اجتهادات محكمة النقض المغربية -الحلقة 13-

الموضوع: إشكالية ولوج الأجانب غير الناطقين باللغة العربية إلى العدالة

دأبت محكمة النقض المغربية، باعتبارها أعلى محكمة قضائية، مع افتتاح كل سنة قضائية، عن الإعلان عن اجتهادات جديدة.
وفي هذا الإطار، أصدرت محكمة النقض في السنوات الأخيرة، مجموعة من القرارات، تخص مواضيع مرتبطة بضمانات المحاكمة العادلة والحق في الدفاع وحماية المال العام، وحماية الحق في الصحة والتعليم وضمان الأمن الأسري وحماية المصلحة الفضلى للطفل؛ ناهيك عن تكريس الأمن التعاقدي والتجاري والعقاري وإيجاد التوازن في علاقات الشغل وقضايا التأمين، وضبط مفاهيم هامة كحماية المستهلك وملك الدولة.
.وفي إطار التمييز بين الحق في ممارسة الحريات العامة وبين واجب الانضباط لشروط العمل، أيدت محكمة النقض قرار محكمة الموضوع التي اعتبرت مغادرة الأجيرة لعملها بعدما تم منعها من الدخول بسبب ارتدائها سترة للوجه داخل المؤسسة، ما يحول دون التحقق من هويتها ويخالف النظام الداخلي، مغادرة تلقائية وليس فيه أي تمييز أو خرق لحق دستوري.
وحماية للمال العام وضمانا للمساواة في مجال الصفقات العمومية، فقد اعتبرت محكمة النقض، أن آجال تنفيذ الصفقات، تشكل عنصرا أساسيا من العناصر المحددة لعروض المتنافسين في ولوج الطلبات العمومية أثناء إعداد تعهداتهم، وان عدم تنفيذها يمس بالأسس التي قامت عليها المنافسة.  وفي نفس السياق وضمانا لحقوق المقاولات التي تتعامل مع المؤسسات من خلال الصفقات العمومية، فقد أيدت محكمة النقض الاتجاه الذي أعطى للمقاولة الحق في تسلم مستحقاتها من الوكالة صاحبة المشروع والتي لا تنكر تسلمها الأشغال موضوع النزاع واستفادتها منها، مستندة في ذلك على نظرية الإثراء بلا سبب.
 وبنفس المقاربة الحمائية للمال العام، فقد اعتبرت محكمة النقض، أن رسوم المحافظة العقارية، رسوم شبه ضريبية لا إعفاء منها، إلا بنص القانون وأن إعفاء المكتب الوطني للسكك الحديدية من أداء الرسوم المتعلقة بالتقييدات، التي تجرى على الصك العقاري قياساعلى المادة 23 من قانون المالية لسنة 2005، يبقى غير مرتكز على أساس قانوني سليم. وتعميما للفائدة، سنعمل طيلة شهر رمضان الأبرك، على نشر يوميا أحد الإجتهادات القضائية لمحكمة النقض سواء في المادة الجنائية أو المدنية أو الإدارية بالإضافة لاجتهادات أخرى تخص بعض محاكم الاستئناف.

سابقة في إقرار حقوق التقاضي للأجانب بالمغرب: محكمة تقضي ببطلان إنذار باللغة العربية

في سابقة مثيرة، قضت محكمة الاستئناف بالعاصمة المغربية الرباط ببطلان إنذار وُجّه باللغة العربية لأجنبية تقيم بالمغرب من غير الناطقين باللغة العربية في إحدى قضايا الإيجارات .القرار الذي نشره المفكرة القانونية يُعيد إلى الواجهة إشكالية ولوج الأجانب غير الناطقين باللغة العربية إلى العدالة، والتي سبق لعدة مؤسسات وطنية ومنظمات غير حكومية أثارتها.

ملخص القضية

تعود فصول القضية إلى تاريخ 02/01/2020، حينما تقدمت المدعية بمقال إلى المحكمة الابتدائية بالرباط، تعرض فيه بأنها وجهت إلى المدعى عليها إنذارا يهدف لإفراغها من المحل السكني الذي تستأجره منها، من أجل الهدم وإعادة البناء. إلا أن هذا الإنذار بقي بدون جواب من طرف المدعى عليها، والتمست من المحكمة الاستجابة إلى الطلب والحكم بإفراغ المدعى عليها من المحل السّكني تحت طائلة غرامة تهديدية.

وأدلتْ المدعى عليها بمذكرة جوابية نازعت من خلالها في صحّة الإنذار بالإفراغ الموجّه إليها، لكونه وجّه إليها باللغة العربية. والحال أنها أجنبية لا تتكلّم هذه اللغة، مما يجعلها في حكم الشخص “الأمّي” بالنسبة للغة التي حُرّر بها الإنذار، ملتمسة بطلان الإنذار بالافراغ، والحكم تبعا لذلك برفض الطلب.

واستجابتْ المحكمة الابتدائية إلى طلب المدعية وقضت بتصحيح الإشعار بالإفراغ المبلغ إلى المدعى عليها والحكم تبعا لذلك بإفراغها من المحل السكني.

استأنفتْ المدعى عليها الحكم الابتدائي. وقضت محكمة الاستئناف بالرباط بإلغاء الحكم الابتدائي معتمدة على العلل التالية:

  • الثابت من بطاقة الإقامة الموجودة في الملف أن المدعى عليها أجنبية وهي فرنسية الجنسية؛
  • تحرير الإنذار بالإفراغ باللغة العربية رغم أن المستأجرة أجنبية يجعله غير منتج لأي أثر في مواجهة المدعى عليها؛
  • الدفع بالأمية بخصوص لغة تحرير الإنذار قائم على أساس أن “الأمي” هو الشخص الذي لا يحسن القراءة والكتابة باللغة التي حرر بها الإنذار؛
  • المحكمة الابتدائية لما أجابت عن الدفع بالأمية بأن المدعى عليها لم تثبت جهلها باللغة العربية تكون قد قلبت عبء الاثبات وألزمتها بإثبات خلاف الأصل الذي هو جهلها باللغة العربية، طالما أنها فرنسية الجنسية، والحال أن المدعي هو من يقع عليه إثبات علم المدعى عليها باللغة العربية.

موقف المحكمة

اعتمادا على العلل سالفة الذكر، خلصت المحكمة ببطلان الإنذار الموجه الى المدعى عليها، لكونه حرر باللغة العربية رغم أن المستأجرة المدعى عليها أجنبية لا تحسن القراءة والكتابة باللغة العربية. وعليه قضت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم الابتدائي فيما قضى به، والحكم بعدم قبول دعوى الافراغ، وتحميل المستأنف عليها الصائر.

ملاحظات على القرار

يعبر هذا الحكم القضائي الذي نشرته المفكرة القانونية عن توجه جديد في قضايا الإيجارات التي تهم الأجانب بالمغرب. ففي الوقت الذي صدرت فيه عدة أحكام قضائية متواترة تكرّس ضرورة استعمال اللغتين  العربية والأمازيغية في الإدارات العمومية وفي مجال التقاضي بوصفهما لغتين دستوريتين، عوضا عن استعمال اللغة الفرنسية، جاء قرار محكمة الاستئناف بالرباط ليلزم الملاك بضرورة توجيه الإنذارات بالإفراغ باللغة التي يفهمها المستأجرون، وغالبا ما تكون هي اللغة الفرنسية والتي تستعمل في تحرير عقود الإيجارات.

استندت المحكمة على تعريف واسع لمفهوم الشخص “الأمي”، بحيث لا يعني فقط الشخص الذي يجهل القراءة والكتابة، وإنما أيضا الشخص الذي يجهل اللغة التي حرر بها العقد. وقد عمدت المحكمة على اعتماد هذا المفهوم الوارد في الفصل 427 من قانون الالتزامات والعقود المتعلق بالمحررات العرفية بحسب ما كرسه الاجتهاد القضائي لتطبيقه أيضا على مجال الإنذارات الموجهة إلى المستأجرين من طرف ملاك العقارات./

ومن المأمول أن يشجع هذا الاجتهاد القضائي الحديث على تكريس حقّ الأجانب في الولوج الى القضاء للمطالبة بإعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وبالأخص للفئات المهمشة وكذا لغير الناطقين باللغة العربية، في ظل توالي صدور تقارير رسمية وطنية و دولية وأخرى  غير حكومية تؤكد العقبات التي تواجه هذه الفئات أمام المحاكم ومن بينها عائق اللغة وتعيين مترجم والحصول على المساعدة القانونية.

 إعداد: حسن عربي

Related posts

Top