البشير يوزع الوعود الاقتصادية ويتجاهل الإصلاحات السياسية

تعهد الرئيس السوداني عمر حسن البشير، أول أمس الأحد، في جولته الميدانية السادسة منذ دجنبر الماضي، بالعمل على تطوير المناطق الريفية، مظهرا ثقة متزايدة في إمكانية تجاوز الأزمة التي تعصف بالبلاد، خاصة مع انحسار زخم الاحتجاجات في الأيام الماضية.
ويتحرك الرئيس الذي أمضى ثلاثة عقود في السلطة لحشد أنصاره في البلاد في مسعى لاحتواء التظاهرات التي شكلت أكبر تهديد لحكمه، حيث أنها المرة الأولى التي ينجح فيها الحراك في ضم شرائح واسعة من المجتمع السوداني ومن قوى سياسية بعضها كان لوقت قريب حليفا وثيقا للنظام القائم.
وعلى خلاف الاحتجاجات السابقة التي طبعت مسيرة السودان منذ تولي البشير سدة الحكم، فإن المظاهرات الحالية تعد الأطول زمنيا، حيث أنها تتجه لدخولها شهرها الثالث. وتعهد الرئيس السوداني خلال تجمع في ولاية شمال كردفان تم بثه عبر التلفزيون بتوفير مياه شرب نظيفة في المناطق الريفية في أنحاء السودان وفتح مستشفى جديدا في المنطقة.
ويأتي الخطاب في أعقاب تدشين طريق سريع طوله 340 كلم يربط شمال كردفان بأم درمان. وقال البشير بعدما رافقه العشرات من الرجال الذين كانوا على متن جمال إلى المنصة إن “بناء طريق كهذا ليس أمرا سهلا في ظل ظروف السودان”. وأضاف “مع هذا الطريق سنأتي بشبكة كهرباء لإنشاء بنية تحتية للتنمية”. وبعد ساعات، توجه البشير إلى حشد آخر حيث دعا الشباب والنساء للمساعدة في تنمية البلاد.
وقال البشير، وهو يتحدث إلى حشد آخر في قرية سراج بولاية شمال كردفان، إن “الشباب الذين فتحنا لهم الجامعات عليهم الاستعداد ليواصلوا المسيرة ويبنوا السودان الجديد”.
ويشهد السودان منذ 19 ديسمبر موجة غضب تنديدا بتدهور الأوضاع الاجتماعية على خلفية قرار الحكومة ترفيع سعر الخبز إلى ثلاثة أضعاف، واتخذت الاحتجاجات في ما بعد بعدا سياسيا ترجم في شعار “ارحل بس” في إشارة إلى الرئيس البشير.
ويشير مسؤولون إلى أن 30 شخصا قتلوا في العنف الذي رافق التظاهرات بينما تفيد منظمة “هيومن رايتس ووتش” أن عدد القتلى بلغ 51 شخصا على الأقل. وأدى الحراك إلى اهتزاز الائتلاف الحكومي حيث أعلن حزبا الاتحادي الأصل، والأمة الفيدرالي في يناير الجاري خروجهما من الائتلاف، وسط انقسام حاد في صلب الحركة الإسلامية بين دعم البشير أو ركوب موجة الاحتجاجات.
ويرى مراقبون أنه رغم تمترس قوى المعارضة المدنية والنقابية خلف دعم الحراك وتغذيته مع انضمام أطراف إسلامية محسوبة على السلطة، إلا أنه من الصعب التكهن بمآلات الحراك الذي تراجع نسقه خلال الأسبوع الماضي بشكل واضح.
وتقول أوساط سياسية معارضة إن إمساك البشير بنفسه زمام الأمور منذ البداية مراهنا على دعم قوى صلبة مثل المؤسسة العسكرية وبعض الأطراف المؤثرة في المجتمع على غرار شيوخ الصوفية، لعب دورا على ما يبدو في تراجع هذا النسق. وتلفت هذه الأوساط إلى أن هناك خشية لدى القوى الداعمة للحراك من إمكانية نجاح النظام في احتواء هذه الموجة دون النجاح في استثمارها بالحد الأدنى سياسيا.
وركز البشير في خطاباته الموجهة للداخل على تقديم وعود بمعالجة الوضع الاقتصادي والاجتماعي دون أن يشير ولو تلميحا إلى إمكانية تنحيه عن السلطة أو إدخال أي إصلاحات على المنظومة السياسية القائمة، ويتهم القوى التي تدعم الاحتجاجات بـ“المتآمرة” و“العميلة”، مصرا على أن التغيير هو أمر لا يمكن أن يتحقق إلا عبر صناديق الاقتراع.
ويفكر الرئيس الذي تولى السلطة عبر انقلاب دعمه الإسلاميون في 1989 في الترشح لولاية جديدة في الانتخابات المقبلة العام القادم، ولا يبدو أنه بوارد تعديل موقفه على ضوء الحراك. ونفى القيادي بالمؤتمر الوطني السوداني عباس عبدالسخي وجود أي اتجاه داخل الحزب الحاكم لعدم إعادة ترشيح الرئيس البشير في الانتخابات المقررة في العام 2020.
ووصف عبدالسخي، لصحيفة “الجريدة” السودانية في عددها الصادر الأحد، ما يثار بشأن ذلك بأنه مجرد شائعات، مقللا مما أثير بأن الوطني سيستجيب للضغوط الدولية خاصة الأميركية ولن يقدم البشير كمرشح له في انتخابات الرئاسة.
وقال “لا علاقة لأميركا بالانتخابات في السودان”، مضيفا “الولايات المتحدة تفرض علينا حصارا منذ سنوات طويلة”. ونفى وجود أي تحركات تجرى حاليا داخل الحزب لاختيار بديل للبشير للدفع به في المؤتمر العام القادم للحزب الذي ستتم فيه إجازة مرشح الرئاسة بصورة نهائية عقب إجازة موتمر شورى الوطني له.  وأكد عبدالسخي أنه حال بدء مثل تلك التحركات فعليا فسوف يتم الإعلان عنها، مشددا على أن قرار اختيار مرشح الرئاسة هو قرار مؤسسات وليس أفراد.
ويرى مراقبون أن قرار حزب المؤتمر الوطني الحاكم بشأن ترشيح البشير يبقى رغم النفي رهين التطورات المقبلة وقدرة الأخير على امتصاص الاحتجاجات. ويشير المراقبون إلى أن الرئيس السوداني حتى وإن تمكن من تجاوز الأزمة بيد أن وضعه سيبقى هشا على ضوء عمق التحديات التي تواجهه، وغياب حلول جذرية لإنهاء الأزمة الاقتصادية. ويعاني السودان من أزمة اقتصادية مستفحلة يغذيها نقص حادّ في العملة الأجنبية وانكماش متصاعد أدى إلى مضاعفة أسعار الغذاء والدواء.

Related posts

Top