الباحث الأكاديمي خالد أمين في ضيافة المكتبة الوسائطية التاشفيني

حل الأكاديمي خالد أمين يومه السبت 19 فبراير الجاري بالمكتبة الوسائطية التاشفيني، في لقاء مفتوح مع المهتمين بأبي الفنون، تحت عنوان “المسرح المغربي في محك التفكير العابر للحدود” بدعوة من صالون مازاغان للثقافة والفن، واسهام من وزارة الثقافة.
اللقاء كان فرصة قارب من خلالها الدكتور خالد أمين واقع الممارسة المسرحية عربيا، منطلقا من مأزق هذه الثقافة عموما القائم على تضارب أنساقها ومرجعياتها، هذا التضارب المنضبط لثنائية الإقصاء مقابل الاستحواذ التي أنتجت فكرا يروم ترسيخ المطابقة بدل تقبل الاختلاف ضمن ثقافة ملتبسة يشوبها الإغواء الإيديولوجي في علاقتها بالآخر وبالماضي، مما رسم لتطورها مسارين متناقضين، اختار أحدهما “التّأوْرُب” المطلق، فيما انكمش الآخر على ذاته وارتكن إلى الماضوية، ليخلص خالد أمين إلى أننا ملزمون بإعادة التفكير في هذين المسارين وفق منهج النقد المزدوج الذي أسس له عبد الكبير الخطيبي، لإنعاش هذه الثقافة وجعلها تنفتح على آفاق أرحب.
ثم انتقل إلى الحديث عن واقع الدراماتورجية الحداثية وما بعد الحداثية التي تتميز ممارستها بالالتباس في الغرب، ليؤكد أن الأمر يزداد التباسا في عالمنا العربي المصاب بتخمة تداخل الأزمنة (كلاسيكية-حديثة-ما بعد حديثة) نتيجة وضع كولونيالي/استعماري مفروض، لذلك وجدت حداثتنا المسرحية نفسها أمام مفترق طرق يسير بها في مسارين، أحدهما هو الغلو في تقليد الغرب، والثاني هو التشبث بالماضي، مما سلب المسرح العربي فرص التطور، وفوت عليه الاستفادة من الموروث الإنساني والمساهمة في تطويره، ويعزى فشل جل المشاريع التنظيرية في عالمنا العربي في هذا السياق إلى ارتهانها بالمطلق والاعتقاد بامتلاك الحقيقة المودي حتما إلى التعصب، وعلى عكس الممارسة التنظيرية سارت الممارسة المسرحية الركحية في طريق مغاير للتنظير، بابتكار أشكال مغايرة للنماذج الغربية بالرغم من تكرارها أحيانا بشكل مختلف، الأمر الذي أفرز ممارسة مسرحية ديكولونيالية تقوم على الخبرة الحسية بدل الجماليات، وهي الخبرة التي تقف بمواجهة الجماليات الحديثة وابدالاتها المهيمنة، وتشكل أفقا للإقامة على الحدود بين الأنا والآخر بعيدا عن التمركز.
بالحديث عن الحداثة الكولونيالية أوضح خالد أمين الحداثة الغربية، لم تكن ممكنة دون الاستعمار، وفي هذا الصدد ينبغي التمييز بين الاستعمار بالجيوش الذي انتهى مع قيام الدول الوطنية بعد تحررها، وبين الاستعمار الممتد الذي اتخذ مسميات جديدة، والمسرح جزء لا يتجزأ من هذا التصور، لأنه استقدم إلى العالم العربي مع الجيوشبنوايا غير بريئة كما تجلى في حملة نابليون بونابرت، ومن هذه الزاوية يصعب التمييز بين الحداثة وبين الاستعمار بوصفهما وجهان لعملة واحدة، فكل ما رافق ترسيخ كيان المستعمر في المستعمرات أفرز اجتثاثا للثقافات المحلية وتصنيفها في خانة الفولكلور، بل”إن قتل الآخر وماضيه أصبح أمرا ضروريا بالنسبة للغرب الساعي إلى السيطرة على العالم، لكي يتمكن من التوسع خارج حدوده”، كما يقول الخطيبي، وهكذا أدخلت التقاليد المسرحية الأوربية بوصفها وسائل ناجعة لإلحاق الشرق بالغرب المتمركز جول ذاته.
بالعودة إلى الديكولونياليين الجدد أوضح خالد أمين أن نظرتهم إلى الثقافة اليونانية هي نظرة مشككة في التسليم بأنها منشأ التراجيديا الاوربية، لأنها مجرد سرد محلي واكب سرودا محلية أخرى لم تجد فرصة لتبصر النور بسبب مركزية المشروع الأوربي التوسعي، فأقبرت كل تلك السرود المحلية وخضعت لمركزية النظرة الأوربية إلى الفن.
وفي مقاربته للمسرح العربي ومأزق المرجعيات، اكتفى خالد أمين بمشاركة الحاضرين مجموعة من تساؤلاته في الموضوع تاركا أجوبتها مفتوحة، فتساءل مثلا كيف يتسنى للمرء أن يفكر بطريقة عابرة للحدود؟ إذا كان من الصعب في الحقبة الراهنة التمييز حتى بين الاختلافات الثقافية؟ ألم يحن الوقت بعد للاهتمام بالتفاعلات المسرحية شرق غرب وشمال جنوب؟ أ معزول هو المسرح العربي والمغربي عما يقع في العالم اليوم، أم أنهما جزء من المسرح الكوني؟ ألم يسبقنا الغرب بالثورة على ركح الصالة والدعوة بطرق مختلفة لعودة المسرح إلى بداياته الأولى كما في دعوات آرتو، وبرشت، وكروتوفسكي، وباربا، وغيرهم…؟ألم يحن الوقت لتعميق الحوار جنوب/ جنوب مسرحيا؟هل بإمكان الحساسيات المسرحية الجديدة في عالمنا العربي أن تطرح أسئلتها حول تطلعاتها وتناسجاتها مع أطرافها في ظل عالم معولم؟هل بإمكاننا فرض خصوصيتنا مع الحفاظ على حظوظنا في الانخراط في الكونية؟
وبالحديث عن دراماتورجيا الهجنة بوصفها “تلك اللحظة التي ترتبك فيها المركزية الغربية عبر تكرير واستنساخ النموذج المسرحي الغربي بشكل مختلف”، أوضح د. خالد أمين أن العالم العربي يوجد في وضع ثخومي ملتبس فهو بين تقاليد حاضرة بقوة في حياتنا ووعود بالحداثة يتطلع إليها الجميع، ولطالما تحدثنا في وضعنا هذا عن دراموتورجيا تناسبه بوصفها مزج بين تقاليد الأنا، والآخر، ومزج بين الأزمنة وتمثل لها في الآن نفسه، إنها تموقع بين بوابة الشرق الرافض للامتداد وبوابة الغرب التي ترفض الانفتاح على مصراعيها، ومع ذلك ينظر إلى الهجنة والهجين بوصفه ذلك الذي لم يعد ينتمي إلى جنسه، مما يشوش على اعتبارها لحظة مفصلية في مسار إرباك الحالة الاستعمارية.
المطلوب حاليا هو تجاوز وضعية الهجنة واستثمار الخبرات والتراكمات التي حصلها المسرح العربي والمغربي، من منظور التفكير العابر للحدود وهو التفكير المنفلت من قبضة مركزية الغرب بالدرجة ذاتها التي يحاول بها الانفلات من مركزية الشرق.هنا يبرز دورالخطيبي ومشروع النقد المزدوج، الذي يرى أن السبيل للتخلص من أعباء الميتافيزيقيا بشتى تمظهراتها العربية والغربية الباحثة عن الأصل والحق الخالص هو خلق المسيخ أو المشوه الدخيل لكن ليس بالمعنى الأخلاقي وإنما بمعناه الفني، تشويشا على الوحدة الوهمية، ووحده الفن العابر للحدود يظل قادرا على تحقيق هذا الانفلات.باختصار إن الممارسة المسرحية العربية منذ نهاية الستينيات انطلقت من تجربة الهجنة المسرحية، حين نقلت فرجات الساحات، والفرجات الشعبية إلى خشبة المسرح منذ مسرحية سيدي عبد الرحمن المجذوب، للطيب الصديقي الذي فكر في المسرح انطلاقا من إبدالين متغايرين، هما الفرجة الشعبية ومسرح الخشبة الإيطالية.
ختاما، تعتبر تجربة خالد أمين في مجال المسرح تجربة مميزة، تستمد فرادتها كما ألمح إلى ذلك كل من محمد زيطان ضيف اللقاء ومحمد جليد مسير اللقاء، من الأسئلة الإشكالات التي تثيرها، كما أنها تجربة ممتدة زمنية من شكسبير إلى التجارب المسرحية الراهنة، تجمع ما هو محلي وقطري وكوني، متابعة ونقدا وتنظيرا.

< متابعة: رشيد بلفقيه

Related posts

Top