إسطنبول في مرمى إرهاب الدولة الإسلامية

تشبه عملية إسطنبول التركية، التي نفذها تنظيم “الدولة الإسلامية”، العمليات التي نفذها نفس التنظيم في العاصمة الفرنسية باريس قبل أسابيع، من حيث طبيعة الأهداف والرسالة السياسية منها. فكما حصل في باريس لم يستهدف التنظيم في إسطنبول مواقع حكومية أو أماكن ذات رمزية سياسية معينة، ففي باريس استهدف التنظيم مواطنين عاديين في قلب العاصمة للتأثير على المعنويات السياسية للحكومة الفرنسية، وخلق نوع من الغضب في أوساط الرأي العام الفرنسي.
أما في إسطنبول فقد استهدف التنظيم سياحا أجانب، في قلب المدينة الشهير بحركته السياحية التي لا تتوقف طيلة النهار وإلى وقت متأخر من الليل، بهدف التأثير على العصب الحساس لتركيا، المتمثل في الرواج السياحي. وفي كلا البلدين كانت الرسالة السياسية للتنظيم هي الانتقام، بسبب السياسات التي بدأ البلدان ينخرطان فيها، في ما يتعلق بمواجهة هذا التنظيم الإرهابي المسلح.
رغم أن العملية الأخيرة في إسطنبول كانت الأقل من حيث عدد الضحايا، مقارنة بعملية أنقرة التي خلفت حوالي مئة قتيل في أكتوبر الماضي، إلا أنها من الناحية السياسية تشكل اختراقا يفوق العملية السابقة، إذ حصلت في الوقت الذي توجد فيه البلاد في حالة تأهب قصوى منذ قرابة أربعة أشهر، تحسبا لتفجيرات إرهابية، كما أنها حصلت في منطقة تشكل محجا للسياح الأجانب، يفترض أنها تخضع لحماية أمنية قصوى، زد على ذلك أنها وقعت في ساحة توجد في المنطقة الأوروبية؛ وهو ما يعني أن التنظيم وجه ضربة موجعة ومهينة للحكومة التركية.
لم تكن تركيا بحاجة إلى هذه العملية الدموية لكي تدرك بأنها أصبحت في مرمى تنظيم الدولة الإسلامية، ففي العام الماضي حدثت القطيعة بعد سنوات من التلكؤ الذي جعله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نهجا للتخاطب مع بلدان الجوار الإقليمي ومع التحالف الدولي على السواء، وهو نهج لم يثمر سياسة واضحة من الجانب التركي تجاه قضية الإرهاب، حتى بعدما تجاوز الوضع السوري النقطة الحمراء وتحول إلى حالة إقليمية ودولية، وعنوانا على التلاقي الغريب والمفاجئ ـ في تاريخ الصراع ضد الاستبدادـ بين المقاومة والإرهاب.
الأمر الواضح الذي لا يقبل المماحكة أن تركيا لم تنجز ذلك التحول في موقفها من إرهاب تنظيم الدولة بدافع القناعة السياسية الذاتية، ولا بدافع من نقد ذاتي لسياستها السابقة، وإنما حصل ذلك بسبب الضغط الدولي، والأميركي منه بالخصوص، الذي دفع أنقرة إلى إعادة النظر في حساباتها وفتح قاعدتها العسكرية “إنجرليك” لطيران التحالف الدولي.
فقد ظلت تتعامل مع التنظيم الموجود على حدودها كورقة سياسية في مخططها الإقليمي الرامي إلى تحقيق المزيد من النفوذ في المنطقة، وكانت ترى فيه ضمانة لمستقبلها في ما بعد الانتهاء من الملف السوري. ذلك أن أردوغان، الذي تراوده طموحات الزعامة خارج بلده، لم يتردد منذ اليوم الأول لنشوب النزاع في سوريا في مد المعارضة السورية المسلحة بالعون والمساندة، وعينه على إسقاط نظام بشار الأسد، مقتنعا بأن هذا الأخير إذا سقط فسيسقط في يده. وعندما نشأ ما يسمى بـ”الدولة الإسلامية في العراق والشام” استمر في مواصلة دعمه لها، من خلال غض الطرف عن الآلاف من المقاتلين العرب والأجانب الذين كانوا يعبرون التراب التركي، ظنا منه أن التنظيم سيلعب دور المعارضة المسلحة الأكثر جذرية للنظام السوري، ومن ثم انخرطت أنقرة في سياسة مغايرة لسياسات بلدان المنطقة وترددت في الالتحاق بالتحالف الدولي ضد التنظيم المسلح، حرصا على عدم إفساد مخططها.
وعلى الرغم من التحول الذي حصل في موقف أنقرة من التنظيم المسلح، نتيجة المآسي التي خلفتها التفجيرات في الأشهر الأخيرة، إلا أنها ما تزال في موقف حرج لناحية الحسم في مستحقات هذا الموقف. فهي تحاول الجمع بين تنظيم الدولة وبين التنظيمات الكردية داخل وخارج تركيا في نسق واحد، الأمر الذي سوف يؤثر على أي سياسة أمنية قوية تريدها ضد التنظيم الأول.
إذ رغم التقائها والأكراد في مواجهة عدو مشترك، إلا أنها تنظر بعين الشك إلى إنجازات الجانب الكردي في ما يتعلق بالحرب ضد مقاتلي تنظيم البغدادي في سوريا والعراق، حيث ترى أن هذه الإنجازات يمكن أن تمس مستقبلا سياستها المتعلقة بالقضية الكردية؛ وهو مأزق تواجهه أنقرة، التي تدفع اليوم كلفـة الوقت الذي أضاعته في ملاطفة الإرهاب.

Related posts

Top