إن من ينتحر ليس بالضرورة إنسانا يكره الحياة، بل إنه يحبها بشدة، غير أنه لم يجدها كما كان يتمناها. العديد ممن اختاروا أن يضعوا حدا لحياتهم تركوا رسائل ذات معنى بليغ، ومنهم من لم يترك أي رسالة، لكن انتحاره كان في حد ذاته خطابا بليغا إلى من يهمه الأمر
العديد من الأدباء والمبدعين المغاربة والعرب وجدوا أنفسهم ذات لحظة يأس وإحباط؛ مرغمين على توديع الحياة رغم حبهم الشديد لها
ضمن هذه الفسحة الرمضانية، سيرة لمجموعة من هؤلاء المعذبين على الأرض، إلى جانب نماذج من إنتاجاتهم الإبداعية، تكريما لأرواحهم الطاهرة
الشاعر خليل حاوي
لم يتحمل دخول قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى بيروت فانتحر
في سنة 1982، أطلق الشاعر خليل حاوي النار على رأسه في منزله بشارع الحمراء ببيروت، فتوفي منتحرا.
وقع ذلك تزامنا مع دخول قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى بيروت في العام نفسه، وهناك من يربط سبب الانتحار بهذا المستجد السياسي.
ولد الشاعر اللبناني خليل حاوي سنة 1919، في (الشوير)، درس في المدارس المحلية حتى سن الثانية عشر حين مرض والده، فاضطر إلى احتراف مهنة البناء ورصف الطرق، وخلال فترة عمله عاملاً للبناء، كان كثير القراءة والكتابة ونَظَم الشعر الموزون والحرّ بالفصحى والعامية.
علَّم حاوي نفسه اللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، حتى تمكن من دخول المدرسة ثم الجامعة الأمريكية في بيروت التي تخرج منها بتفوق، مكنه من الحصول على منحة للالتحاق بجامعة كامبردج البريطانية، فنال منها شهادة الدكتوراه، وعاد بعدها إلى لبنان ليعمل أستاذا في الجامعة التي تخرج فيها واستمر في هذا العمل حتى وفاته.
***
من إصداراته: «نهر الرماد» عام1957 «الناي والريح» عام 1961 «بيادر الجوع» عام 1965، «الرعد الجريح» عام 1979، «من جحيم الكوميديا» عام 1979 وبعد وفاة الشاعر، نشرت سيرته الذاتية تحت عنوان «رسائل الحب والحياة « سنة 1687
***
من أشعاره:
الجسر
وكفاني أَنَّ لي أطفالَ أترابي ولي في حُبِّهم خمرٌ وزادْ مِن حصادِ الحَقلِ عندي ما كفاني وكفاني أنَّ لي عيدَ الحصادْ أنَّ لي عيدًا وعيدْ كُلَّما ضَوَّأَ في القَريةِ مصباحٌ جديدْ غَيرَ أَنِّي ما حملتُ الحب للموتى طيوبًا ذهبًا خمرًا كنوزْ طفلُهُم يُولدُ خفَّاشًا عجوزْ أينَ مَنْ يُفني ويُحيي ويُعيدْ يتولَّى خَلْقَه طفلاً جديدْ غَسْلَهُ بالزيتِ والكبريت مِن نَتنِ الصديدْ أينَ مَن يُفْني ويُحيي ويُعيد يَتَولّى خَلْقَ فرخ النسرِ مِن نَسلِ العَبيدْ أنكَرَ الطفلُ أباهُ أُمَّهُ ليسَ فيه منهُما شبْهٌ بَعيدْ ما لَهُ يَنْشَقُّ فينا البَيْتُ بَيْتَينِ وَيَجري البَحرُ ما بَيْنَ جديدٍ وعتيقْ صرخةٌ تقطيعُ أرحامٍ وتَمزيقُ عُروقْ كَيفَ نَبقي تحتَ سَقفٍ واحدٍ وبحارٌ بيننا.. سورٌ وصَحراءُ رمادٍ باردِ وجليدْ ومتى نطفرُ مِن قبوٍ وسجْنِ ومتى ربَّاهُ نشتدُّ ونبني بِيَدينا بَيتنا الحُرَّ الجَديدْ يَعبرونَ الجِسرَ في الصبحِ خفافًا أَضلُعي امتَدَّتْ لَهُم جِسْرًا وطيدْ مِن كُهوفِ الشرقِ مِن مُستنْقعِ الشَرقِ إِلى الشَّرقِ الجديدْ أَضْلُعي امْتَدَّتْ لَهُم جِسرًا وطيدْ.
> إعداد: عبد العالي بركات