تعيش الأغنية المغربية العصرية منذ ثلاثة عقود على الأقل، في وضع غير مطمئن. العديد من الإنتاجات صارت تذاع دون أن تخضع لتحكيم لجنة خاصة يعتد بها. بالموازاة مع ذلك نلاحظ تواري نخبة من الأسماء الرائدة عن الساحة الفنية، احتجاجا على التسيب الذي بات سائدا في هذا المجال.
لقد تضافرت عدة أسباب لتؤدي بالأغنية المغربية العصرية إلى الوضع الحالي الذي لا يبعث على الارتياح. لم يعد متطلبا من آلفنان المعاصر قطع عدة مراحل لأجل إيصال منتوجه الغنائي إلى الجمهور. بإمكانه اليوم أن يذيع أغنيته متى يشاء دون التقيد بجوق موسيقي وشركة إنتاج وتوزيع وما إلى ذلك. يكفيه الاستعانة بما تتيحه التكنولوجية الرقمية من إمكانيات. لم يعد يقاس نجاح العمل الغنائي بجودة تعابيره الشعرية ولحنه وأدائه الموسيقي، بل بنسبة المشاهدات التي يحققها.
صار هاجس الفنان المغربي المعاصر تحقيق ما يسمى بالطوندونس، ولا يهمه بعد ذلك مآل ما ينتجه من غناء باعتباره فنا إبداعيا. ولهذا أغلب الإنتاجات الغنائية التي تم إنتاجها خلال العقود الثلاثة الأخيرة على أقرب تقدير، لم تعد تعمر طويلا، بل منها ما يختفي من الوجود في أقل من سنة، إنها أشبه بالفقاعات التي تلمع في بداية الأمر ثم ما تلبث أن تنطفئ، وهذا راجع بصفة أساسية إلى كونها لم تخرج في ظروف طبيعية. أين صاحب النص الشعري؟ أين الملحن؟ أين الموسيقيون؟ وحده المغني يملأ الشاشة ليس بهدف تقديم منتوج غنائي يكتب له الخلود، بل لأجل غاية واحدة: خلق ما يسمى بالبوز، وبالتالي تحقيق أعلى نسبة من المشاهدة وما تخلفه من أرباح مادية فاحشة.
تنجح الأغنية الحديثة على هذا المنوال، ثم يدعى صاحبها للمشاركة في مهرجانات عديدة، وقد تتصل به إحدى شركات الإشهار لأجل أن يضع في متناولها أغنيته الناجحة للإعلان عن منتوج استهلاكي، ثم ينتهي المنتوج الغنائي بمجرد قطعه لهذه المسالك الشاذة. هذا هو مسار الأغنية المغربية العصرية بكل اختصار.
أين كتاب الأشعار الغنائية بقامة علي الحداني وأحمد الطيب العلج وحسن المفتي وغيرهم؟ أين الملحنون بقامة عبد القادر الراشدي وعبد السلام عامر وعبد الرحيم السقاط؟ أين المغنون بقامة بهيجة إدريس ونعيمة سميح وعبد الهادي بلخياط؟
كنا نأمل ظهور مبدعين في مجال الغناء، يشكلون أحسن خلف لأحسن سلف، غير أن أملنا خاب.
ربما قد يكون علينا أن ننتظر سنوات أخرى قبل أن يتحقق ما نأمله، بالنظر إلى أن إنتاجنا الغنائي انحرف عن السكة الصحيحة بشكل فظيع، وليس من السهل إرجاع الأمور إلى نصابها، ولعل النموذج التنموي الجديد الذي أذيع تقريره أخيرا، قد أخذ في الاعتبار هذا المجال، بالنظر إلى أن الفنون، ومن ضمنها الغناء، تعد من بين العناصر الأساسية لخلق التنمية.
> عبد العالي بركات