يعتبر موضوع الأمهات العازبات، من الملفات التي تحيط بها الضبابية في المغرب (بل والعالم العربي ككل)، لعدة اعتبارات، ترتبط بما هو “اجتماعي”، و”قانوني”، و”اقتصادي”، بل و”هوياتي”، حيث لم يتم الحسم فيه بعدما تم نزع غطاء “الطابو” عنه.
وما يجعل هذا الموضوع من الملفات المهملة لأسباب يجهل دوافعها، هو غياب إحصائيات دقيقة من قبل المؤسسات الرسمية للدولة، من قبيل المندوبية السامية للتخطيط (HCP) التي تصدر تقارير دورية حول عدة مجالات ومواضيع تتصل بالاقتصاد والاجتماع والأسرة، باستثناء قضية الأمهات العازبات، والحديث نفسه يصدق عن وزارة الأسرة.
والمؤشرات المتداولة اليوم والتي تشير إلى رقم 20 ألف أم عازبة بالمغرب، تبقى نسبية في ظل عدم وجود دراسات رصينة. وجهل الدولة بسجل الأمهات العازبات، يعقد من اندماجهن وأبنائهن وسط المجتمع.
وما زالت النظرة الدونية، تلاحق الأمهات العازبات، والأطفال الذين بدون هوية ووثائق ثبوتية، حيث تواجههم الإدارات المغربية بالرفض، لاسيما أثناء التسجيل في المدرسة، أو التوجه للتطبيب في المستشفيات العمومية، أو أثناء الرغبة في إعداد ملف بطاقة التعريف الوطنية.
ونتيجة هذه العراقيل، يجد الكثير من أطفال الأمهات العازبات، أنفسهم خارج حجرات المدرسة، كما أنه لا يمكن أن يشتغلوا في الوظائف العمومية أو شركات القطاع الخاص، لعدم توفرهم على ما يثبت هويتهم، ناهيك عن عدم ممارستهم لمواطنتهم كباقي المغاربة، من قبيل التصويت في الانتخابات.
وتطالب الجمعيات الحقوقية، بضرورة إعادة النظر في التشريعات القانونية، التي تعتبر هؤلاء الأطفال المولودين خارج نطاق الزواج الشرعي، بـ”أبناء الزنا”، لأن المغرب قطع أشواطا طويلة في المصادقة والالتزام بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وهو ما يجب أن يبلور وينزل على أرض الواقع.
وتوجد بعض الاجتهادات من قبل ثلة من المؤسسات الوطنية، كالنيابة العامة، التي تصدر بين الفينة والأخرى نشرات تدعو فيها القضاة إلى التفاعل الإيجابي مع قضايا النسب، وتسهيل المساطر الإدارية بهذا الشأن، في إطار ضمان حقوق الأطفال في الهوية.
واستنادا إلى تقريرها السنوي لـ 2020، حول النشاط العام للنيابة العامة المرتبط بقضايا الأسرة، فإن ملفات النسب التي بثت فيها محاكم المملكة بلغت 1919 (102 ملتمسات النيابة العامة بمحاكم الاستئناف و1817 ضمن ملتمسات النيابة العامة بالمحاكم الابتدائية)، وبحسب تقريرها السنوي لنفس السنة، فإنه تم التداول في 765 ملف اغتصاب، و601 حالة هتك عرض بالعنف، و40 حالة استغلال جنسي.
إلى جانب ذلك، أصدر قضاة النيابة العامة حكمهم في 2633 ملف يتعلق بالنسب خلال 2019 (77 بمحاكم الاستئناف و2556 بالمحاكم الابتدائية)، كما تم النظر في 948 حالة اغتصاب، و356 حالة هتك للعرض بالعنف.
يشهد منزل المرأة الستينية “مي أمينة” بـ”بشنتوف”- درب السلطان بالدار البيضاء، على الكثير من حالات الأمهات العازبات اللائي كن يجدن في بيت هذه السيدة الدفء والحنان الذي فقدنه وهم يهجرن بيوت أسرهن، بعد افتضاض “بكارتهن” إما بسبب الاغتصاب، أو التغرير، أو الوعود الكاذبة بالزواج، التي تتبخر مباشرة بإعلان خبر الحمل.
وانتقلت جريدة بيان اليوم إلى منزل “مي أمينة” التي لها تجربة طويلة في استضافة وفتح باب منزلها للأمهات العازبات، عطفا منها على أوضاعهن، رافضة أن يشردن في شوارع العاصمة المرعبة بالمنحرفين جنسيا، واللصوص، وأصحاب السوابق العدلية.
وقالت “مي أمينة” للجريدة: “إن معظم الفتيات اللائي يصرن أمهات عازبات يكن قاصرت، غير واعيات بعواقب الارتباط بأشخاص غير مسؤولين على تصرفاتهم، ويستغلون ثقة الفتيات بالكلام “الحلو” والقصص “الحالمة” التي سرعان ما تختفي بظهور الحمل، حيث تجدن أنفسهن في مواجهة مصير التكفل بالمولود وتدبر باقي تفاصيل حياته، لاسيما وأن الكثيرات يرفضن فكرة الإجهاض لأسباب عدة”.
وترى “مي أمينة” أن الأسر المغربية مازالت تطرد بناتها من الأمهات العازبات، نظرا لارتباط ذلك بـ”الشرف” و”العرض”، لهذا تكون الأمهات العازبات خارج بيت عائلاتهن بشكل طوعي، بمجرد ذيوع خبر الحمل، حيث منهن من تذهب عند أقارب العائلة، أو صديقاتها، أو اختيار الشارع، وبالضبط المحطات الطرقية، والأسواق الشعبية، والحدائق الخضراء في الفضاء العام.
ولأن “مي أمينة” تعيش لوحدها بعد وفاة زوجها الذي لم تنجب منه طفلا يؤنس وجودها في الحياة، اهتدت إلى جعل بيتها قبلة للأمهات العازبات، منذ سنة 2005 تاريخ لقائها لأول مرة بأم عازبة وطفلها الصغير، بالمحطة الطرقية أولاد زيان، أثناء عودتها من مدينة الجديدة، لتقرر احتضان هذه الأم، التي هربت من محيطها الأسري بمدينة خريبكة.
استمر وجود “فاطمة” (الأم العازبة) وابنها، بجانب “مي أمينة” حوالي 10 سنوات، حيث ساعدتها على تربية طفلها، لأنها خرجت للعمل في الحي الصناعي عين السبع بالدار البيضاء، توفيرا لحاجيات صغيرها من الغذاء واللباس والدواء، لتختار في الأخير كراء بيت مشترك مع الجيران، والاستقرار لوحدها، بالقرب من مكان العمل، على اعتبار “مي أمينة” استضافت أمهات جديدات.
مرارة الغدر
وقابلت بيان اليوم في هذا البيت الأم العازبة “مريم” (28 سنة) التي حكت للجريدة قصتها مع شاب ثلاثيني بمدينة الصويرة، كانت على علاقة حب به، تطورت لتصل إلى ممارسة علاقة جنسية كاملة لمرة واحدة فقط، ببيت اكتراه بوسط مدينة الرياح “موكادور”، والتي كانت كافية لينتج عنها الحمل بجنين، الذي سرعان ما تنكر وتبرأ من تحمل مسؤوليته.
وذكرت “مريم” أن صدمة خبر الحمل، دفعتها للتفكير في الانتحار شنقا، أو رميا لنفسها في البحر، لأنه كان من المستحيل أن تستمر مع أسرتها، في حال تغير بنية بطنها نتيجة الحمل، خصوصا وأن لديها 3 إخوة ذكور، كانوا سيعاقبونها على هذا “الخطأ”، لهذا فكرت مليا في الموضوع وقررت الرحيل إلى الدار البيضاء، هروبا من سيناريو “اللوم” و”الشد” و”الجذب” و”العقاب”.
وقالت “مريم” لبيان اليوم إنها على تواصل مع والدتها و4 أخواتها، اللائي لم تلتقيهن مباشرة منذ سنة 2014، مشيرة إلى أنها حلت ببيت “مي أمينة”، عقب لقاء جمعها بإحدى النساء البيضاويات، بساحة “السراغنة” بدرب السلطان، التي أحالتها على “مي أمينة” التي لم تتردد في الاستجابة لطلب إقامتها وهي حامل في شهرها السادس.
وبعد ثلاثة أشهر من الإقامة بالدار البيضاء، ازداد لديها مولود اختارت له من الأسماء “غيثة”، حيث تولت “مي أمينة” مصاريف الولادة، بمساعدة من معارفها من المحسنات والمحسنين. وتواصل اليوم “مريم” تربية ابنتها بالموازاة مع اشتغالها بالمحلات التجارية بـ”كراج علال”، أو البيع والشراء في الملابس ولوازم الحمام الخاصة بالنساء، بمحاذاة سوق “اجميعة”، لتتمكن من تسديد مصاريف صغيرتها وإعانة “مي أمينة” على تكاليف الحياة اليومية.
وكشفت “مريم” أنها حاولت أيما مرة الإجهاض بالطرق الشعبية، باستعمال الأعشاب الطبيعية، لكنها فشلت في المهمة، “لأن الوقت كان متأخرا” على حد تعبيرها، لكنها في آخر المطاف اقتنعت بما قسمه الله لها، بالرغم من العنف النفسي الذي تعرضت له من عائلتها وصديقاتها وجيرانها الذين جعلوها لقمة سائغة بين ألسنتهم.
وأفادت “أم غيثة” أنها فقدت الثقة في الرجال بعد الغدر الذي تعرضت له، ولا تفكر اليوم في الزواج وهي التي تقدم إلى خطبتها شابان، مفضلة تخصيص كل وقتها وجهدها للسهر على تربية ابنتها، وتفكر حاليا في الاستقرار بشكل مستقل، بالانتقال من العاصمة الاقتصادية إلى مدينة طنجة للعمل مع إحدى صديقاتها.
ضحية الاغتصاب
ولا تنتهي معاناة الأمهات العازبات أبدا، وسط المجتمع المغربي الذي تستمر في الهيمنة عليه العقلية الذكورية، وسلطة العادات والتقاليد، و”خديجة” (26 سنة) التي تشتغل بمقهى شعبي بحي سباتة بالدار البيضاء، من الأمهات العازبات التي تعرضت للاغتصاب سنة 2010، على يد “وحش” بشري، بقرية “با امحمد” غير البعيدة عن مدينة فاس إلا ببضع كلومترات.
وازداد لـ “خديجة” ابن، بمستشفى لسان الدين بن الخطيب بالعاصمة العلمية، سنة 2011، لتحزم حقيبتها فيما بعد، وتتجه نحو الرباط، وفيما يلي إلى الدار البيضاء، إيمانا منها بإبعاد الأذى عن صغيرها، من قبل مغتصبها الذي كرهته ولم توافق على الزواج به قسرا، لأنه هددها بقتلها وصغيرها، وتعذيبهما، بعد توثيق عقدهما الشرعي والتحاقها بالبيت.
وعبرت “خديجة” عن راحتها في الوضع الحالي الذي هي عليه إلى جانب ولدها، خصوصا وأنها وجدت عملا قارا يحفظ كرامتها، كما أن مالك المقهى يتفهم وضعها الاستثنائي، لهذا قرر منذ سنة بعد التحاقها بالعمل (2013) التصريح بها في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS)، كما أنه يساعدها ماديا في أوقات الشدة والحاجة، ويأذن لها بالخروج متى شاءت من العمل للاطمئنان على ولدها “هيثم” الذي يبقى في البيت لوحده، أو رفقة أبناء الجيران.
وعبرت “خديجة” عن امتعاضها من الأفكار الدونية التي تروج عن الأمهات العازبات، من بينها الاعتقاد بأنهن ممتهنات للدعارة، أو سهلات للوقوع في شباك المنحرفين جنسيا، مشددة بأنه: “يصعب إقناع أم عازبة بعلاقات جنسية عابرة، لاسيما بالنسبة لمن تبحث عن الاستقرار النفسي والاجتماعي مع زوج تحبه في المستقبل”.
ولا ترى “خديجة” مانعا في استمرار حياتها إلى جانب ابنها الذي لا يعرف شيئا عن قصتها، وليست لديه علاقة مباشرة بأفراد عائلتها، لأنه بحسبها لن يستوعب شيئا في الوقت الحالي، وهو الذي لم يتجاوز عمره 11 سنة، لكنها مستعدة لأن تواجهه بالحقيقة حين يعي بما حوله ويشتد عوده.
حمل تحت التخدير
وغير بعيد عن سباتة وبالضبط بحي “السالمية 2” بالدار البيضاء، صادفت بيان اليوم الأم العازبة “عائشة” (25 سنة) التي تسهر على تربية “ريم” و”شهد” بعدما حملت بهما من شخصين مختلفين، وهي في سن المراهقة، وتحت التخدير.
وتتذكر “عائشة” قصة الحملين معا، الأول كان خلال 2006، والثاني في 2008، أثناء حضورها لحفل خاص رفقة الأصدقاء بفضاء منزل مغلق، حيث انتهز أحد الأشخاص المناسبة، في المرة الأولى، ليمارس معها علاقة جنسية وهي تحت التخدير، حدث على إثرها الحمل بـ “ريم” ذي 10 سنوات.
وفيما بعد ستحمل “خديجة” بـ “شهد” التي يبلغ عمرها اليوم 8 سنوات، ويتعلق الأمر بتعرضها للاغتصاب على يد تاجر مخدرات، يقضي عقوبته السجنية حاليا، بعد تورطه في قضية القتل العمد.
وأوضحت “عائشة”، أنها تعيش مع والدتها ببيتها الخاص، وتعمل في سوق حي “السالمية”، من خلال تنقية الخضر وإعدادها لفائدة الزبناء الأوفياء على خدماتها، كما أنها تنتقل للعمل في المنازل أثناء طلب مساعدتها، من قبل بعض الأسر والعائلات، حتى تؤمن مصاريف عيش “ريم” و”شهد” اللتان لا تعرفان حقيقة قصة الحمل بهما، وفق ما أسرت به للجريدة.
وأفادت “عائشة” أنها لا تريد حتى الآن إخبارهما بما حدث، ومحطيها يساعدها في الوقت الحالي على كتم هذا السر، بالرغم من أن الأمر يتعلق بحي شعبي، تشيع فيه الأخبار وتنتشر بسرعة من قبيل هكذا قصص تعتبر من “الطابوهات” التي لم يقدر المجتمع على كسرها وتجاوزها بشكل كلي.
وأوضحت “عائشة” في حديثها مع بيان اليوم، أنه منح لابنتيها النسب، وتتوفر على الحالة المدنية، ولم تجد مشاكل في تسجيلهما في المدرسة، باستثناء البدايات الماراتونية لإعداد الملف القانوني بشأن الهوية، منوهة بتطور القانون على مستوى قضايا النساء وحماية حقوق الأطفال الصغار، نتيجة نضال الجمعيات الحقوقية المدافعة عن المرأة.
وعانت “عائشة” في البداية، لأنها اصطدمت بواقع تربية “ريم” و”شهد” من لا شيء، مضطرة في السنوات الأولى إلى العمل مقابل دريهمات قليلة في المقاهي و”المحلبات”، كما أنها لم تكن تتردد في طلب مساعدتها بالملابس والغذاء لأطفالها من الأسر التي كانت تذهب للاشتغال لديهم كمنظفة أو مساعدة في أشغال المنزل، واصفة الأمر بـ”الصعب”.
ورغم هذا العبء الثقيل، لم تفكر “عائشة” في التخلي عن “ريم” و”شهد” في صغرهما، رافضة العروض التي انهالت عليها بعد ولادتهما، في تحد منها لواقعها في تحمل المسؤولية الكاملة لتربيتهما ورعايتهما.
******
علي الشعباني: وضع الأمهات العازبات كارثي والمجتمع ينظر إليهن كمقترفات للفواحش
اعتبر علي الشعباني الأستاذ الباحث في علم الاجتماع، أن “موضوع الأمهات العازبات كبير جدا ويحتاج إلى دراسات ميدانية”، مشيرا إلى أن التحليل المقدم يبقى مجرد انطباعات، “نظرا لغياب معطيات دقيقة، يمكن جمعها، من خلال الاختلاط بالأمهات العازبات للوقوف على وضعهن الاجتماعي، والاقتصادي، والظروف النفسية التي يمرون بها داخل هذا المجتمع الذي يرفضهن”.
وقال علي الشعباني في تصريح لجريدة بيان اليوم، إن “وضعية الأم العازبة داخل المجتمع مزرية، وحالتها النفسية منهارة بفعل الضغط الاجتماعي والأخلاقي عليها، ذلك، أن النظرة السائدة حولها، تصنفها في خانة المقترفة للفواحش، وهو ما أدى بها إلى الخروج على ما هو متعارف عليه في الثقافة المحلية”.
وكشف الشعباني، أن مصطلح الأمهات العازبات، جديد ويتداول في مجال الإعلام كثيرا، وكذا من قبل الجمعيات وبعض الفاعلين المهتمين بالموضوع، الذين يتبنون القيم والمبادئ المأخوذة من حضارات أخرى، بيد أن المجتمع المغربي يطلق عليهن أسامي أخرى، ولا يعترف بهن، ما يجعل وضعهن جد معقد.
ولمزيد من التفصيل، فإن الأم العازبة تعد في نظر المجتمع، بحسب الأستاذ الباحث في علم الاجتماع، امرأة قامت بفعل “الزنا” من منطلق ما هو ديني وأخلاقي، وهذه التوصيفات والنعوت تزيد من وضعها الكارثي.
ويرى علي الشعباني، “أننا في حاجة إلى تصحيح مجموعة من المفاهيم، استنادا إلى التسرب داخل المجتمع، للتمكن من تغيير العقلية، وتلك النظرة النمطية لهذه المرأة وغيرها، وهكذا يمكن أن نعالج هذه المسألة”.
ونبه الشعباني، إلى أن التضييقات التي تتعرض لها الأم العازبة، تجعلها غير راضية عن وضعها، خاصة عندما تقابل بالرفض من أسرتها، وينبذها محيطها، لتكون بذلك، مضطرة إلى مواجهة مصيرها ومصير الأطفال الذين تنجبهم.
وأشار أستاذ علم الاجتماع للجريدة، أنه لولا “تدخل بعض الجمعيات لمساعدة هذه الفئة، وتأطيرها، والبحث عن بعض السبل التي يمكن أن تواجه بها صعوبات الحياة، فسيكون الشارع هو مأواها الأساسي”.
وشدد المتحدث ذاته، على ضرورة التصدي لهذا الموضوع، عن “طريق البحث الميداني، بتكليف بعض الطلبة الباحثين لدراسته، لأنه موضوع مركب ومعقد، وأنا أؤمن بذلك، لتداخل العديد من الجوانب فيه، والتي سبق أن أتينا على ذكرها”.
وستمكننا هذه الدراسات، وفق علي الشعباني، من الوقوف على الوضع الحقيقي للأمهات العازبات، لمعرفة طريقة التعامل معهن، “في مجتمع، طبعا نحن نقول، إنه مجتمع متطور، ومتغير، لكن فيما يتعلق، ببعض القضايا الاجتماعية التي تمس الأسرة وتركيبتها، مازال متحفظا”.
ونبه الشعباني، إلى أن المجتمع، لا زالت تسيطر عليه فكرة عملية الإنجاب في إطار الأسرة المعترف بها شرعيا فقط، ومن ثم فالمرأة العازبة، غير مرغوب فيها ومرفوضة، لأسباب لا يمكن معرفتها، “إلا انطلاقا من معطيات إحصائية دقيقة، وتحليلات يمكن لنا أن نستخلصها، لمعرفة كيف يمكن أن ندمج هذه الفئات في المجتمع، ونتغلب معها على الإكراهات والصعوبات والمشاكل الاجتماعية التي تعاني منها وتواجهها”، على حد تعبيره.
******
3 أسئلة
بشرى عبدو: المجتمع تعايش مع الأمهات العازبات والرفض مازال قائما من قبل الأسر
قالت بشرى عبدو رئيسة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، إن ملف الأمهات العازبات، لم يعد “طابوها” بالمغرب، لأن المجتمع تعايش معه، بالمقابل مازالت الأسر والعائلات ترفض ذلك.
وأكدت بشرى عبدو في حوار مع جريدة بيان اليوم، أنه بالرغم من هذا التعايش، يلاحظ وجود مجموعة من الممارسات التمييزية والتحقيرية والعنصرية، وهو ما دعت إلى محاربته.
وشددت عبدو على ضرورة إعادة النظر في الترسانة القانونية بالمغرب، لحماية المرأة العازبة وابنها، إلى جانب تبسيط المساطر الإدارية بشأن النسب والهوية، حتى يتمكن الطفل من كامل حقوقه، من بينها التمدرس. وفيما يلي نص الحوار:
يجب سن قوانين عادلة ومنصفة لحماية الأطفال خارج العلاقات الزوجية من التمييز والتحقير والعنصري
1- كفاعلة جمعوية ناشطة في مجال حقوق النساء، هل موضوع الأمهات العازبات مازال “طابوها”؟ وما هي الصعوبات التي تستمر في اعتراض هذه الفئة وسط المجتمع المغربي؟
لم يعد موضوع الأمهات العازبات “طابوها” بالمغرب كما كان، لأننا نجد اليوم الكثير من الأطفال يعيشون ويلعبون في الأحياء الشعبية، ويتوجهون إلى المدرسة كباقي الأطفال الآخرين، والرفض المطلق للأم العازبة أصبح متجاوزا في الوقت الحالي، بفعل التعايش الذي حدث في المجتمع.
وتنتج وضعية الأم العازبة إما اختياريا، أو بدون رغبة. اختياريا عندما نتحدث عن علاقة حميمية كانت لدى فئة من النساء مع بعض الشركاء الذين تخلو عنهن في آخر لحظة، بعد التغرير بالزواج، إلى جانب ذلك، هناك حالات أخرى للاغتصاب الجماعي أو الفردي، أو زنا المحارم، حيث تصبح هذه السيدة ملزمة بأن تقبل بالوضع الذي باتت عليه، وتقرر الاعتناء بهذا المولود.
ومقابل التعايش الحاصل في المجتمع، مازال الرفض قائما للأمهات العازبات داخل الأسر المغربية، التي لا تقبل نهائيا، أن تقع بنتها في حالات الحمل. ومن جهة أخرى، تنظر فئة من الناس إلى الأم العازبة والأطفال بدون أب بنظرة دونية، تصل إلى حد السب، والشتم، والتحقير، والعنصرية، والتمييز.
ويواجه بعض الأطفال من هم في سن التمدرس، مشاكل في التسجيل للالتحاق بحجرات القسم، لأنهم لا يتوفرون على وثائق الهوية، بالرغم من أن الحق في الهوية يعتبر من الحقوق الأساسية التي يجب أن يتمتع بها أي إنسان، بغض النظر عن زيادته الناتجة عن زواج شرعي أو غير شرعي.
وعقد الزواج، هو “الهوية”، التي تخول لطفل الأم العازبة التمدرس، والاستفادة من التطبيب، ومختلف الحقوق الأساسية للإنسان، استنادا إلى ما هو منصوص عليه في اتفاقية حقوق الطفل، ولكن مع الأسف الشديد لا يتمتع أطفال الأمهات العازبات بحقهم الأساسي في التمدرس.
وفي حال الرغبة في تسجيلهم، تجد الأم نفسها أمام حجم كبير من الإجراءات، كما أن مدير المؤسسة يتصل بها دائما من أجل إكمال ملف وثائق الهوية، وتعتبر هذه التصرفات، استفزازا، وتحقيرا، وتمييزا.. إلخ.
أضف إلى ذلك، أن نظرات المدير في عيني الأم العازبة، وتجاه الطفل، تكون دائما نظرة مختلفة، لهذا نطالب كجمعيات، من أن تكون لدى أطفال الأمهات العازبات الحق في الهوية، مباشرة بعد الولادة، إلى جانب تبسيط المساطر القانونية للتسجيل، لأن تعقيدها يولد لدى الأم رفضا في تسجيل صغيرها.
ومن جهة أخرى، يجب العمل على التحسيس والتوعية، لمحاربة التمييز تجاه أطفال الأم العازبة، أو أطفال علاقة أخرى، لما له من تأثير على نفسية هذه الفئة التي لا تتحمل مسؤولية أي حادث.
2- كيف تقيمون من جهتكم، النصوص القانونية الحالية، لحماية الأم وطفلها، وما هي ملاحظاتكم عن مساطر قضايا النسب والهوية؟
قضية إثبات النسب قليلة لأن القانون غير زجري، ويبقى الأمر اختياريا لدى الرجل، لأن الفصل 490 من مجموعة القانون الجنائي، يعتبر العلاقة الجنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية جريمة فساد يعاقب عليها بالحبس من شهر واحد إلى سنة، ما يعطي للرجل حق رفض إلحاق ابنه، لأنه “لا يلحق ابن الزنا”، لهذا، ندعو إلى تشجيع الإقرار عن طريق العدل، حتى يخول للطفل التسجيل في الحالة المدنية.
ويجب الاشتغال لإلغاء أي شيء يوضح التمييز بين الأطفال في التشريعات الوطنية، من قبيل بطاقة التعريف الوطنية، التي تحتفظ بـ”البنبنة” (فلان بن فلان بن فلان/ فلان بن فلانة بنت فلان)، وهو ما يفتقده أبناء الأمهات العازبات، لهذا يجب الرقي بمستوى الوثائق “إنسانيا”، لأن الأطفال غير مسؤولين عما حدث في أي علاقة، وبعد ولادتهم يجب أن يستفيدوا من جميع الحقوق المخولة لهم قانونيا، حفظا لكرامتهم ولإدماجهم في المجتمع بدون مشاكل.
وتستقبل جمعيتنا الكثير من طلبات المساعدة من قبل الشبان البالغين من الأمهات العازبات، لأنهم لا يتوفرون على الوثائق، بفعل المساطر الطويلة جدا، لهذا يجب سن تشريعات قانونية منصفة وعادلة وبدون تمييز، لأن الحق في الهوية، من الحقوق الأساسية التي يجب أن يتمتع أي طفل بها، بصرف النظر عن طبيعة العلاقة التي نتج عنها.
3- تسود مجموعة من التصورات بشأن الأم العازبة، من قبيل اعتبارها عاهرة، ما يجعلها عاجزة عن الإندماج السوسيو-اقتصادي، ما هو دور الدولة في هذا الصدد؟
يجب أن نفهم، بأن العاهرات من تبعن أجسادهن لا تحملن، لأنهن أكثر خوفا، وتأخذن احتياطاتهن، لتجنب السقوط في ذلك، وهن يتاجرن بجسدهن بحثا عن المال، أما وضع الأم العازبة، ينتج عن الخطأ، وهناك فرق شاسع بينهما.
وعندما نتكلم عن التمكين الاقتصادي، هنا يطرح سؤال إلى أي حد تضع الدولة استراتيجيات لفائدة الأمهات العازبات؟، لأن الأم العازبة تتخلى عنها الأسرة، وتغادر المدرسة، والكلية، والعمل، والكثير من الأشياء، وتصبح تعيش في الكثير من الويلات والمعاناة المركبة.
وفي هذا الإطار تقوم الجمعيات بدورها في تعليمهن، وتأطيرهن، في مجالات الطبخ، والحلويات، والخياطة، وتواكبهن في الشركات، في إطار إدماجهن في المجتمع بشكل إيجابي، للعمل على تربية أبنائهن تربية جيدة، على أساس أن لا يتخلين عن أبنائهن في الشارع، والرمي بهم للإهمال.
لهذا، فإن الدولة ملزمة بأن تخلق لهن فضاءات تكوينية، وأن تأهلهن مهنيا لأنه الأكثر أهمية، بمعنى إذا كنا نفكر في صناديق الأرامل والمطلقات، كذلك يجب أن نفكر في كيفية دمج فئة الأمهات العازبات، اللائي يتجاوزن 20 ألف حالة، تتوفر الجمعيات على ملفاتهن، لأنهن يطلبن المساعدة والتدخل للتسجيل في الحالة المدنية، والدعم الاجتماعي، والنفسي، لكن مع الأسف الدولة لا تتوفر على بياناتهن.
يوسف الخيدر
تصوير: عقيل مكاو