إنجازات لا تنسى في تاريخ الرياضة المغربية -الحلقة 14-

من المؤسف حقا الإقرار بأن الرياضة المغربية لم تحقق إنجازات كثيرة على مدار أزيد من قرن من الممارسة والتنافس، سواء خلال فترة الحماية الفرنسية أو بعد استقلال البلاد، بل حتى في الألفية الثالثة ما تزال الكثير من رياضاتنا عاجزة عن بلوغ قمة الهرم رغم توفرها على إمكانيات لم تكن متاحة في السابق. ومن المؤسف أيضا أن ترتبط الإنجازات القليلة-في المجمل- بمجهودات فردية لرياضيين استثنائيين، وفي رياضة واحدة هي ألعاب القوى، بداية بالثنائي الذهبي سعيد عويطة ونوال المتوكل، مرورا بالبطلين إبراهيم بولامي وخالد السكاح والأسطورة هشام الكروج، انتهاء بالأيقونة سفيان البقالي. فالجيل الرائع لمنتخب كرة السلة في الستينيات ذهب ولم يعد، وإنجازات الملاكمة لم تتخط 4 ميداليات أولمبية و4 أخرى في بطولات العالم، أما باقي الرياضات الشعبية فلم تحرك ساكنا وظلت إنجازاتها متواضعة ومرتبطة بمسابقات محلية أو إقليمية أكثر من التوهج على الصعيدين القاري والدولي. وحتى وإن كان منتخب كرة القدم يطارد لقبا قاريا ثانيا منذ 47 سنة، فقد نجح مؤخرا في تخطي إنجازه التاريخي في نهائيات كأس العالم 1986 بالمكسيك، بملحمة استثنائية أوصلته إلى دور نصف نهائي مونديال قطر 2022، مزكيا للتطور المذهل التي عرفته الكرة المغربية في العقد الأخير ليس على مستوى المنتخب الأول، بل على صعيد نتائج الأندية والكرة النسوية. وتزامنا مع الملحمة الخالدة للفريق الوطني، اختارت “بيان اليوم” نبش إنجازات الماضي البعيد والقريب، للرياضة المغربية، إنجازات على قلتها، لن ننساها أبدا.

ذهبية البقالي في سباق 3000م موانع (1/2)

كان على الرياضة المغربية الانتظار لـ 17 سنة حتى تصعد مجددا إلى منصة التتويج بالمعدن النفيس في دورات الألعاب الأولمبية، فمنذ الإنجاز الخالد للأسطورة هشام الكروج في أولمبياد أثنيا حينما أحرز ثنائية غير مسبوقة للمغرب في سباقي 1500م و5000م، فشل جميع الأبطال والبطلات، وخاصة في ألعاب القوى، في الظهر بالذهب الأولمبي.
وبعدما خانته قلة الخبرة في دورة ريو دي جانيرو 2016 بحلوله رابعا، نجح البطل الواعد سفيان البقالي (25 عاما آنذاك) في انتزاع الميدالية الذهبية لسباق 3000م موانع بزمن قدره 8 دقائق و9 ثوان و90/100، ضمن منافسات أولمبياد طوكيو التي كانت مقررة صيف 2020، لكنها تأجلت إلى العام الموالي بسبب جائحة فيروس كورونا.
تفوق البقالي بجدارة واستحقاق على الثنائي الإثيوبي لاميشا جيرما والكيني بنجامن كيغفن في إنجاز رائع وخارق للعادة، لأن العداء المغربي أنهى هيمنة مطلقة طويلة لكينيا على سباق 3000م موانع، منذ أولمبياد موسكو 1980، عندما أحرز اللقب البولندي برونيسلاف مالينوفسكي.
وعلق البقالي على إنجازه الفريد قائلا “أنا سعيد جداً بهذا الفوز، هو لقب غالٍ جداً بالنسبة لي بعد سنوات من العمل الجاد التي لم تكن سهلة، خاصة بعدما حليت رابعاً في ريو. بعد فضية 2017 وبرونزية 2019، قلت لنفسي يجب أن أصبح بطلا أولمبيًا… خسرت سباقات سابقًا ليس لأنني لم أكن بمستوى جيد ولكن بسب جزئيات بسيطة عملت عليها وحسّنتها. أهدي هذا الفوز للمغاربة والعرب”.
دخل البطل المغربي المنافسات مرشحا بقوة للتتويج باللقب الأولمبي، خاصة أنه اكتفى بمركز ثان في بطولة العالم 2017 بلندن وثالث في دورة الدوحة 2019، إذ حقق أفضل توقيت في السنة (8 دقائق و8 ثوان و54/100) في ملتقى فلورنسا بالدوري الماسي قبل أسابيع من الحدث الكوني.
ذهبية البقالي باتت الميدالية السابعة في تاريخ مشاركات الرياضة المغربية بالأولمبياد، بعد نوال المتوكل (400م حواجز) وسعيد عويطة (5000م) في دورة لوس أنجلوس 1984 وإبراهيم بوطيب (10000م) في دورة سيول 1988 وخالد السكاح (10000م) في دورة برشلونة 1992 وهشام الكروج (1500م و5000م) في دورة أثينا 2004.
إنجاز البقالي الرائع أعاد ألعاب القوى المغربية إلى واجهة الساحة الدولية، بعدما ظلت تعيش على ماضي إنجازات عويطة ونوال والسكاح والأسطورة الكروج، إنجاز -مع الأسف- جاء بفضل عزيمة وطموح بطل واعد بذل جهدا خرافيا من أجل الوصو إلى المستوى العالي، أكثر من أن يكون ثمرة عمل لجهاز يقال إنه شرف على هذه الرياضة.

< إعداد: صلاح الدين برباش

Related posts

Top