الأمناء العامون لأحزاب المعارضة يعقدون لقاء حواريا حول “النموذج التنموي الجديد ورهانات الاستحقاقات المقبلة”

أجمعت أحزاب المعارضة البرلمانية على عملها المشترك وتنسيقها خلال المرحلة الحالية، والسير معا نحو الاستحقاقات المقبلة العامة التي من المرتقب أن تتم في شتنبر المقبل.
وأكد الأمناء العامون لأحزاب التقدم والاشتراكية، الاستقلال، الأصالة والمعاصرة في لقاء حواري مشترك حول “النموذج التنموي الجديد ورهانات الاستحقاقات المقبلة”، احتضنه مقر حزب التقدم والاشتراكية، أول أمس الاثنين، أن الساحة السياسية تحتاج إلى أحزاب قوية وتعمل بروح وطنية من أجل تجاوز حالة الفراغ التي أحدثتها التجربة الحكومية الحالية.
وسجل المتحدثون أن الفضاء السياسي يحتاج إلى قوة وإلى إعادة الثقة له، من خلال الممارسة السياسية الحقيقية، كما تعمل على ذلك أحزاب المعارضة، التي تعمل وتتواصل مع مختلف الفاعلين ومع المواطنات والمواطنين، عكس الأغلبية التي تعيش نوعا من التفكك والصراع بين مكوناتها.
وردا على سؤال حول التشخيص الذي جاء به النموذج التنموي للحياة السياسية، شدد الأمناء العامون لأحزاب المعارضة، على أن التقرير ركز على ضرورة تقوية الديمقراطية، وذلك من خلال ربطه بين النهوض بالتنمية وتقوية الديمقراطية والتي تشير بشكل أساسي إلى ضرورة وجود أحزاب قوية، مبرزين أن التقرير، عكس بعض القراءات، أكد على وجوب تقوية الفضاء السياسي.

أحزاب سياسية قوية

في هذا السياق، قال محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية إنه لا يوجد مشروع تنموي بديل دون فضاء ديمقراطي يحتضن المؤسسات القوية من حكومة وبرلمان ومجالس منتخبة، جهويا وإقليميا، ومحليا، وأحزاب سياسية قوية لها مصداقية، ومصالحة حقيقية مع المواطنات والمواطنين.
وأضاف بنعبد الله أن نجاح النموذج التنموي رهين بتوفير أجواء فضاء ديمقراطي حر يشمل أحزابا قوية، متابعا أن المغرب تقدم دائما عندما تضافرت جهود المؤسسة الملكية وجهود الأحزاب السياسية التي لها تمثيلية حقيقية.
وأكد الأمين العام أن الحكومة الحالية فشلت وأخلفت الموعد في عدد من المحطات وأنها غير منسجمة، مردفا أنه “قيل للمغاربة أن هذه حكومة كفاءات.. وها نحن أولاء نشهد نتائج حكومة الكفاءات هاته”، معتبرا أن التصحيح ممكن عبر المشاركة في الاستحقاقات المقبلة، لكون “الأحزاب الوطنية والديمقراطية تعول على الناخبين الذين يمارسون التصويت السياسي”.
إلى ذلك، سجل الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية أن النموذج التنموي قدم تشخيصا جريئا، وتقاطع مع تصورات ووثائق وأفكار بعض الأحزاب التي أكدت على ضرورة وجود مؤسسات قوية وديمقراطية، والقطع مع اقتصاد الريع، والحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية، مشيرا إلى أن بعض العناوين الكبرى للتقرير تفاعلت مع التحليل الذي تطرقت له بعض الأحزاب من خلال إثارتها لنقائص واختلالات كبيرة على جميع المستويات، مبرزا أنه تم التأكيد على ضرورة تقوية الاقتصاد، والاعتماد على الاقتصاد المهيكل، ودور الدولة في توجيه الاقتصاد، والعدالة الاجتماعية، والاستثمار في العنصر البشري.
وبشأن تنزيل هذه التوجهات، قال بنعبد الله إن النموذج التنموي جاء بالتوجهات الكبرى، فيما يبقى لكل حزب تحديد الأولويات والتصورات التي تتماشى وأفكاره ومرجعيته، كما يبقى له حرية الدفاع عن هذه التصورات، مشيرا إلى أن حزب التقدم والاشتراكية يعتكف منذ أزيد من 5 أشهر على إعداد برنامجه الانتخابي ولم يكن ينتظر النموذج التنموي، مردفا أن مجموعة من الأفكار التي ينادي بها الحزب جاء بها التقرير بالنظر لمرجعية الحزب التي طالما نادت بالعدالة الاجتماعية وبالتوزيع العادل للثروة والمدرسة العمومية وغيرها من المطالب الاجتماعية الأساسية.
ونبه بنعبد الله إلى تبخيس الفضاء السياسي واعتبار الأحزاب متشابهة، مشددا على أن هناك فرقا كبيرا بين الأحزاب الوطنية التي تتباحث مع أطرها وخبرائها وتنتج بشكل متواصل، وبين أحزاب تعتمد على برامج سابقة لتسويقها كبرنامج انتخابي ولا تستطيع إنتاج وثيقة واحدة، كما حصل مع بعض أحزاب الأغلبية التي اختارت الصراع عوض التواصل مع المواطنات والمواطنين، واختارت الصمت عوض تقديم بدائل، في الوقت الذي قدمت فيه أحزاب المعارضة مجموعة من الوثائق التي همت الإقلاع بعد جائحة كورونا، فضلا عن الوثائق الذاتية التي أنتجها حزب التقدم والاشتراكية قبل جائحة كورونا وخلال مرحلة الحجر الصحي وبعدها.
إلى ذلك، شدد بنعبد الله على أن النهوض بالفضاء السياسي يحتاج إلى انخراط المواطنات والمواطنين، حيث أكد أن المواطنين لديهم دور في النضال الديمقراطي، قائلا في هذا الصدد “إن هناك شعوبا سقط منها عشرات الآلاف من الضحايا دفاعا عن الديمقراطية، ونحن لا نريد ضحايا، لكن يجب أن يكون الكل معنيا بمعركة الديمقراطية”، داعيا إلى المشاركة في الحياة السياسية وقطع الطريق عمن يريدون تبخيس العمل السياسي والذين يستفيدون من مقاطعة الاستحقاقات المقبلة للوصول إلى المؤسسات عبر مجموعة من الأساليب المرفوضة.
أهمية استرجاع الثقة

من جهته، قال نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، إن النموذج التنموي الجديد ركز على نقطتين أساسيتين، وهما ضرورة العمل على تحقيق التغيير الآن، ولاسيما عبر ما وصفه “القطع الهادئ مع بعض السياسات المتجاوزة التي نعيشها اليوم” والتي أدت إلى الوضعية الحالية، في حين تتجلى النقطة الثانية في أهمية استرجاع الثقة، لأن تقرير النموذج التنموي أشار إلى ضرورة وجود “دولة قوية ديمقراطيا، بمؤسسات قوية، ومجتمع قوي”.
وأكد بركة على ضرورة وجود أحزاب قوية قادرة على القيام باختيارات واضحة، مشيرا إلى أن النموذج التنموي الجديد محطة أساسية من أجل إعطاء نفس جديد لبلادنا، متابعا “عندما نتكلم على ميثاق وطني للتنمية، فإن الأحزاب السياسية هي التي يجب أن تعد الميثاق، إضافة إلى القوى الاجتماعية والاقتصادية الضرورية، لأنها هي التي ستوضح الرؤية، عن طريق أهداف واختيارات أساسية جوهرها التطلع لبناء مغرب ينتصر للعدالة الاجتماعية، ويحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية”.
ويرى بركة أن الميثاق التنموي يجب أن يعدل من طرف الأحزاب السياسية، وأن يتم تطوير ميثاق الثقة من خلال خروج القضايا الكبرى للوجود وبالتالي تحقيق الانفراج الاجتماعي.
هذا الانفراج الاجتماعي، شدد بركة على أنه يجب أن يكون أولوية بالنسبة لأي حكومة مقبلة، وعلى الأحزاب أن تقدم وعودا تستطيع تنزيلها عكس بعض الوعود التي تزيد من تنفير المواطنات والمواطنين من الفضاء السياسي.
وقال الأمين العام لحزب الاستقلال إنه لدينا اليوم مليون فقير إضافي والحكومة ذهبت إلى تحقيق إرضاء مكونات الأغلبية والتجاوب الايجابي مع اللوبيات، داعيا في هذا السياق، إلى ما أسماه “تناوب ديمقراطي جديد”، خصوصا بعد إخفاق هذه الحكومة بكل مكوناتها في تدبير هذه المحطة، وفق تعبيره.
 واعتبر نزار بركة، أن المرحلة الحالية هي مرحلة دقيقة تتطلب تضافر الجهود لأن المشكل في الاستحقاقات هو عدم تسجيل في اللوائح ولأن المواطنين خائفون من المستقبل ولابد من القطيعة الهادئة مع هذه السياسة وإرجاع الأمل إلى حياة المواطنين المنهمكين في طلب لقمة العيش والبحث عن ما يضمن مستقبلهم.

تقوية الفضاء السياسي

من جانبه، قال عبد اللطيف وهبي الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة إن تحقيق الديمقراطية وحرية التعبير والصحافة رهين بوجود أحزاب قوية، مشددا على أن تقرير النموذج التنموي الجديد بدوره أكد على ضرورة تعزيز الديمقراطية وتقوية الفضاء السياسي، وركز على الدور المهم للأحزاب السياسية.
وحذر وهبي من تهميش الأحزاب السياسية المغربية من طرف الإعلام وكذا تبخيس دورها أمام الرأي العام مقابل الإشادة بالتيقنوقراط ودعم حضورهم، معتبرا أن الفصيل الأخير هو أكبر خطر يهدد الأحزاب السياسية المغربية وذلك بعد أن باتت تطرح نفسها بديلا عن الأحزاب.
وأكد وهبي أن استحواذ التيقنوقراط على المشهد السياسي ساهم في تغييب النقاش العمومي عكس ما كان عليه الأمر أيام الحكومات السياسية، مبرزا أن التيقنوقراطيين يمكن أن يُعدّوا مشاريع تقنية لكنهم يمكن أن يخلقوا توترا اجتماعيا إذا تكلفوا بتنفيذها، في حين أن السياسي لا يمكن أن يفعل ذلك.
وحول النموذج التنموي، ذهب وهبي للقول إن مشروع النموذج التنموي القديم لم يفشل بشهادة جلالة الملك محمد السادس الذي قال بأنه انتهى العمل به فقط، ويجب بلورة نموذج تنموي جديد قادر على تحقيق النمو والازدهار للمملكة.
كما أبرز الأمين العام لحزب “البام” أن الأحزاب السياسية الوطنية التي تشكل المعارضة، اتفقت على نهج الديمقراطية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، مشيرا إلى أن المغاربة هم وحدهم من لهم الحق في تقييم والحكم على الوعود التي أطلقتها بعض الأحزاب السياسية بأنها كاذبة أو صحيحة.
وأضاف وهبي أن حزب الأصالة والمعاصرة لديه مشروع انتخابي متكامل وواقعي سيقدمه للمغاربة في وقته، مؤكدا أن الحزب يعتز بتحالفه مع حزب التقدم والاشتراكية والاستقلال وأنه سيعمل على استمرار هذا التحالف إلى ما بعد الانتخابات.
وعاد وهبي للتأكيد على أن تقرير النموذج التنموي الجديد جاء بأفكار ومواقف وفتح نقاشات، لكنه أكد على شيء أساسي هو أن هناك رصيد تاريخي في الوطن يجب تطويره، ويجب الاستناد عليه لبناء المستقبل.
وشدد الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة بهذا الخصوص على أن “المشروع التنموي الجديد لا يعني فشل القديم وأن هناك مرحلة تغيرت ويجب رفع تحديات برهانات مغايرة”.
وتابع المتحدث أن النموذج التنموي الجديد ناقش قضايا كبرى وأخرى مجتمعية بجرأة، من قبيل الحريات العامة، والحريات الفردية، وانعدام التنسيق بين مؤسسات الدولة بشكل عمودي وأفقي، مسجلا أن التشخيص الذي قدمه التقرير جاء بطريقة نقدية ويعتبر في حد ذاته خطوة كبيرة إلى الأمام.
وشدد وهبي أنه على الأحزاب أن تقدم تصورا يساهم في هذا النموذج أو في تنفيذه، وأن وجود هذا التقرير “لا يعني أننا كأحزاب سنتكاسل ولا نفكر، هذا التقرير محفز على التفكير، ومحفز على النقد”، وفق تعبيره.
إلى ذلك، وفي معرض تطرقهم لموضوع الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، أجمع الأمناء العامون لأحزاب المعارضة البرلمانية على ضرورة أن تكون هذه الاستحقاقات محطة أساسية من أجل مناقشة التصورات والبرامج بكل مسؤولية وواقعية، بعيدا عن المزايدات من أجل إرجاع الثقة للمواطنين في الفاعل السياسي والحزبي.
وأعرب الأمناء العامون للأحزاب عن أملهم في أن تنبثق عن هذه الاستحقاقات حكومة وبرلمان قويان، يقدمان أجوبة حقيقية عن المشاكل اليومية التي تواجه المواطنين من صحة وتعليم وسكن واقتصاد قوي ومهيكل.

< محمد توفيق أمزيان

< تصوير: رضوان موسى

Related posts

Top