التاريخ.. رؤى متعددة وليس مجرد حقائق

خلال حرب روسيا الاتحادية على أوكرانيا، تعددت الأوصاف والنعوت التي قدمها الرئيس الأمريكي بايدن في وصف الرئيس الروسي بوتين.. فمن قاتل إلى جزار إلى مجرم حرب.. كلها أوصاف قدحية، دموية ورهيبة. ورغم ذلك، فإن قارئ التاريخ في المستقبل، قد يقرأ سيرة بوتين باعتباره الزعيم الوطني البطولي الذي أعاد أمجاد روسيا ووضعها على قدم المساواة مع دركي العالم الولايات المتحدة الأمريكية.

يمكن أن يحدث هذا إذا نظرنا للتاريخ بعيون روسية وقرأناه مترجما عن اللغة الروسية. هكذا هو التاريخ، متعدد الرؤى. والأمر يتوقف على النافذة التي تطل منها والزاوية التي تتخذها للرؤية.

في أوزبكستان، إذا تحدثنا عن القائد المغولي “المسلم” تيمورلنك الذي حكم بشريعة وثنية  وروع المسلمين وتسبب في تدمير الدولة العثمانية، سيقول البعض بأن تيمورلنك كانت له مكانة مهيبة في قلوب الناس وينظرون إليه باعتباره بطل الأمة الأوزبكية. وعلى النقيض، فإن ذكر اسمه عندنا، يقترن بكل البطش والبشاعة الدموية. فقد غزا القائد المغولي تيمورلنك حلب  وأحرقها بالكامل واقتحم دمشق وألحق بها الخراب واحتل بغداد وقتل مئات الآلاف من سكانها.

ولا يختلف الأمر كذلك حينما ينظر إلى فرناندو الثالت ملك قشتالة الذي استطاع أن يبسط سيطرته وقوته على إسبانيا المسيحية وإسبانيا الإسلامية. فقد حارب فرناندو الثالت المسلمين خلال القرن 13 وألحق بهم هزائم ثقيلة وفادحة ونجح في الاستيلاء على عدة ممالك ومدن كانت قد شكلت إسبانيا المسلمة مثل قرطبة، إشبيلية والميرية ومورسيا. وحسم الصراع إلى زوال الدولة العربية في الأندلس بسقوط غرناطة.

ولا شك في أننا عندما نقرأ التاريخ الذي تركه لنا المؤرخ  الابار عن تلك الفترة، لابد أن نشعر بالغضب والكراهية للملك فرناندو الثالت الذي أحرق الزرع وقتل الأسرى  المسلمين ونهج سياسة الأرض المحروقة. لكن الإسبان، عندما ينظرون لنفس الرجل أي المؤرخ، فبكل الحب والفخر لدرجة إنزاله منزلة القديسين. الأمر إذن، يتوقف على صالحك الشخصي وعلى المعسكر الذي تقف فيه لتحكم على الأشخاص والوقائع من منظورك الخاص.. وعليه، فإن تاريخ العالم الذي بين أيدينا لا يتضمن حقائق، بقدرما يتضمن رؤى ووجهات نظر. أما كتاب التاريخ المحايد، فإنه لن يوجد إلا إذا كتبه مؤرخ من كوكب ٱخر

بقلم: خليل البخاري

أستاذ التاريخ والجغرافيا

Related posts

Top