إصلاح الإعلام

باشرت أمس وزارة الاتصال سلسلة مشاورات مع ممثلي المهنيين بشأن منظومة إصلاح لقطاع الصحافة والإعلام يتوقع أن يجري الإعلان عن مضامينها قريبا، ما سيمثل استجابة لحاجة مجتمعية ومهنية عبرت عنها منذ مدة أوساط مختلفة، كما أن إصلاح الإعلام سيكون المعبر الحقيقي عن إرادة سياسية فعلية تحرص على تقوية حياتنا الديمقراطية، وتأهيل حقلنا السياسي والمؤسساتي.
لقد خاضت النقابة الوطنية للصحافة المغربية العديد من النضالات ورفعت مذكرة شاملة إلى الوزير الأول وإلى وزير الاتصال بشأن رؤيتها لإصلاح الصحافة والإعلام، كما كانت الفيدرالية المغربية لناشري الصحف قد أصدرت مؤخرا بلاغا ضمنته بعض تصوراتها للإصلاح، علاوة على النضالات المتعددة والاحتجاجات الكثيرة التي خيضت مؤخرا في مختلف مؤسسات الإعلام العمومي، وأيضا المطالب التي رفعتها جمعيات حقوق الإنسان والأحزاب ومسيرات 20 فبراير…
وكل هذا الزخم المطلبي كان من المنطقي أن تلتقط إشاراته من لدن السلطات العمومية، وبالتالي يتم التأسيس لتفاعل إيجابي هدفه الإصلاح والتأهيل والتطوير، وجعل البلاد منسجمة مع الزمن الإعلامي المعاصر.
اليوم، يتحرك النقاش العمومي على إيقاع اتفاق وطني حول ضرورة تغيير الوثيقة القانونية الأسمى في المملكة، وتصر البلاد على أن يسير ذلك ضمن الانسجام مع المعايير الكونية للديمقراطية وحقوق الإنسان، ولذلك فإن الإصلاح الحقيقي لقانون الصحافة وكامل المنظومة التشريعية والتنظيمية للمهنة يجب أيضا أن يتم داخل النسق ذاته، وهو ما سبق للأطراف المهنية أن تقدمت في تفاصيله على عهد الحكومة السابقة، قبل أن تتدخل «أيادي» لفرملة السير، ومن جهة ثانية، فإن الممارسة الإعلامية في بلادنا أبرزت في السنوات الأخيرة عديد اختلالات، ما يجعل اليوم مسألة تنظيم المهنة أولوية، وهو الموضوع الذي جرى أيضا بشأنه نقاش مهم قبل سنوات بين المهنيين والسلطات العمومية، ومن الضروري اليوم الحرص على استحضار التراكمات السابقة، والعمل على إنضاج شروط الاتفاق، بغاية إخراج صيغة مغربية ذات فعالية، وتضمن حضورا مركزيا للمهنيين في هيكلية التنظيم الذاتي للمهنة وحماية أخلاقياتها، والسعي لتطويرها.
وعلى صعيد آخر، فإن الإصلاح لن يحقق الغاية المجتمعية المطلوبة من دون إجراءات موازية بإمكانها تقوية الثقة، وتوفير شروط إنجاح الدينامية التي أطلقتها وزارة الاتصال أمس، ومن أهم هذه الإجراءات، الإقدام على تغييرات حقيقية وفي الجوهر على صعيد الإعلام العمومي، إن فيما يتعلق بالمسؤولين أو بالأنظمة العامة أو بالمضامين والرؤية أو بأوضاع العاملين، وعلاقة هذه المؤسسات بالمحيط وبقضايا المجتمع.
إن الإصلاح يجب أن يكون شاملا، وجذريا، ويتم الإعلان عن الرزنامة كلها دفعة واحدة وانطلاقا من إرادة سياسية قوية وواضحة في اتجاه تدعيم مسارات الدمقرطة والتحديث والانخراط في شروط الزمن الإعلامي المعاصر.

Top