عكست القمة الأوروبية المنعقدة يومي الخميس والجمعة في بروكسل حجم الانقسام بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشأن الطريقة المُثلى التي ينبغي انتهاجها مع روسيا.
فبالرغم من الموافقة على تمديد العقوبات الأوروبية المفروضة على موسكو إلا أن رفض اقتراح فرنسي – ألماني حول عقد قمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أخرج إلى العلن الخلافات داخل التكتل الأوروبي إزاء نهج التعامل مع روسيا.
ودعا قادة الاتحاد الأوروبي في بيان إلى “مشاركة انتقائية” مع روسيا بدلا من الحديث عن قمة على المستوى الرئاسي، وهو ما اعتبره محللون هزيمة نادرة للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
وإثر مناقشات مطولة مع الزعماء الأوروبيين قالت ميركل “لم يكن ممكنا الاتفاق على أننا يجب أن نلتقي على الفور في قمة” مع روسيا، مضيفة “كنت أفضل شخصيا نتيجة أكثر جرأة”.
وبدوره شكك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في جدوى سياسة الرد بالعقوبات التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي إزاء موسكو، وإن أشار في الوقت نفسه إلى ضرورة “ردع تصرفات روسيا”.
وقال ماكرون عقب القمة “منطق العقوبات ردا على العدوان لم يعد يعتبر فعالا، ولقد رأينا تأكيدا على ذلك”.
وأشار ماكرون إلى أن الاتحاد الأوروبي لم يتمكن حتى الآن من دفع روسيا إلى تغيير نهجها، مضيفا “علينا التركيز على القضايا المتعلقة بسبل ردع مثل هذه السلوك وإحباط مثل هذه العقوبات والرد بطريقة أكثر فعالية والحصول على آفاق أكثر وضوحا”.
وانتقد بعض الزعماء الأوروبيين اقتراح عقد قمة مع بوتين، قائلين إنه قد يعطي الانطباع بأن التحركات العسكرية الروسية “وزعزعة الاستقرار ضد جيرانها والغرب” تم التغاضي عنها.
وتبدي دول البلطيق وبولندا والسويد وهولندا اعتراضا على الانخراط في حوار مع الرئيس الروسي الذي “يعزز التحركات العدائية ضد بلدان الاتحاد الأوروبي وجوارها”.
وتدهورت العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا منذ ضم شبه جزيرة القرم وبدء النزاع في أوكرانيا عام 2014، ولم تعقد أي قمة بين الجانبين منذ ذلك الحين.
وقال دبلوماسي أوروبي “تم أثناء مناقشة المسألة الروسية بحث قضية تنفيذ اتفاقيات مينسك. واتفق الجميع على أنه لا يوجد أي تقدم جدي في هذا المجال. وبالعكس شهدنا في الأشهر الأخيرة وقوع أحداث مزعجة على الحدود الروسية – الأوكرانية. ولذلك لم يعارض أحد تمديد العقوبات لستة أشهر إضافية”.
ويرى مراقبون أن تباين الرؤى بين الحلفاء إضافة إلى حادث الاحتكاك بين روسيا وبريطانيا في البحر الأسود يوم الأربعاء الماضي، يظهران الصعوبة التي سيواجهها بايدن والزعماء الأوروبيون في ملف العلاقات مع موسكو خلال الفترة القادمة.
وذكر الباحث مارك إيبيسكوبوس المتخصص في شؤون الأمن في مقال نشر بمجلة ناشيونال إنترست الأميركية أن بريطانيا ربما أرادت بدخول المدمرة ديفندر إلى مياه البحر الأسود تقييم حزم موسكو في الدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا.
ولفت إلى أن حدة رد الفعل الروسي على الحادث فاجأت الجانب البريطاني.
وقال “رد فعل الكرملين يعطي إجابة لا لبس فيها تتمثل في أن موسكو لن تتسامح مع أي تحديات للوضع الحالي لشبه جزيرة القرم، عسكرية كانت أو دبلوماسية”.
واعتبر أن رد الفعل الروسي على ما حدث قد يكون محاولة لـ”ترسيم حدود صعبة” أو منع التعاون العسكري المتنامي بين أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي، لاسيما بالقرب من الحدود البحرية الروسية.
وكانت روسيا اعتبرت دخول المدمرة البريطانية إلى مياهها الإقليمية استفزازا خطيرا، وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أن سفينة تابعة لها أطلقت نيرانا تحذيرية، كما ألقت طائرة من نوع “سو 24” قنبلة في مسار السفينة البريطانية لتحذيرها، قبل أن تغادر المياه الروسية.
بالمقابل أكدت بريطانيا أن تحركات سفينتها كانت في “المياه الإقليمية الأوكرانية” وكانت متوافقة مع القانون الدولي، وأن قواتها لم ترصد أي إطلاق نار تحذيري باتجاه السفينة، إلا أن موسكو وصفت التصريحات البريطانية هذه بأنها “كاذبة”.
وربما لم يقتصر تأثير هذا الحادث على العلاقات الروسية – البريطانية فحسب، بل أنه أظهر خلافات داخل البيت البريطاني ذاته، حيث ذكرت صحيفة تليغراف البريطانية أن وزير الخارجية البريطانى دومينيك راب كان قد أثار مخاوف بشأن خطط وزارة الدفاع في بلاده لإبحار سفينة حربية ملكية عبر المياه المحيطة بشبه جزيرة القرم.
وأضافت الصحيفة أنها علمت أن راب حذر مسبقا من تداعيات تلك الرحلة، بينما أشارت مصادر دفاعية إلى أن القرار تم تصعيده إلى داونينغ ستريت، حيث اتخذ رئيس الحكومة القرار النهائي، وهو ما انتهى باندلاع خلاف دبلوماسي بين لندن وموسكو ربما انعكست آثاره على القمة الأوروبية.
الاتفاق على تمديد العقوبات لا يخفي حجم الانقسام الأوروبي بشأن التعامل مع روسيا
الوسوم