لم يكن الشاعر الزجال إبراهيم زنيدر وحده من طرق موضوع الزجل والزجالين من داخل القصيدة الزجلية، وليس هو أول من سخر القصيدة الزجلية لتقديم تصوراته وآرائه حول هذا النوع من الكتابة الإبداعية، ومارس في عمله الإبداعي ما عرف عند النقاد بالميتا شعر أو الشعر داخل الشعر، فهذا موضوع استهلكته- فيما فتحت من دواوين زجلية- أقلام قبله، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر إدريس أمغار مسناوي، وميمون الغازي، ويوسف الطاهري، وعادل لطفي، وعبد الحفيظ المتوني.. غير أن هذا الموضوع ورد عرضا في دواوينهم، على خلاف ما هو موجود عند الزجال إبراهيم زنيدر الذي خصص له ديوانا بأكمله، فكان بذلك له فضل على الآخرين، فقد جعل من ديوانه الثاني “بزولة الخيال”1 مساحة واسعة للتأمل في شأن الكتابة الزجلية، وما يتعلق بمبانيها ومعانيها، ومخاضاتها وتكونها، فبدا الشاعر ناسكا في محراب القصيدة ملما بأبجدياتها، منظرا ومؤطرا لها. فلا تخلو قصيدة من قصائد الديوان من عرض وجهة نظر، أو تقديم تصور، أو حتى من بث لواعج ومكابدات مع الحرف.
أبجديات الكتابة الزجلية:
إن الكتابة الإبداعية عموما كتابة واعية، يحتاج مقترفها إلى وعي عميق بخصائص الجنس الإبداعي، ومعرفة واسعة بعناصره ومكوناته الأساس التي تؤطره وتميزه عن الكلام العادي، والتي تجمع بين المعيارية والفنية، فلا يكفي أن يستدعي الكاتب كل هذه المكونات، ويطبق كل تلك القواعد ليسمي ما يكتبه إبداعا، فلا بد من الفنية والجمالية التي تتشكل من خلال استعمالات الكاتب للغة، هذا بالإضافة إلى عنصر الغائية والمقصدية التي تجعل من النص الإبداعي حاملا لرسالة. فقد قادت الشاعر غيرته على القصيدة الزجلية إلى الهمس في آذان من ابتسروا هذا الجنس الإبداعي، وراحوا يسودون قراطيس الورق بكل ما لهجت به الألسن ليعدوه زجلا، فصاغ في حقهم ما يمكن أن أسميه بيانا زجليا يدعو فيه إلى الأخذ بجملة من الأبجديات، ويستنكر بشكل ضمني تلك الكتابات الفارغة، وأحيانا يعلنها صراحة فيبدي امتعاضه من أصحابها، فما يخطونه لا يعدو أن يكون هدرا وحروفا مبعثرة تلطخ بياض الورق وتجهز على عذريته.
ولعلنا نجد أنفسنا على اتفاق تام مع الشاعر فيما أبداه من تصورات حول هذه الكتابة، وما خطه لها من شروط، فلن نخالفه الراي في الدعوة إلى القراءة والتزود بالعلوم والمعرفة، فالكتابة لا تتأسس على فراغ، وصاحبها لا بد له من رصيد قرائي يرتكز عليه، أو تجربة يكتسبها من معايشته لأفراد المجتمع، فيترجمها إلى إبداع. وقد جمع الشاعر بين هذين المقومين في قوله: “اقرا باسم الحرف اللي علا/ ورفعك كتابة/ اقرا باسم العطش..باسم الجوع/ باسم الشمس اقرا/ صف كلماتك معراج/ اطلع لسماها/ قرا ناسك/ اشرح اصدرها/ شوف من سواها” ص: 13. فقبل أن يمتشق المبدع قلمه، ويحرث بياض الورق، عليه أن يرتوي بالقراءة، وينهل من الواقع المعيش حتى لا تكون كتاباته سوريالية، وحتى تصبح نورا يضيء حياة الناس لا ظلاما يزيد في طمسها.
فقد آمن الشاعر أن الإبداع الحقيقي هو الذي يلامس حياة الناس ويعالج قضاياهم، ينير لهم السبل ويضيء ما حولهم، فيبصرهم بما لهم وما عليهم، لذلك لم يتوان في تكرار الدعوة إلى ذلك في كل مرة: “اكتب كيف جا الضو/ من جدران الكهوف/ الورقات كناشك” ص: 8.
لقد وقر في خلد الشاعر أن الغاية من الكتابة هي محو الظلام، والوصول إلى لحظة النور، وحين نقول النور، نقول الحياة، نقول إنسانية الإنسان، نقول العدالة الاجتماعية.. إنها جملة من القيم السامية والمبادئ الإنسانية التي تؤسس لها الكتابة الإبداعية والزجلية، لهذا أخذ الشاعر على نفسه العهد على مصاحبة النور في رحلته الحياتية والإبداعية: “رحالة والنور حجي/ النور جزر/ النور مد/ النور بحر ماله حد/ فالنور نعوم/ منه نطلع، إلا نغيب اليوم/ غدا نقشع” ص: 31، 32.
فالشاعر والمثقف عموما حامل لرسالة ومؤد لأمانة أشفقت منها السماوات والأرض، إذ ليس هناك مهمة أخطر وأصعب من خدمة الإنسان، ولكي يتوفق الشاعر في هذه المهمة عليه أن يسخر لها قلمه وجهده، ويتحرر من كل القيود، فلا يخضع لأي سلطة غير سلطة العقل، أما إذا حدث وحول بوصلته، أو استأجر قلمه، وغدا بوقا دعائيا، فأعلم أن الأزمة قادمة، وليست أزمة الوطن غير أزمة مثقف، والشاعر جزء منه.
إن شاعرنا إبراهيم ازنيدر- كما يبوح بذلك في هذا الديوان- آمن برسالته، فآل على نفسه تأديتها مهما كان الثمن، فهو على العهد باق ولخطه النضالي الذي رسمه لنفسه، لم تنل رياح الزمن الفاسد من مبادئه شيئا، كما يخبر بذلك في هذا البوح: “كنت في دماغي/ وباقي فيه/ غير الفاهم/ الله يهديه” ص: 56، 57. فهو مستعد أن يكتوي بنار الحرف ولظاه، من أجل إسعاد الآخر، ولا يقدم تنازلاته: “نكتب حلمتي خيال/ نزوقها محال” ص: 33. وهذا يحيلنا على قضية الالتزام في الكتابة الشعرية، التزام يظهر بشكل أكثر جلاء في قوله: “عجبني ضوي/ عرايا هو/ وانا كساه/ شقايا هو/ أنا هناه/ نشهق أنا/ يشرق/ نتشنق أنا/ يطلع نور حق”.
إن القارئ لهذا لديوان يحس أحيانا بتصاعد الزفرات من بين ثنايا القصيدة، وتصله آهات نفس هدها عشق الحرف، وآلمتها حرقته، لا لشيء إلا لأن صاحبه يريد إبداعا حقيقيا، فهو لا يبتغي نظما ولا يسعى إلى البهرج من الكلام “ما بغيت كلمة/ لامة حروفها/ ف حجاب/ ما بغيت/ حجى مكمس/ سحور/ بعتبة/ ما بغيت كلمة/ مجلفة قشور/ للترحاب” ص: 87. إنه يريد شعرا يوصل إلى بر الأمان، في زمن تلاطمت فيه أمواج الفساد “نرقص نرقص نرقص/ بقلمي/ يهيج حلمي أمواج/ تكبر في حلمي/ تكون سراج/ تقودني للشط/ تسقمني/ تتسكد خط” ص: 18. فهي الرغبة الأكيدة في توقيع كلمات يكون لها وقع الزلزال ودوي الرعد وقوة السيل الجارف، كما يظهر من استعماله لهذا المعجم “يشق الظلمة/ حارق/ خارق الراس، وقزيبة الظلام/ يجعز جنب الراحة/ سيفه قلم، يحارب الأوهام/ يشق اللفظ”.
ولكي يحقق الإبداع هذه الغاية، ويكون هازما للظلام، يجب على صاحبه أن يلتزم بالصدق في الكتابة “اكتب كيف شركتيها الفراش/ قصيدة” ص: 10، والوضوح كذلك “تذكر/ تذكر كيف جات بريا/ واضحة مقرية” ص: 9. وذلك من خلال اختيار لغة واضحة يسطع معناها للقارئ كما يسطع نور النجوم في السماء، والابتعاد عن الإغراق في الإبهام الذي يغلق القصيدة، ويجعل منها تمارين هندسية عسيرة الحل “قلت نقيل الحجاية/ نصاحب نجمة/ نعانق سماها/ نلعب معاها/ نغرف من بهاها…إلى أن يقول: حروفي تشرق/ ما ضبابة تغويني” ص: 43، 44. وقد استعار للمعنى الواضح “النجم والشمس” واستعار للمبهم منه “الحجاية والضبابة” وكلاهما يشكل عقبة أمام المقبل عليهما، فالحجاية تضني التفكير وتعيق الفهم، لما تطرحه من صعوبات في حلها و”الضبابة” تحجب الرؤية وتعيق السير.
كما ينبغي لهذه الكتابة أن تتوافر على قدر من الفنية والجمالية، لهذا نجد الشاعر يريدها شبيهة بالخيل، و”الخيل في نواصيها الخير” وهو تشبيه يظهر براعة الشاعر في التصوير، يقول: “حروفي خيل تتسابق/ حركة/ بعين الفقر/ تقرا الزنقة/ تشالي بعلم الرفقة” ص: 30. فالصفة الجامعة بين المشبه والمشبه به هي القوة ثم التناسق والجمالية، لأنه يختارها في موضع آخر سربات، يقول: “نقرا العين كلام/ نقرا الخط سربات” ص: 31، وبذلك يكون لحروف الشاعر قوة الخيل في دحر الظلام المستشري في المجتمع، وجمالية سرباتها في تشكيلاتها اللغوية والتصويرية والإيقاعية.
ولتحوز القصيدة كل هذه السمات المضمونية والفنية وجدنا الشاعر في كل مرة يوجه خطابه إلى العقل، وفي كثير من الأحيان يربطه بالضوء “شعل ضوك يا عقلي” ص: 25، وكأنه بذلك يدعو إلى التعقل في الكتابة ومعالجة المضامين التي تهم الإنسان في حياته، فالكتابة يجب أن تستند إلى العقل في كل أطوارها، فهي ليست خيالا صرفا بالرغم من اعتبار الشاعر الخيال مصدرا من مصادرها، فالعقل هو الذي يوجه صاحبه نحو مواطن القهر المتمادي، فيستقي منه نسغ خياله، ومواضع شعره، كما في هذا المقطع: “قبل/ ما قلت كلام/ كيف هذا/ قبل/ قريت صحف السادة/ والقهر اللي زاد/ تمادى/ من عقلي/ تسرب كلام/ همس خفيف خير وسلام/ كلام/ على رصيف الكدح/ مداده عرق/ دوايته هامش…سيرور/ عطار/ خراز/ جزار/ ما جاب لقهر/ ولقفه القلم/ غمزة فوق سطر/ اختارها العقل” ص: 27، 28، 29. فالشاعر يصور كل هذه المواضيع بعدسته الخاصة، فيشكلها شعرا باستعمال اللغة والخيال، خيال يؤسسه العقل ويضع حدوده، لأن خيال الشاعر ليس هلاميا، وليس هذيانا، إنه أحد المصادر المغذية للذاكرة، فهو ينقل المعطيات الحسية من واقعها الخارجي إلى مجال اللغة، ويحول ما تجود به قريحته من أفكار وتصورات إلى تراكيب لغوية لتخرج بعد ذلك هذه الكلمات موزونة وذات مغزى، تجمع بين جمال المبنى وثراء المعنى، وهذا ما ضمنه قوله: “تخمامي هادر/ والثقل عليه/ ما حمله صمتي/ نعيا ما نخفيه/ وازن مقال/ إيلا تسمع له” ص: 31.
لا يفوتنا ونحن نتحدث عن الجانب المضموني والفني في القصيدة أن نشير إلى استعمالات الشاعر لمصطلحات “الضو” و”النور” و”النجوم”، فأحيانا يستعملها في مقابل الظلام، وهو الاستعمال المهيمن، للدلالة على طمس الحقائق وتعمية الوقائع ومباركة الفساد، فكثير من الكتابات التي سلكت هذا المسلك وعملت على تكريس الواقع بدل فضحه وتعريته، وأحيانا يستعملها مرتبطة بالجانب الفني الجمالي لتفيد وضوح اللغة وابتعادها عن الإغراق في الإبهام.
تحضر في الديوان خصيصة أخرى من خواص الكتابة، لا تقل أهمية عن سابقاتها، وهي خاصية التميز والتفرد التي من شأنها أن تثري الحقل الإبداعي وتنوع تجاربه، فالشاعر يتوق إلى كتابة تحمل خصوصياته، تعبر عنه وبها يعرف، وهذا ما عرف في الحقل النقدي بخصوصيات التلقي، فهو لا يريد أن يكون ظلا لأحد، ولا نسخة مقتطعة من شعراء آخرين، هذا بالرغم من التقاطع الذي يمكن أن يحصل أحيانا عن قصد أو عن غير قصد مع تجارب سابقة. وعن مسألة استثمار التراث في الكتابة بشكل عام والموروث الزجلي على وجه الخصوص، فإن الشاعر لا يتنكر للقديم ولا يرفضه، بل يؤكد ضرورة قراءته ثم إعادة صياغته بطريقة جديدة تلائم حياة الإنسان المعاصر، وأما عن القصيدة الحداثية فهي بالنسبة له لا تتجاوز الاهتمام بالإنسان وهمومه، وهذا ما عبر عنه بقوله: “نفرز كتابتي/ نفرز راسي من رجليا/ شعل القديم فيا/ نفرتتو نعاود قرايتو/ شعل الجديد نوريه/ نكون له مرايته” ص: 25. ويقول في موضع آخر: “كتبة/ غزلتها بذوقي/ خرجة/ من راس سوقي” ص: 30. فهو ينسج شعره على منوال خاص به، وقوله: “خارجة من راس سوقي” بدل من “سوق راسي” يعني أنه يجودها ويختار أفضلها، ليخلق عالمه الشعري الخاص الذي يتلاءم مع تجربته ورؤياه الشعرية.
لم يغادر الشاعر إبراهيم زنيدر صغيرة ولا كبيرة في عالم الكتابة والإبداع إلا أحصاها، ولفت النظر إليها، فقد أشار إلى أمر غاية في الأهمية، قلما تناوله الزجالون في إبداعاتهم، وهو ما يتعلق بالدعم المادي والمعنوي المفروض تخصيصهما للفعل الإبداعي، ففي قصيدة “ريح مخالف” يعترف الشاعر بجميل صنيع بعض أصدقائه زجالين ونقاد وجمعويين كانوا جميعا وراء استمراره في درب الإبداع، فمنحوه من القوة والطاقة ما يجعله يثري تجربته ويغنيها بفيض من القصائد والأزجال. وقد أومأ إلى هؤلاء جميعا في صور شعرية بديعة، جاء فيها: “ياهو ياهو ياه/ بريت في ذاتي/ لقيت ساكن براني/ لقيت لافعى/ بجامع لفنا/ تشطح ف قراني/ لقيت راسي فاني/ لقيت ف فاس/ قلم/ بالعين الثالثة/ قراني/ لقيت ف تيفلت/ شيخ/ الخط المعنى/ وراني/ ولقيت ف بركان/ ميموني حلف/ لا خلاني”ص: 83، 84. ولا شك في أن قلم فاس هو الناقد خالد الموساوي الذي كتب تقديما لباكورة أعمال الشاعر “نزيف الشمس” وشيخ تيفلت هو الزجال الكبير إدريس أمغار مسناوي الموغل في تواضعه المغدق بعلمه على كل من يطلبه، وميمون بركان هو الجمعوي المقتدر ميمون أحسايني الذي كان وراء إخراج العمل الأول إلى حيز الوجود، والاحتفاء به في حفل علمي بهيج بمدينة بركان.
ربما يكون ورود هذه الأسماء في عرض القصيدة عرضا، وربما يكون ذلك من باب توارد الخواطر ووحي الأمكنة، وقد يكون إهداء أملته الصداقات، وقد…وقد…ولكن القراءة النقدية لا بد أن تتوقف مليا عند هذه الإشارات، وتفحص سياقاتها، ونستحضر ها هنا فضل النقد على الإبداع الذي يحيل عليه اسم خالد الموساوي، فكما هو معلوم أن “النقد أساس الإبداع” 2 وأن النقد العلمي الرصين يمنح المبدع الطاقة على مواصلة الإبداع، وفي المقابل يكون غياب المتابعة النقدية للإبداع عاملا من العوامل التي تصرف صاحبها عن الكتابة، وترغمه على التوقف، فكم من مبدع أكره على الصمت بسبب تهميش النقد له. وأما حضور اسم الزجال إدريس أمغار مسناوي، فيحيل بالنسبة لي على نوع من التفاعل بين المبدعين والتواصل بينهم وهو أمر تقتضيه العملية الإبداعية، وينبغي للمبدعين أن ينخرطوا فيه، ففي التواصل إقرار بمجهودات الآخرين، وتبادل للتجارب، وتلاقح للأفكار، وهذا من شأنه أن يغني المنتوج الإبداعي ويعلي من صرحه، فالفردانية تقتل العمل الإبداعي، ولا تساعد أبدا على إنتاج حركة فكرية، كما أن اعتراف الشاعر باغترافه من ينبوع الزجل المغربي إدريس أمغار مسناوي يبين عن تواضعه ورغبته الدائمة في التزود بالمعارف والعلوم، وهما طريقان نحو مزيد من الإبداع، وفي المقابل فإن تضخم الأنا والتعالي الفج يسجن المبدع في دائرة ضيقة من العطاء سرعان ما يخمد بريقها.
وأما ما يخص اسم ميمون احسايني ومساندته ودعمه المادي للشاعر، فيطرح مسألة احتياج العمل الإبداعي في وطننا إلى الرعاية والمساندة، ذلك أن مهمة المبدع تقتصر على الإبداع وتقف عند حدوده، أما الطبع والنشر فتزر وزره الجهات المسؤولة عن الجانب الثقافي في هذا الوطن، إنه وضع قلق وغير صحي يعيشه الإبداع المغربي، فمن غير المعقول أن يدفع المبدعون نفقات الطبع من فقرهم، ويقتطعوها من مصاريفهم اليومية، غير أنه والحالة هاته، ولما كان المجتمع المدني في هذا البلد بديلا عن عديد من مؤسسات الدولة، فإننا نثمن عاليا عمل جمعية التنمية للطفولة والشباب فرع بركان في شخص كاتبها العام ميمون أحسايني الذي أبدى وعيا عميقا بالعمل الثقافي الجاد ودوره الهام في بناء المجتمع.
ختاما لا بد من الإقرار أن ما أسميناه في هذه الورقة أبجديات للقصيدة الزجلية، واستقطرناه من “بزولة الخيال” وردت في الغالب تلميحا، فإذا ما استثنينا قصيدة “اكتب” فاتحة الديوان التي توجه فيها الشاعر بالخطاب إلى الآخر بصورة مباشرة، معتمدا صيغة الأمر في جل مقاطع القصيدة، فإن ما تبقى من قصائد الديوان ترددت بين مخاطبة الذات ومناجاة القصيدة، وبث الشكوى من ألم الحرف وحرقته، وهي في مجملها صيغ جاءت حبلى بخصائص الكتابة الزجلية وأبجدياتها، ولعل استنكاف ابراهيم ازنيدر عن الخطاب المباشر فيه نوع من التأدب والتلطف في الخطاب، خاصة وأنه لا يدعي امتلاكه لمقاليد القصيدة وأخذه بتلابيبها، فهو نفسه ما زال يطلب المزيد في هذا الباب، طلب عبر عنه في قصيدة “وريني”.
هوامش:
1- بزولة الخيال (زجل)- إبراهيم زنيدر- المطبعة السريعة- القنيطرة- 2016- 112ص
2- حداثة السؤال: بخصوص الحداثة العربية في الشعر والثقافة- محمد بنيس- دار التنوير للطباعة والنشر- بيروت، المركز الثقافي العربي- الدار البيضاء- ط1- 1985- ص: 20
> بقلم: محمد رحو