الاستمطار الصناعي في مواجهة الجفاف.. من أجل تحقيق الأمن المائي والغذائي

أصبح المغرب البلد الرائد عالميا في عملية الاستمطار الصناعي حيث منذ ما يقارب الأربعين سنة والمملكة المغربية تشتغل على تلقيح السحب لإنتاج الأمطار من أجل إنقاذ الموسم الفلاحي. وعالميا تعود برامج تعديل الطقس، بما في ذلك تشتيت الضباب وإسقاط الأمطار والثلوج وردع البرد، إلى ما يزيد عن ستين سنة في أكثر من 40 دولة حول العالم. ويحدث هذا منذ أن تم اكتشاف أن بلورات يوديد الفضة يمكن أن تشكل بلورات جليدية في وجود القليل من بخار الماء، وكان ذلك أواخر الاربعينات. منذ ذلك الحين والعلماء يشتغلون على فهم كيفية تغيير الطريقة التي يتشكل بها الماء ويتحرك داخل السحب، على الرغم من عقود من البحث، بينما لا يزال هناك قدر كبير من الشكوك حول استمطار السحب لأسباب ليس أقلها التحدي المتمثل في تقييم فعالية التقنية نظرا لتعقيد أنظمة الطقس وتقلبها، فسواء كانت ساخنة أو باردة، ملوثة أو نظيفة، وسواء كانت تعبر فوق جبل أو حقل، فإن خصائص السحابة تحدد نجاح أو فشل أي محاولة لبذرها، حيث تتيح الأدوات الجديدة الآن لخبراء الأرصاد الجوية دراسة وفهم السحب وتغيراتها بدقة أكبر من أي وقت مضى، بينما تعمل التقنيات الجديدة لاسيما تقنيات النانو على توسيع نطاق الاحتمالات في هذا المجال. ويعمل العلماء بحذر لتحديث تقنيات الاستمطار الصناعي بدعم من حملة دولية للبحث والتمويل لموارد المياه.

إعلان الطوارئ المائية في مواجهة التغيرات المناخية

قدم اتفاق باريس للمناخ الذي تم تبنيه في دجنبر 2015 من قبل 195 دولة عضو في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ إطارا عالميا للتعاون في مكافحة تغير المناخ، حيث تعهدت البلدان بالحفاظ على الاحترار العالمي أقل من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي ومواصلة العمل للحد من هذا الاحترار إلى 1.5 درجة مئوية، ومن ثم قدموا مساهمات وطنية بهدف الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتعزيز التكيف اعتبارا من عام 2020، ولكن مازال هناك حاجة ملحة في مواجهة درجات الحرارة القياسية وارتفاع المياه والفيضانات والجفاف. بينما تتم مراجعة التوقعات المتعلقة بعواقب الاحترار العالمي بانتظام تصاعديا. وتميل المساهمات الوطنية اليوم نحو الاحترار بين 2.7 و 3.5 درجة مئوية هذا على الرغم من الجهود المبذولة لضمان دخول اتفاق باريس حيز التنفيذ بسرعة فإن الافتقار إلى الإرادة السياسية لإجراء انتقال حقيقي وتعقيد نظام الأمم المتحدة يؤخران العمل، ومع ذلك فإن تغير المناخ يهدد بإلغاء الجهود التي سيتم بذلها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، إن السكان الأكثر تضررا هم بالفعل السكان الأكثر ضعفا لاسيما أولئك الذين يعيشون في أقل البلدان نموا والدول الأكثر هشاشة.
وتعد المياه أحد العوامل الرئيسية التي سيؤثر من خلالها تغير المناخ على السكان والبيئة، إذ يؤثر تغير المناخ على دورة المياه بأكملها ويؤثر سلبا على كمية ونوعية الموارد المائية. ويزيد من الضغط على السكان ومن مخاطر الكوارث الطبيعية والصراعات على تقاسم المياه، بحيث يؤدي الوصول إلى مياه الشرب والمياه الزراعية إلى تحسين الظروف المعيشية للسكان الأكثر ضعفا وزيادة قدرتهم على الصمود. وتعتبر الإدارة المتكاملة للموارد المائية إحدى ركائز التكيف علاوة على ذلك يعتمد جزء كبير من حلول الطاقة منخفضة الكربون على توفر المورد.
اليوم يعاني 2 مليار شخص حاليا من إجهاد مائي. مقابل 1.8 مليار شخص لا يحصلون على المياه الصالحة للشرب. بينما ٪70 من عمليات سحب المياه العذبة مخصصة للزراعة و 15٪ للطاقة، وما يزيد عن ٪90 من الكوارث الطبيعية مرتبطة بالمياه. ولضمان الاتساق والتكامل بين خطة التنمية المستدامة لعام 2030 واتفاقية باريس للمناخ واتفاقية سنداي بشأن الحد من مخاطر تغير المناخ تمت ترجمة الالتزامات التي تم التعهد بها بموجب اتفاقية باريس إلى سياساتها الوطنية وتنفيذ خطط عملها الوطنية بشكل ملموس لمكافحة الاحتباس الحراري والتكيف مع آثاره، ولإظهار الإرادة السياسية القوية ورفع طموحاتهم لإعادة تقييم المساهمات الوطنية جعل المياه عنصرا مركزيا في سياساتها الوطنية والمحلية وخطط عملها مع العلم أن المياه هي أولوية 93٪ من البلدان التي بها عنصر تكيف في المساهمات الوطنية حيث ينبغي التركيز على الحصول المستدام والشامل والمنصف على مياه الشرب والصرف الصحي والمياه الزراعية مع تعزيز تنفيذ الإدارة المتكاملة للموارد المائية واستعادة الدورة المائية والمحافظة عليها على المستوى المحلي عبر الوقاية والاستعداد والاستجابة للأزمات الإنسانية المتعلقة بالمياه وكذلك إعادة التأهيل بعد الأزمات بالإضافة إلى تسهيل دمج سياسات التكيف في السياسات القطاعية المتعلقة بالمياه من خلال تعزيز الجهات الفاعلة المحلية وتحسين المعرفة المحلية بتأثيرات تغير المناخ على موارد المياه، عبر تعبئة سريعة لمبلغ 100 مليار دولار سنويا الموعود به للبلدان النامية في قمة باريس للمناخ من أجل مواجهة التحدي المناخي ولاسيما استهداف التكيف لصالح السكان الأكثر ضعفا مع إشراك المجتمع المدني في المفاوضات والسياسات المتعلقة بإدارة المناخ والمياه بطريقة فعالة وبناء قدراتهم في هذا السياق وعبر تحسين جدول أعمال العمل المناخي العالمي والذي يجمع بين المبادرات المناخية غير الحكومية من حيث انتقائية المبادرات والحكامة والشفافية والمشاركة وتقييم الرصد.

الاستمطار الصناعي والتجربة الكندية

بعد عامين تحديدا من الشروع في استعمال تقنية الاستمطار الاصطناعي في العاصمة واشنطن الأمريكية، بدأ الاستمطار الاصطناعي في كندا تحديدا منذ عام 1948 بتجربة الحكومة الفيدرالية، عبر القيام بتفريق الجليد الجاف في السحب لتسبب هطول الأمطار، وفي ظل الظروف المناسبة حيث تمكن الكنديون من الحصول على القليل منه، ومع ذلك فقد أثارت هذه الأنشطة السؤال الكلاسيكي: ماذا كان سيحدث بدون تدخل بشري؟ وقد تم التشكيك في نتائج هذا المشروع لأنه في حالة عدم وجود السحب غير المصنفة لا يمكن إجراء مقارنة مع السحب المصنفة.
وعلى الرغم من عدم اليقين العلمي، شهدت سنوات الخمسينيات انتشارا لأنشطة صناعة الأمطار في البراري للأغراض الزراعية وفي شرق كندا لدعم قطع الأشجار وإنتاج الطاقة ويعتبر يوديد الفضة هو عامل البذر ويتم إطلاقه بطرق مختلفة من التركيبات الأرضية والجوية، ولأن هذه الأنشطة لم يتم تصميمها كتجارب علمية فإن التحليلات اللاحقة لم تكن حاسمة بالمقارنة مع متوسطات هطول الأمطار حيث كانت هناك إما زيادات طفيفة أو انخفاض طفيف. بينما في عام 1959 بدأت الحكومة الفيدرالية أول سلسلة من تجارب الأمطار الاصطناعية لأغراض إحصائية دولية في شمال شرق أونتاريو وشمال غرب كيبيك، حيث أدت هذه التجربة التي استمرت أربع سنوات على أنظمة العواصف الرئيسية إلى انخفاض إجمالي بنسبة 2.5 في المائة، من هطول الأمطار، هذا الانخفاض ليس ذا دلالة إحصائية ويمكن أن يكون نتيجة بسيطة للصدفة، ومع ذلك يبدو أن مشروع هطول الأمطار الاصطناعية في منطقة بحيرة سان جان في كيبيك كان ناجحا للغاية، وعلى العكس من ذلك انخفض إنتاج المطر الاصطناعي هذا في جميع أنحاء كندا خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي على الرغم من استمرار بعض المشاريع بشكل متقطع في نيوفاوندلاند وأونتاريو وألبرتا، أما في منتصف السبعينيات فقد تم تطوير تقنيات مراقبة السحب وهطول الجسيمات من الطائرات، بينما سعت الحكومة الفيدرالية إلى إجراء تجربة بذر السحب الركامية فقط لمدة أربع سنوات في شمال غرب أونتاريو والأقاليم الشمالية الغربية هذا على الرغم من أن عينة السحب المصنفة صغيرة إلا أن هناك أدلة قوية تشير إلى أنه من الممكن تحفيز عملية الترسيب إذا لم تتبدد السحابة في غضون 20 دقيقة من البذر، وتجدر الإشارة إلى أن عمر السحب في شمال غرب أونتاريو قصير العمر ومن غير المحتمل أن يتم استنفاده على عكس الغيوم في الأقاليم الشمالية الغربية طويلة العمر والتي تستجيب بشكل إيجابي للبذر، حيث توفر الأبحاث التي أجريت في هذا المجال في ألبرتا خلال الثمانينيات دليلا إضافيا على أنه يمكن استخدام الجليد الجاف ويوديد الفضة للحث على نمو بلورات الجليد في السحب غير المترسبة، وتم الحصول على نتائج مماثلة في بلدان أخرى، ومع ذلك لا يزال المجتمع العلمي الدولي حذرا بشأن الإنتاج الاصطناعي للأمطار حيث أكد العلماء أنه لا توجد إجابة عامة مرضية فربما يعتمد نجاح هذه المؤسسات على العديد من المعايير الجغرافية والأرصاد الجوية التي لم يحددها العلم بعد بدقة، فقد خضعت منطقة بيحرة ساغناي سان جين الكندية لبذر السحب لعدة سنوات ومع ذلك نفت الحكومة وجود آلات المطر حتى عام 1965 عندما أمر وزير الموارد الطبيعية في كيبيك رينيه ليفسك بوقف جميع أنشطة صناعة الأمطار في المقاطعة، ثم في عام 1970 اعتمدت حكومة اقليم كيبيك قانونا يمنح في ظل ظروف معينة شهادات تسمح بالاستفزاز الاصطناعي للمطر، يقول روول برينتجيس من المركز الوطني لأبحاث الغلاف الجوي التابع للولايات المتحدة الأمريكية ورئيس المنظمة العالمية للأرصاد الجوية فريق الخبراء في تعديل الطقس الاصطناعي: “فهم العمليات السحابية وآليات هطول الأمطار بشكل أفضل هو الأولوية القصوى فكلما فهمناها بشكل أفضل كان من المفترض أن نكون قادرين على التأثير بشكل أفضل في العمليات السحابية والغيوم الأولية”، فالتحدي الكبير لتعديل الطقس الاصطناعي هو تحديد الغيوم الأكثر ملاءمة، وبدون سحابة هذه التقنيات عديمة الفائدة، ومن المسلم به أن “استمطار السحب يمكن أن يسمح لنا بزيادة موارد المياه لكن هذه التقنية لا يمكنها فعل أي شيء ضد الجفاف لأنها تتطلب توفر السحب” كما يوضح السيد برنتجيس الذي تدرب في مجال تعديل السحب الاصطناعية في جنوب إفريقيا: “لا يمكن للمرء إنشاء سحابة أو إبعادها”، وكما يوضح الدكتور ماساتاكا موراكامي من معهد أبحاث البيئة الفضائية والأرض في جامعة ناغويا (اليابان): “يتطلب التعديل الاصطناعي للطقس وبشكل أكثر تحديدا الزيادة في هطول الأمطار، إيجاد عملية تحكم تحول الماء الموجود في السحب الطبيعية إلى هطول الأمطار ثم لتنشيط هذه العملية بأنفسنا عن طريق تحفيز اصطناعي بسيط قدر الإمكان، هذا هو السبب في أنه من المهم العثور على السحب التي لديها احتمالية هطول الأمطار المطلوبة ولكنها لا تستطيع تحقيقها”، وفي الواقع يؤكد السيد عبد الله المندوس مدير المركز الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة للأرصاد الجوية والزلازل: “يجب على أي دولة تخطط لتنفيذ مشاريع البذر السحابي أن تحدد الخصائص الفيزيائية والكيميائية للسحب الأكثر شيوعا التي يمكن الوصول إليها فوق أراضيها”، وللعثور على “الغيوم الجيدة” يجب على المرء أن يأخذ في الاعتبار درجة الحرارة، ولتعزيز الترسيب يجب مساعدة جزيئات الماء على الاصطدام والاندماج والنمو باستخدام إحدى عمليتين: بذر الجليد أو بذر استرطابي، ويستخدم بذر الجليد عوامل مثل يوديد الفضة لبدء تكوين الجليد في “السحب الباردة” التي تقل عن 0 درجة مئوية وتحتوي على مياه فائقة التبريد، ويعتبر يوديد الفضة الذي له هيكل بلوري مشابه للجليد الطبيعي يمكنه تسريع تكوين الجليد في عمر السحابة وبالتالي فإن السحابة التي لديها المزيد من الوقت لتفرخ الجزيئات حجم يؤدي إلى هطول الأمطار، بينما في “السحب الدافئة” أي السحب بالحمل الحراري ذات الأجزاء الكبيرة فوق -10 درجة مئوية يمكن للعلماء إجراء عملية بذر استرطابي غالبا باستخدام ملح بسيط مما يساهم في الاصطدام بين قطرات الماء وتكوين المطر، بالنسبة لكلا النوعين من البذر وتشكيل الجليد والرطوبة من الضروري تحديد ما إذا كانت الغيوم في منطقة ما فعالة بالفعل بشكل طبيعي أو ما إذا كان الأمر يستحق التدخل. “توفر تقنيات البذر السحابي الرئيسية نوى حولها يمكن أن تتشكل البلورات والبلورات الجليدية”، كما يوضح برنتجيس ،”إذا كانت هذه الجسيمات موجودة بالفعل بالحجم والتركيز الأمثل في مناطق معينة فلن يكون لبذر السحب أي تأثير هناك”، بينما يعتبر موقع السحابة هو أيضا عاملا مهما، حيث تختلف السحب التي تحلق فوق المناطق الاستوائية عن تلك الموجودة في خطوط العرض الوسطى لأن درجة الحرارة تؤثر على كيفية عمل العمليات السحابية، حيث يشرح برنتجيس: “بالإضافة إلى ذلك يمكن للسحب الموجودة في مناطق مختلفة بمستويات مختلفة من التلوث أن تواجه أيضا عمليات هطول مختلفة، في الواقع يمكن أن تتفاعل حتى سحابتان في نفس اليوم في نفس المنطقة بشكل مختلف اعتمادا على التلوث، أي شيء يؤثر على السحابة يؤثر على البذر، حيث تم الحصول على بعض أفضل النتائج في المناطق الجبلية عن طريق البذر الجليدي للسحب “الأوروغرافية”، ففي هذه المناطق تعتبر السحب التي تتكون من تدفق الهواء فوق الجبال أهدافا جذابة بشكل خاص حيث يمكن للتجمعات الثلجية على ارتفاعات عالية أن تحتوي على كمية كافية من الماء لمنطقة بأكملها في السنة، ففي اليابان على سبيل المثال حيث ندرة المياه مشكلة عابرة وليست مزمنة يقول موراكامي: ”إن بذر الجليد للغيوم الثلجية يمكن أن يكون تدبيرا وقائيا في أواخر الربيع أو أوائل الشتاء””، ووفقا له يمكن تنفيذ مثل هذه البرامج “عندما تكون التوقعات طويلة الأمد لسقوط الأمطار أكثر دقة وموثوقية ويمكن التنبؤ بنقص المياه قبل بضعة أشهر”

الاستمطار الصناعي في الولايات المتحدة الأمريكية و أستراليا

ويذكر كلا من برينجيس وموراكامي أمثلة على مشاريع تخزين الثلج في وايومنغ بالولايات المتحدة الأمريكية والجبال الثلجية في أستراليا، في الجبال الثلجية، حيث يقوم العلماء ببذر الجليد على الجبهات الباردة إلى الشرق من الجبال، ففي الأشهر الباردة تقوم المولدات على الأرض بتبخير خليط من يوديد الفضة الذي تهب عليه الرياح باتجاه الشرق إلى السحب فوق الجبال، حيث أظهر تحليل نتائج التجربة الأولى التي أجريت بين عامي 2005 و 2009، أن تأثير البذر على تساقط الثلوج كان إيجابيا وإن لم يكن ذا دلالة إحصائية، حيث وجد العلماء مع ذلك أن استهداف البذر كان “نجاحا لا لبس فيه”، وكانت مستويات يوديد الفضة أعلى في المناطق المصنفة منها في المناطق الأخرى، بينما كشف تحليل ثان عن مستويات أعلى من مواد البذر مما يشير إلى وجود جزيئات جليدية إضافية وبالتالي تأثير على عمليات هطول الأمطار، ويستمر المشروع حتى يومنا هذا بعد التجارب الأولى، فوفقا لبعض التقارير زاد تساقط الثلوج بنسبة تصل إلى 14٪، وقياس تأثير مشاريع استمطار السحب ليس بالأمر الهين، حيث يوضح برنتجيس: “بشكل عام نستخدم تجارب عشوائية مشابهة لتلك التي يتم إجراؤها في الطب لاختبار عقار جديد”، تماما كما هو الحال في تجربة طبية حيث لا يوجد موضوعان متشابهان على الإطلاق حيث: “لا توجد سحابة مماثلة لغيرها ويمكن للعديد من العوامل أن تلعب دورا في عملية هطول الأمطار داخل السحابة”.

وعلى مدى السنوات العشر الماضية استخدمت التطورات في النماذج العددية التي يمكن أن تحاكي البذر بشكل أكثر دقة، وأدوات المراقبة المحسنة التي تسمح بفهم أفضل للعمليات الفيزيائية التي يتم تشغيلها في السحب في تجارب البذر السحابي، وتأتي التحسينات المفيدة على وجه الخصوص من الدقة المتزايدة للأقمار الصناعية والرادارات الأرضية أو المحمولة جوا ذات الاستقطاب المزدوج والتي يمكنها قياس حجم هطول الأمطار بشكل أفضل، ويشير برنيتجيس إلى أنه: “على الرغم من أنها ليست مثالية، فقد اتخذنا خطوة كبيرة إلى الأمام، بينما نقوم بتحسين توقعات الطقس، يمكننا أيضا توقع التغييرات بشكل أفضل”، ويوضح أندريا فلوسمان من مرصد الفيزياء في العالم دي كليرمون فيران بفرنسا، وهو أيضا عضو في فريق الخبراء لتعديل الطقس الاصطناعي أن الباحثين يعملون على تحسين الأساليب الإحصائية اللازمة للتحقق من صحة النهج: “لا تزال الحملات الموثوقة باهظة الثمن وتتطلب العديد من السحب التجريبية، سواء كانت مصنفة أم لا”، وإحدى المجموعات البحثية هي فريق الدكتور موراكامي الذي تلقى تمويلا من برنامج أبحاث الإمارات العربية المتحدة حول زيادة هطول الأمطار: “نحن نعمل على تقييم الزيادة في هطول الأمطار بشكل أفضل وجعلها في نهاية المطاف أكثر فعالية في المناطق القاحلة ولمناطق شبه القاحلة من خلال البحث السليم بما في ذلك تحليل البيانات والتجارب المعملية والملاحظات الميدانية والنمذجة العددية”، وعلى وجه الخصوص يهدف العمل إلى تحديد هياكل السحب الفيزيائية الدقيقة المناسبة للبذر وما إذا كانت شائعة في المناطق الجبلية في شرق الإمارات العربية المتحدة، برنامج الإمارات العربية المتحدة لبحوث علوم الاستمطار برنامج الإمارات العربية المتحدة لبحوث الاستمطار.

زيادة هطول الأمطار في دولة الإمارات العربية المتحدة

تم إطلاق البرنامج الإماراتي لبحوث زيادة هطول الأمطار بميزانية قدرها 5 ملايين دولار أمريكي في عام 2015 كمشروع دولي للنهوض بالبحوث والتكنولوجيا في هذا المجال وبحسب مديرة البرنامج علياء المزروعي فإن للبرنامج هدفين: تشجيع البحث في مجال زيادة هطول الأمطار بشكل عام وزيادة هطول الأمطار في دولة الإمارات العربية المتحدة وغيرها من المناطق القاحلة أو شبه القاحلة في العالم، فالمياه تبقى مشكلة أساسية في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تشير التقديرات إلى أن احتياطياتها الجوفية التي يبلغ عمرها 10000 عام تتضاءل بشكل متزايد بينما من المتوقع أن يتضاعف الطلب هناك في السنوات الـ 15 المقبلة، وتمثل مياه البحر المحلاة 40٪ من موارد المياه في البلاد، نظرا لارتفاع تكلفة تحلية المياه بينما تمارس الإمارات العربية المتحدة الاستمطار السحابي بفكرة استخدام هذه التكنولوجيا كخيار أرخص، وفي عام 2016 نفذت دولة الإمارات العربية المتحدة 177 بذرا، معظمها استرطابي في السلاسل الجبلية الشرقية للبلاد على الحدود مع عمان من أجل رفع مستويات طبقات المياه الجوفية والخزانات، وفقا لتقرير عام 2015 سمح الغطاء السحابي الأعلى من المعتاد بإكمال المزيد من المهام هذا العام، وتهدف دولة الإمارات العربية المتحدة، كجزء من برنامج تحسين هطول الأمطار إلى تمهيد الطريق لمزيد من الاستثمار والتقدم التكنولوجي في مجال تعديل الطقس الاصطناعي، ويفتخر السيد المندوس ببلده: “إنه محور لتطوير أفضل التقنيات لإيجاد حلول لندرة المياه، بالإضافة إلى فريق الدكتور موراكامي الذي حصل على جائزة لمساهمته في أساليب التحقق من صحة تقنيات البذر السحابي، هدفت المشاريع الفائزة بجائزة 2015 إلى: “استخدام تقنية النانو لجعل مواد البذر أكثر كفاءة وإجراء تغييرات على الغطاء الأرضي لزيادة مناطق التقاء وتحسين بداية الحمل “، كما يقول المندوس: باستخدام تقنية النانو قد يتمكن الباحثون من إنشاء مواد كيميائية جديدة لبذر السحب التي تحاكي بشكل أفضل البنية البلورية للجليد على مقياس نانومتر.
ويعمل فريق برنامج الإمارات العربية المتحدة مع الفائزين بالمسابقة لمدة ثلاث سنوات بعد تقديم الجائزة لمساعدتهم على تحقيق مشروعهم، ويشير السيد المندوس إلى المبادئ التوجيهية لمنظمة الأرصاد الجوية العالمية لتخطيط أنشطة تعديل الطقس، والتي يعتبرها موردا هاما للبلدان التي تسعى إلى تحسين الأمن المائي: “وفقا لهذه المبادئ التوجيهية ينبغي للبلدان التي تمارس الاستمطار السحابي دراسة السحب المصنفة وغير المصنفة من خلال طريقة إحصائية عشوائية” كما يقول: “ثم تحقق من أن النتائج التي تم الحصول عليها تم تأكيدها من خلال تحليل يثبت صحة عمليات البذر قيد الدراسة، وكما يتناول بيان المنظمة بشأن التعديل الاصطناعي للطقس المعتمد في 2015 حيث تقنيات تعديل الطقس لقمع البرد وتبديد الضباب وتذكر الاهتمام الأخير بهندسة المناخ، قال فلوسمان: “في الآونة الأخيرة تم اقتراح البذر كوسيلة للتخفيف من آثار تغير المناخ لزيادة سطوع السحب وزيادة جزء الإشعاع الشمسي المنعكس مرة أخرى في الفضاء”، ولقد تم بالفعل ممارسة استمطار السحب في الماضي على نطاق كوكبي ولكن بطريقة غير متوقعة: من خلال تغيير عرضي في الظروف الجوية، على سبيل المثال تسببت الجسيمات المحقونة في الستراتوسفير من الانفجارات البركانية في انخفاض درجات الحرارة العالمية لمدة سنتين إلى ثلاث سنوات من المحتمل أن تكون مثل هذه الانفجارات البركانية قد ساهمت في القرن التاسع عشر العصر الجليدي الصغير، وتذكر السيدة فلوسمان أيضا أن: الملاحظات التي أجراها القمر الصناعي كشفت أن الجسيمات المنبعثة من مداخن السفن عدلت خصائص الطبقة الركامية التي تحلق فوقها ويبدو أنها أصبحت أكثر إشراقا، كما أوضحت بالنسبة لجميع التغييرات في الطقس، سواء كانت مقصودة أم لا من المهم أن تتذكر أن “الغلاف الجوي ليس له جدران: ما تحقن به قد لا يكون له التأثير المطلوب في مكان قريب، ولكن قبل كل شيء يمكن نقله إلى مكان آخر وتنتج تأثيرات غير مرغوب فيها هناك “، كل هذا يتوقف على الغيوم حقا، تقول: “لا يوجد تأثير منهجي”، بينما ستتفاعل كل سحابة بطريقتها الخاصة: فمن الصعب معرفة ما إذا كانت الجسيمات المحقونة سيكون لها تأثير، وإذا كان الأمر كذلك ، فهل سيكون التأثير المتوقع.

الاستمطار الصناعي ومواجهة تغير المناخ بالمغرب

منذ ستة وعشرين سنة تقريبا، ولإنجاح الموسم الفلاحي العمود الأساس للاقتصاد، تعود المغرب على إطلاق حملة للاستمطار الصناعي بداية كل خريف حيث أصبح المغرب رائدا على الصعيد العربي والافريقي بفضل التقدم العلمي للأبحاث في هذا المجال، فكل سنة والجميع يراهنون على إنجاح الموسم الفلاحي، خاصة في بلد مثل المغرب حيث المناخ السائد فيه جاف أو شبه جاف. ويعد تعديل الظروف المناخية مسألة حيوية حيث يعتمد المغاربة مثلهم مثل الكنديين والاستراليين والاماراتيين على تخصيب الغيوم بوضع كريستال الملح فيها، من قبيل “كلورور الصوديوم أو يوديور الفضة، للرفع من معدل هطول الأمطار في السهول الأطلسية، والتخفيض من زخات البرد المضرة بالفلاحة وقمعها في الأعالي، تأتي هذه العمليات التخصيبية للغيوم في إطار البرنامج الوطني”الغيث”، والذي تنفذه القوات المسلحة الملكية، وأثبت فعاليته بالمغرب طيلة ثلاثة عقود، حتى بات خبرة تصدر إلى بلدان إفريقية، بينما أظهرت دراسة اقتصادية للمديرية الوطنية للأرصاد الجوية، بأن كل زيادة في معدل الأمطار بالمغرب بمقدار 10% تنمي القيمة الإجمالية للمحصول الفلاحي بنسبة 3.4%، وبدأت عمليات تخصيب السحب بالمغرب في 1984، خلال عهد الملك الراحل الحسن الثاني، بتوقيع اتفاق للتعاون مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية على اعتبار أن الأمريكيين كانوا السباقين الى استعمال هذه التقنية بنجاح ومنذ 1946، لقد كان برنامجا تجريبيا يستجيب لحاجة عاجلة في ما يتعلق بنسبة التساقطات، بالنظر إلى الجفاف الذي عرفته البلاد خلال نهاية السبعينات لكن التطبيق العملي لم ينطلق إلا 1996، فعلمية “الغيث” برنامج تقوده لجنة عليا ينسق أعمالها الدرك الملكي، وتضم في تمثيليتها القوات المسلحة الملكية الجوية، والمديرية الوطنية للأرصاد الجوية، المؤسسة العمومية المسيرة بطريقة مستقلة، وتتولى الإشراف على الجانب التقني من البرنامج حيث تنطلق مهمات تخصيب السحب سنويا من نونبر إلى أبريل لكن ذلك ليس عرفا ثابتا، إذ يمكن لحملة الاستمطار الصناعي أن تنطلق باكرا خلال شهر أكتوبر مثلا لتأخر تساقطات فصل الخريف، حيث يلعب التخصيب المبكر بالرفع من معدل الزخات وليس إثارتها، حيث يراقب خبراء الأرصاد الجوية يوميا تطور الضغط الجوي  في الكتلة الضبابية لـمرتفع “الآصور” فوق المحيط الأطلسي، لمعرفة الوقت المناسب للقيام بعمليات تخصيب السحب، وتبقى الفترة المناسبة للتخصيب هي بداية الخريف، أي عندما تتشكل السحب فوق سلسلة جبال الأطلس وتلتقي بتيارات ساخنة وجافة قادمة من الصحراء وبالتالي يتمثل دور الأرصاد الجوية في تحديد الوقت المثالي للتخصيب، وبعدها يأتي دور الدرك الملكي والقوات الجوية لتقوم بالمهمة حيث تقوم  لتنفيذ البرنامج ثلاث وحدات من القوات المسلحة الملكية توجد في أزيلال وبني ملال والحاجب، والتقنية تتم حينما تقوم الوحدات الأرضية باستهداف السحب بـ”كريستال” الملح، الذي يحفز تشكل قطرات المطر، وفي مواقع التنفيذ، حيث يتم إرسال المحاليل الكيميائية المعتمدة في التخصيب، عبر مولدات تيارات هوائية أو عبر صواريخ ترسل نحو السحب، والجميل في الأمر أن التقنية المستعملة من قبل القوات الملكية الجوية، متمثلة في حقن السحب مباشرة بالمواد الكيميائية المستعملة باستعمال طائرات خاصة، حيث في حملة تخصيب واحدة، يتم القيام بما بين 30 و40 عملية تخصيب حسب الظروف المناخية”، وبعد 26 سنة على دخول المشروع حيز التنفيذ، صارت خبرة المسؤولين المغاربة مطلوبة للتصدير إلى بلدان مثل موريتانيا والسنغال وبوركينا فاصو، مع العلم، أن تخصيب السحب، لا يعني تلقائيا هطول المطر.

برنامج الغيث والأثر البيئي

حسب تقرير لجمعية “واتر موديفيكايشن”، الذي يهم التأثيرات البيئية المرتبطة باستعمال مواد تخصيب السحب، هذه الجمعية التي تضم خبراء علميين ومهنيين يعملون في مجال تدبير المياه بالولايات المتحدة الأمريكية وكندا، خلص التقرير إلى أنه “لم تتم ملاحظة أي تأثير ضار على البيئة يرتبط باستعمال يوديد الفضة في تخصيب السحب تجدر الإشارة إلى أن العمل ببرنامج غيث بدأ به المغرب سنة 1984 بمبادرة من الملك الراحل الحسن الثاني وبشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية عقب توالي سنوات الجفاف 1979-1983، هذه التقنية تمكن من زيادة التساقطات بين 14 و17 بالمائة. وتجدر الإشارة إلى أن عدد عمليات برنامج الغيث خلال الفترة الممتدة من نونبر إلى دجنبر 2021، قد بلغت 5 عمليات جوية قصد الاستمطار الاصطناعي في 02/12/2021، و23 عمليات أرضية قصد الاستمطار الاصطناعي من 03/11/2021 إلى 25/12/2021.

محمد بن عبو

خبير في المناخ والتنمية المستدامة رئيس المكتب الوطني لجمعية مغرب أصدقاء البيئة

Related posts

Top