الأوبئة والتاريخ، القوة والامبريالية -الحلقة الأولى

يفتح هذا الكتاب القيم عين القارئ على بعض من تاريخ الطب وعلم الأوبئة، وعلاقة الانتشار الوبائي بجشع الإمبريالية والحركة الاستعمارية. ويبين شلدون واتس مؤلف الكتاب، كيف استخدمت قوى الاستعمار مفهوم “مقاومة الأمراض الوبائية” ليسهل أمامها اختراق دول أفريقيا وآسيا والأميركيتين. ولم تكن نشأة المؤسسات الطبية الغربية خارجة عن هذا السياق العام الذي يحكمه منطق القوة وسيطرة القوى الاستعمارية على شعوب العالم. يجد قارئ بيان اليوم في هذا الكتاب تفاصيل مذهلة تؤكد في مجملها ارتباط مفهوم “مقاومة الأوبئة” بغايات استعمارية.  r

ليست كل الأمراض المعدية وبائية

 إن مؤرخي الطب الحديث يرون أن الطب نفسه كان وسيلة رئيسية النقل الأفكار الإمبريالية وتطبيقاتها. وفي هذا السياق فإن الأفكار والمؤسسات الطبية ومنها بطبيعة الحال المؤسسات التي أنشأها الغرب بغرض مقاومة الأمراض الوبائية، ما هي إلا علاقات عن القوة والسيطرة بين الحاكمين والمحكومين، والتي تعكس في نهاية الأمر العناصر المكونة للاستعمار، ومن وجهة نظر هؤلاء المؤرخين فإن الإمبريالية كانت أكثر من مجرد مجموعة من الظواهر الاقتصادية والسياسية والعسكرية، فهي إيديولوجية مركبة كان لها تعبيرات فكرية وثقافية وتقنية واسعة الانتشار في عهود سيادة أوربا على العالم. فقد تفاعلت الإمبريالية مع المرض والأبحاث الطبية، وبذلك كان الطب نفسه وسيلة رئيسية لنقل الأفكار الإمبريالية وتطبيقاتها. إن العلاقة بين الإمبريالية وطرق مقاومة الأمراض التي كانت أداة للمتحكم في الشعوب المستعمرة وضحها المؤلف في العنوان الفرعي في الكتاب الطب والقوة والإمبريالية.

ويهتم علم الأوبئة بالأساس بدراسة الحالات الجماعية للعدوى، أي بالعدوى الجماعية وليس بالحالات الفردية للمرض، فالأمراض الوبائية هي في الأصل أمراض معدية تصيب الأعداد الكبيرة من البشر، وبذلك فليست كل الأمراض المعدية وبائية. ورغم أن علم الأوبئة يهتم بدراسة سبب المرض الذي يسبب هذه العدوى الجماعية فإنه يهتم بمسألتين على وجه الخصوص وهما، أولا: انتشار الأمراض في المكان وبين الجموع مثل الجموع العمرية والعرقية أوالإثنية وكذلك الجموع التي تعتمد على الجنس الذكور والإناث.

ثانيا: العوامل التي تؤدي إلى انتشار هذه الأمراض، مثل العوائل الناقلة كالحشرات والفئران، وبذلك فعلم الأوبئة يهتم بكل الأسئلة حول المرض ماعدا تلك التي تتعلق مباشرة بأعراض هذه الأمراض وطرق الشفاء منها.

وتنتقل العدوى بالأمراض المعدية بعدة طرق مثل:

1 الاتصال المباشر كما في حالة الأمراض الجلدية كالجرب، أو في حالة الجماع کالزهری

2 عن طريق الهواء كما في حالة إصابات الجهاز التنفسي، حيث تتم العدوى عن طريق الرذاذ المتطاير كالسل والأنفلونزا.

3– عن طريق الجهاز الهضمي بتناول الطعام والشراب الملوث كما في حالة الكوليرا والدوسنتاريا الأميبية.

4 عن طريق العوائل الناقلة مثل الطاعون الذي ينتقل عن طريق البراغيث، والحمى الصفراء والملاريا ومرض الفيل التي تنتقل عن طريق البعوض.

5 -عن طريق اختراق الجلد، كما في حالة اختراق يرقات الدودة الخطافية

للجلد، واحتراق الطور المعدي للبلهارسيا للجلد.

 6 عن طرف المشيمة أثناء الحمل، كما في حالة فيروس الإيدز.

* استمرارية الأمراض المعدية

تحدث الأمراض نتيجة للإصابة بالكائنات الحية مثل الفيروسات والبكتيريا والأوليات (البروتوزوا). ومثلها مثل الكائنات الحية فهي تنحو نحو التكاثر من أجل الحفاظ على نوعها. لكن هذا التكاثر، سواء كان في الإنسان أو الحيوان، ينتج عنه سموم ومواد ضارة عديدة تؤدي إلى تلف أنسجة العائل الذي تتكاثر فيه ومن ثم إلى مرضه، وفي أحيان أخرى يؤدى هذا التكاثر إلى موت العائل الذي تعيش فيه. وسواء كانت نتيجة هذا التكاثر هو ظهور الأعراض أو الوفاة فإن هذه المسببات المرضية Pathogens لا تبقي في معظم الأحوال في جسم الإنسان أو الحيوان طول فترة حياتها. فموت العائل الذي تعيش فيه قد يؤدي إلى موتها هي نفسها، كما أن مقاومة الجسم لها قد يقضي عليها. وفي الحالتين فإن هذا يعد خسارة خالصة لهذه الكائنات. ولتفادي هذا المصدر تلجأ هذه الكائنات دائما إلى العمل على استمرارية العدوى؛ أي استمرارية انتقالها من عائل إلى آخر عن طريق الطرق السالفة الذكر. لكن الأسئلة المهمة هي: أين تذهب هذه الكائنات عندما لا تكون في العائل؟ أو أين تختبئ؟ وهل تختفي تماما عندما تزول الأعراض؟ وهي أسئلة مهمة من أجل معرفة الأمراض المعدية وطرق انتقالها ومقاومتها.

يتبع

إعداد: سعيد ايت اومزيد 

Related posts

Top