اتساع الهوة الطبقية

لا زالت الهوة تتسع بين الطبقات الاجتماعية المغربية أكثر فأكثر، مع بوادر بداية اختفاء الطبقة المتوسطة -عماد الاستقرار-، وظهور تصنيف طبقي جديد، الثرية والتي تزداد ثراء بشكل متسارع على حساب الطبقة المتوسطة التي تهوي تدريجيا نحو الفقر، ثم الطبقة الفقيرة التي هوت لا محالة خلال الفترة الأخيرة إلى مستوى الفقر المدقع، مما يعني أننا سنصبح أمام طبقة غنية جدا، وطبقتين فقيرة وأخرى فقيرة جدا، خاصة في ظل الحلول الترقيعية للحكومة، التي لا ترقى لمستوى تطلعات المغاربة، الذين وضعوا ثقتهم بها، ولا مستوى الواقع السوسيو-اقتصادي المزري، الذي بات يفرضه الواقع العالمي والوطني، ثم المسافة التي تضعها بينها وبين مشاكل المواطن وأنينه.
فالارتفاعات غير المعقولة في أسعار كل حاجيات المواطن الأساسية منها وأيضا الثانوية، والتي زادت حدتها وتضاعفت بشكل كبير خلال الأشهر الأخيرة، قلصت من شريحة الطبقة المتوسطة التي تعتبر صمام أمان المجتمع، وهو ما أكده تقرير “اللامساواة العالمية لعام 2022” الأخير، الذي خلص إلى أن البلاد تتميز بـ”طبقة وسطى فقيرة نسبيا”، مرجعا ذلك إلى التفاوت المتطرف في الثروة وارتفاع التفاوت في الدخل.
وجاء في التقرير أن 10 في المائة من السكان فقط يمتلكون أكثر من 63 في المائة من إجمالي الثروة، بينما يمتلك 50 في المائة أقل من 5 في المائة منها، وهو ما يعني من جهة أن الطبقات الثرية تستنزف أموال الطبقات المتوسطة والفقيرة، من خلال الرفع من الأسعار في إطار السياق العالمي، دون التفكير في الطبقات الأخرى، واعتبار للوضع الاجتماعي الوطني، ومن جهة أخرى أن الحكومة التي من المفترض أن تحمي وتد المجتمع وصمام أمانه، تقدمه قربانا للوبيات الشركات الرأسمالية الجشعة غير المواطنة، لتنخر جيبه و”تمص دمائه”، دون وعي بخطورة اختفاء الطبقة الوسطى وما ينذر به من اختلال تام في توازن النظام برمته واضطراب اجتماعي، يمكن أن يؤدي إلى أي شيء.
إن الحكومة اليوم، وبعد شهور من البعد عن مشاكل المواطن البسيط، ونهجها سياسة اللامبالاة، أمام امتحان حقيقي، لإعادة الحياة إلى شرايين المجتمع وصمام أمانه، الذي تؤكد كل التقارير الدولية والوطنية أنه على مشارف السقوط إلى هوة الفقر -آخرها تقرير المندوبية السامية للتخطيط الذي أكد أن الضغوط التضخمية لا تزال تلقي بثقلها على القوة الشرائية للمغاربة، مبرزا أن التضخم في المغرب وصل إلى مستوى قياسي جديد في نهاية غشت، بزيادة قدرها 8٪ على مدى عام واحد-.
على الحكومة أن تراجع سياساتها بشأن التعليم والخدمات الاجتماعية والصحية العمومية، التي ذهبت ضحية خيارات فاشلة مما دفع أفراد الأسر المنتمية إلى الطبقة الوسطى للبحث عن هذه الخدمات في القطاع الخاص رغم كلفتها المرتفعة مما تسبب لها في نفقات أرهقت كاهل البعض وعجز عنها الكثيرون.
لقد أضحت الطبقة الوسطى تتعرض للتآكل والاندثار والاختناق، وبات تحديها الأساسي تغطية مستحقات القروض وفواتير الهاتف والماء والكهرباء، وشراء الوقود، وتأمين غذائها، وغير ذلك من الضروريات اليومية، وهو ما يفرض على الحكومة اليوم مراجعة الضريبة على الدخل، التي لم تتغير منذ سنوات، في الوقت الذي عرفت الضريبة على الشركات مراجعات مستمرة في إطار الهدايا والتحفيزات الممنوحة لها، إضافة إلى إقرار زيادات حقيقية ومعقولة في أجور موظفي القطاعين العام والخاص بشكل عام، ثم الرفع من الحد الأدنى للأجور وأجور المتقاعدين، بشكل يتناسب مع المستوى المعيشي الراهن والارتفاعات الحارقة في الأسعار، بعيدا عن القرارات السياسوية الشعبوية التي لا ترمي إلا لجذب الانتباه وتسليط الأضواء؛ فهل يعقل إقرار زيادات تتراوح بين 100 و300 درهم في سياق تضاعفت فيه أسعار كل متطلبات الحياة وبنسب كبيرة جدا؟! فهل تتخلى الحكومة عن سياستها التي تزيد الأغنياء ثراء وتمحي الطبقة المتوسطة وتقضي على الفقيرة؟ هل تعيد التوازن والاستقرار بين الطبقات الاجتماعية، أم ستستمر في لامبالاتها، توسع الهوة الطبقية، ترمي الفتاة للمواطن، وتضع الثروة الوطنية بين الأغنياء، دون التفكير في النتائج ؟

< عبد الصمد ادنيدن

Top