشعر قبل ذلك، إلا أنه رسخ لنفسه مكانة في المشهد القصصي العربي.
لم تَنْقَدْ هذه النصوص نحو داء شعرنة اللغة التي تردد شَجْبها في جل كتابات النقد القصصي العربي، فالتمسك باللغة الشاعرية يبطل الأبعاد الإدراكية للكتابة القصصية. ولذلك، نجد في مجموعة “ظل يرقص سامبا شرقية” توازنا بين البناء الفني، ورحابة السرد، وتنويع استراتيجيات الحكي، مع رغبة جانحة في التجريب المستمر، أملا في ارتياد آفاق المثاقفة، والتفاوض الثقافي استنادا إلى القصة القصيرة التي أعلنت نفسها، بوصفها وافدا جديدا في مسار الدراسات الثقافية وما بعد الكولونيالية.
عطفا على ما سبق، نؤكد أن شروع الكاتب في اقتحام عوالم القصة القصيرة، رغبة في تقديم أسلوب جاذبي مختلف في الكتابة يجمع بين المتناقضات أي بين السرد، والوصف، والشعر، والنثر، والترسل… مع بساطة الشكل، وإيقاع سردي غير منتظم، ودمج بين خطية السرد، وتوتره، وانعدام الواقعية التي جعلت جمالية العبث، والهذيان، سبيلا لاعتقال نموذج إدراكي لزمن شهد فائضا وفوضى في الخطابات، وافتقادا لنسق ونظام ممكن.
نؤكد أن هذه القراءة مجرد مقترح من جملة مقترحات متعددة، لن تنتهي، ما دام تعدد نصوص المجموعة القصصية، يشكل هاجس المقاربة النقدية الأول، ومن زاوية نظر أخرى فإن النص يتعالى على التفسير المطلق، أو التأويل الشامل.
بقلم: يوسف أمفزع أستاذ التعليم العالي- جامعة الحسن الأول سطات

هوامش

1− عبد الرحيم سليلي: أضغاث ربيع، قصص قصيرة، منشورات جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي الدورة التاسعة، زين، الخرطوم، الطبعة الأولى، 2019.
2- عبد الرحيم سليلي: ظل يرقص سامبا شرقية، مرجع سابق، ص13.
3- م. نفسه، ص23.
4- عبد الرحيم سليلي: ظل يرقص سامبا شرقية، اتحاد كتاب المغرب- فرع الرشيدية، الطبعة الأولى، 2020، ص111.
5- م. نفسه، ص 24، 25.
6- Godenne René : La nouvelle française, Ed. PUF, Paris, 1974, p138.
7- عبد الرحيم سليلي: ظل يرقص سامبا شرقية، مرجع سابق، ص35.

8- م. نفسه، ص6.
9- إدوارد سعيد: عن الأسلوب المتأخر، موسيقى وأدب عبر التيار، ترجمة: فواز الرابلسي، دار الآداب، بيروت، الطِبعة الأولى، ص34.
10- عبد الرحيم سليلي: ظل يرقص سامبا شرقية، مرجع سابق، ص13.
11- م. نفسه، ص15.

Top