البرهان يرسم ملامح دور الجيش السوداني مستقبلا

بعث رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، بمجموعة من الرسائل لطمأنة للمواطنين، الاثنين، بعد مرور عام على توقيع الوثيقة الدستورية، وسط أجواء سياسية مشحونة على وقع تأخير السلام وجمود خطوات استكمال مؤسسات الحكم، وتذبذب خطوات السودان الخارجية، ما انعكس غليانا في الشارع.
وقال البرهان لدى مخاطبته ضباطا وضباط صف وجنود القوات المسلحة بمنطقة وادي سيدنا العسكرية بأم درمان، إن “هذا الحشد هو رسالة للشعب بأن القوات المسلحة تقف معه وليست ضده وداعمة لثورته المجيدة وتضحياته، ولن تخذله، ولن نسمح لأي جهة بأن تستغل دماءه وجهده لصالحها”.
واستخدم رئيس مجلس السيادة مصطلحات توحي بقوة الجيش السوداني على مجابهة التحديات وحماية الثورة والبلاد، وأنه سيقف “شوكة” في حلق كل من يريد سرقة الثورة، ومصمّم على الوصول إلى سلام مع من كانوا يقاتلونه في السابق.
ويرى مراقبون أن الخطاب هدفَ إلى رسم ملامح مهمة المؤسسة العسكرية في المستقبل، باعتبارها ركيزة تحقيق الأمن والسلام والدفاع عن الحدود، وأن الدور المحوري للجيش ضامن رئيسي للثورة من مواجهة إخفاقات تتعرض لها، ومظلة ضرورية لحماية الفترة الانتقالية، مع تصاعد وتيرة الأزمات الاقتصادية والسياسية.
وجاءت الإشارات حاسمة للقوى الصاعدة، التي تتواجد في جوبا، ممثلة في الحركات المسلحة، وتحديدا الحركة الشعبية شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو التي رفضت رئاسة الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) وفد التفاوض معها، وتصر على نقلها لمسؤول من الحكومة.
وألمح بطرف خفي إلى أن القوى المدنية الفاعلة في الشارع، وعلى رأسها لجان المقاومة، تحاول توسيع دورها الأمني على حساب القوات النظامية.
وتتباعد القوتان على نحو كبير عن المؤسسة العسكرية، ولا تمتلكان الثقة الكافية في التعامل معها كحامية للدولة، ووجهتا انتقادات حادة لها ولبعض قياداتها، توحي بالرغبة في تفكيك قوات الجيش، وهو ما رفضه البرهان بشكل قاطع.
وجاء خطاب البرهان في وقت تصاعد فيه الحديث عن إعادة هيكلة الجيش، ودمج عناصر الفصائل المسلحة فيه، مع استمرار مفاوضات الوفد الحكومي مع الجبهة الثورية بشأن الترتيبات الأمنية الخاصة بعملية السلام.
وأراد قائد الجيش السوداني تحصين نفسه من حملات تشكيك طالته مؤخرا، حيث اعتبر البعض أن تقاربه مع مصر ينطوي على تفريط في مثلث حلايب وشلاتين المتنازع عليه، وردّ على تلك الاتهامات قائلا “إن الجيش لن يفرط في شبر من أرض السودان، وأنه لا تراجع عن السير في هذا الطريق حتى يتم رفع علم السودان في حلايب وشلاتين وفي كل مكان من السودان”.
ولا تتوقف إشارة البرهان عند مصر، بل هدفت إلى توصيل نفس الرسالة إلى أديس أبابا، والتي تجدّد معها خلاف حول منطقة الشفقة الحدودية، بعد أن كثّفت عصابات الشفقة الإثيوبية أنشطتها على الحدود بين البلدين.
ويقوم رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بزيارة رسمية للخرطوم الثلاثاء، حيث من المرجح أن يبحث خلالها الخلافات الحدودية إلى جانب أزمة سد النهضة، وللمفارقة فإن هذه الزيارة تتزامن مع زيارة لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى الخرطوم.
وقال المحلل السياسي شوقي عبدالعظيم، إن الاستفاضة التي تحدث بها البرهان في خطابه تشي بأنه انتظر مناسبة للبوح بالكثير من التفاصيل في الهواء الساخن، وأخرج التباين الخفي مع الحكومة إلى العلن، لاستمالة قوى الثورة الفاعلة الآن في الشارع إلى الجيش عبر توجيه اتهامات للمدنيين بالفشل، غير أنه قد لا يحصل على نتيجة إيجابية جراء المرارات السابقة التي مرت بها علاقة الجيش بالشارع.
ويريد رئيس مجلس السيادة أن يحافظ على تماسك الجيش وإبعاده عن محاولات القوى المدنية تعليق فشلها على شماعته، بعد أن تفَرغت للمحاصصات السياسية في ما بينها.
وتخطت قوة خطاب البرهان العبارات الدبلوماسية التي كانت دائما تزيّن كلام قيادات المرحلة الانتقالية بشأن التوافق ودفء العلاقات، في تأكيد جديد على أن القوات المسلحة لن تسمح بأن يلعب معها أحد بالنار، وعازمة على الرد بصراحة على أي اتهامات موجهة لها في سبيل الحفاظ على هيبتها.
واتهم البرهان جهات، لم يسمّها، بتعليق فشلها على سيطرة شركات واستثمارات القوات المسلحة على مفاصل الاقتصاد، قائلا “عدم وضوح الرؤية عند القائمين على أمر الاقتصاد، ووجود أجندات أخرى لدى بعض الجهات السياسية هو من يقف وراء ترويج إشاعة تحكم القوات المسلحة في مفاصل الاقتصاد القومي”.
وبدا واضحا أن إشاراته تأتي ردا على خطاب رئيس الحكومة عبدالله حمدوك، السبت، والذي أرجع فيه تردي الأوضاع الاقتصادية إلى منظومة الشركات التابعة للقطاع الأمني والعسكري باعتبارها لا تخضع لوزارة المالية، وأبدى رغبته في استعادة الشركات التابعة للقطاعين لأنها تشكل أهمية قصوى لإنقاذ الاقتصاد.
وأوضح الكاتب والمحلل السياسي خالد التيجاني، أن المكون العسكري في مجلس السيادة تعامل مع تحميل حمدوك مسؤولية فشل الاقتصاد لشركات الجيش على أنه جزء من مخطط تفكيك القوات المسلحة، لذلك جاءت ردة الفعل قوية ومباغتة، وتلك اللغة استهدفت تثبيت أركان الجيش كطرف رئيسي في المعادلة السياسية بالسودان.
وأشار لـ”العرب”، إلى أن البرهان استغل الانشقاقات المتتالية في صفوف المكون المدني للتأكيد على صلابة وتماسك العسكريين، ما يجعله الطرف الأقوى حاليا، كما هدف إلى تذكير المواطنين بأن الجيش ليس له دور تنفيذي على الأرض، وأن الحكومة هي من تتحمّل مسؤولية هذا الفشل.

Related posts

Top