أدت أزمة كورونا إلى فقدان الكثير من أرباب الأسر لعملهم مما سبب لهم عجزا ماديا أدى إلى عدم قدرتهم على أداء معلوم إيجار منازلهم، ووصل الأمر ببعض مالكي المنازل إلى طردهم، ولم يجد الأزواج من حل سوى العودة إلى بيت العائلة الكبير. ويحظى بيت العائلة في المجتمعات العربية بأهمية كبيرة ويعتبر الحاضن الأول للأبناء على الرغم من رغبة الكثير منهم في الاستقلال في السكن في العقود الأخيرة إلا أنه يبقى الملاذ الآمن للأبناء والأحفاد.
وقال محمد علي البوغانمي إن أزمة كورونا دهورت وضعه المادي بعد توقفه عن العمل وعدم قدرته على أداء معاليم الإيجار، بالإضافة إلى الصعوبات الأخرى التي واجهها في الإنفاق على زوجته وأبنائه. وأضاف أنه بمجرد إطلاع والده على الصعوبات التي يواجهها أصر على أن ينتقل للعيش معه في بيت العائلة الكبير الذي يتسع له ولعائلته، وما كان منه إلا أن رحب بالفكرة وسلم المنزل إلى صاحبه وعاد إلى منزل أسرته، الذي وجد فيه هو وعائلته الترحاب والآمان.
ويعتمد الكثير من الأبناء حتى بعد زواجهم على مساعدة الآباء لهم في مواجهة الصعوبات المادية التي تعترضهم. وأكد خبراء أن وضع الأسرة في المجتمعات العربية والمسلمة يتجاوز كونها نواة لكيان المجتمع، لتلعب وظيفة التآزر والتكافل.
وقالوا إنه على الرغم من الصعوبات التي واجهتها الكثير من الأسر بسبب هذه الجائحة إلا أنها كشفت الجوانب الإيجابية التي تكتسيها العلاقات الأسرية المتينة التي لم تدخر جهدا في مساعدة أبنائها على جميع المستويات والإحاطة بهم في هذه الظروف، وأعادت الكثير من القيم التي افتقدت بسبب طغيان المادة والبحث عن التحرر والاستقلالية، فبات حضن العائلة هو المهرب من جميع الصعوبات المادية والمعنوية.
وأكد الشاب محمد عيسى (33 سنة)، وهو متزوج وله 3 أبناء، أن قرار العودة إلى منزل العائلة ومشاركة والده وأمه السكن كان قرارا صعبا في البداية، إلا أنه لم يجد حلا آخر في ظل الظروف العصيبة التي تعرض لها بعد الحجر الصحي وإغلاق المؤسسة التي يعمل فيها، مشيرا إلى أنه تحدث مع زوجته التي كانت متفهمة لضرورة التخفيض من نفقاتهما وخاصة التخلص من معلوم الإيجار الذي يعتبر باهظا، ولفت إلى أنهما اتفقا على الانتقال إلى السكن مع والديه اللذين يعيشان بمفردهما نظرا إلى أن منزلهما شاسعا ويمكن أن يقضيا فيه هذه الفترة الصعبة.
وكشفت بحوث حديثة أن أعدادا متزايدة من الأسر تحولت للعيش معا في السنوات الأخيرة، وتأتي الصعوبات المادية على رأس أسباب هذا التوجه، تليها حاجة الآباء إلى وجود الأبناء معهم جراء الكبر أو المرض.
وشهدت الأسر العربية تحولا كبيرا في تركيبتها الديموغرافية، حيث سيطر النمط النووي أي التنظيم الأسري المتكون من زوجين وأبناء على نمط الأسر الممتدة. وأوضح الخبراء أن السكن ضمن أسرة متعددة الأجيال الآن هو اتجاه متنام أصبحت له معان بالنسبة إلى الكثيرين، وبالنسبة إلى البعض هو نمط هام لتخفيض النفقات، وخاصة بعد الأزمة، ويأخذ لدى البعض الآخر أبعادا اجتماعية تعاونية.
فرصة للاستمتاع مع الأقارب
وأشارت بعض الأسر الشابة إلى أن العودة إلى بيت العائلة الكبير جاءت استجابة لضرورات مادية واجتماعية، وأسفرت عن ذلك نتائج إيجابية على الصعيد الاجتماعي والنفسي والمالي والعمراني لكافة الأطراف.
وأفاد ماهر منياوي بأن قرار السكن المستقل بعد الزواج كان بتوافق الجميع وذلك تجنبا للمشكلات وحفاظا على استقرار العلاقة التي تربط عائلته بزوجته.
وأكد أن اتخاذه قرار السكن مع زوجته في بيت العائلة كان حتميا لأن ظروفه المادية لم تعد تسمح بالعيش مستقلا عن عائلته حيث أصبح في أمس الحاجة إليها لأن مرض كوفيد – 19 القاتل بعثر جميع حساباته ووضعه في ضائقة مالية نغصت حياته ووجد نفسه مضطرا إلى العودة إلى كنف العائلة التي قبلت بأن تمد له يد المساعدة المؤقتة.
وقال علماء اجتماع إن العامل المادي يبقى من الأسباب الأساسية التي تجبر الأبناء على تقاسم السكن مع آبائهم بعد الزواج لأن الكثير منهم لا يمكنهم تحمل أسعار إيجار المنازل أو الشقق التي باتت تشهد ارتفاعا كبيرا في السنوات الأخيرة بالإضافة إلى غلاء المعيشة، وزادت تأثيرات فايروس كورونا وضع الأبناء المادي سوءا بعد سعي الكثير من المؤسسات الخاصة لتسريح عمالها وفي أفضل حال التقليص من الرواتب بسبب الحجر الصحي وتوقف العديد منها على العمل.
وأصبحت العودة إلى بيت العائلة الحل الأنسب للكثير من الأسر الشابة، وهو نوع من المساعدة التي لا يبخل بها الآباء والأمهات عن أبنائهم رغم حرصهم على استقلاليتهم في السكن تجنبا للمشكلات التي يحدثها هذا التقارب، إلا أن هذه الجائحة غيرت الكثير من المفاهيم وسوف تكون لها آثار بعيدة المدى على العلاقات الأسرية.
وأشار مختصون إلى أن العودة إلى بيت العائلة الكبير لها الكثير من الجوانب الاجتماعية الإيجابية وتساعد الأبناء على مجابهة الصعوبات المالية التي تعترضهم وتثقل كاهلهم، إلا أنها لا تخلو من سلبيات.