لقد أضحى رهان الديمقراطية المجتمعية مطلبا ملحا إلى ضرورة وضع استراتيجيات مستقبلية تلبي الحاجيات الفضلى لكل المواطنين والمواطنات الذين يعانون من إقصاء أبناءهم من المؤسسات التعليمية بسبب حالتهم الجسمانية أو الذهنية أو الحركية، لكن جاءت المقاربة الدامجة أو ما يصطلح عليها بالتربية الدامجة التي عمل المغرب على تبنيها في نهاية التسعينات من القرن الماضي وإلى وضع مقاربة جديدة تضمن للأطفال في وضعية إعاقة الحق في الحصول على مقعد دراسي موازاة مع أقرانه في الأقسام الدامجة ضمن مسارات التعلم .
وفي إطار تفعيل هذه الاستراتيجية التربوية التي خصصت أقسام الإدماج لذوي الاحتياجات الخاصة، من أجل تهيئة وتيسير سبل الاستفادة من هذا المشروع المجتمعي لكل الفئات الهشة والتي تعاني من عزل داخل المجتمع بناء على حاجة تعيق سيرورة مواكبة التعلمات التي تقدمها المدرسة العمومية، وتوفير الفضاء المناسب لهؤلاء اليافعين أو من هم في سن التمدرس أو البالغين أو من لم يتلقوا تعليما نظاميا أو خاصا، لتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص والإنصاف، حيث نصت الرؤيا الاستراتيجية من خلال الرافعة الرابعة التي أقرت بتأمين الحق في الولوج إلى التربية والتكوين للأشخاص في وضعية إعاقة وذلك من خلال إدماجهم في المدارس دون أي تمييز، أخذا بعين الاعتبار كل الاختلافات النوعية من الإعاقة، مع ضرورة توفير الوسائل والمستلزمات الخاصة بهذه الفئات، عبر إلزام كل الفاعلين داخل المنظومة أو وضع مخطط وخارطة طريق للتربية الدامجة .
وفي هذا الإطار الدامج الذي يشمل تكامل كل المتدخلين والفاعلين الأساسيين وكذلك العدة البيداغوجية والديداكتيكية وأنظمة التقييم والدعامات والجانب التكويني لكل المدرسين من أجل أخذ الكفايات والمهارات الخاصة للتعامل مع المتعلمين والمتعلمات بالإضافة إلى توفير مساعدين للحياة المدرسية وتكييف الامتحانات وظروف اجتيازها مع حالات في وضعية إعاقة .
إن مسارات الدمج التعليمي، يتطلب تحويل بعض فضاءات الأقسام العادية في كل المؤسسات التعليمية، إلى أقسام دامجة للموارد بحيث يشرف على التأطير فيها مدرسون لهم زاد معرفي وتكويني خاص بهدف الدعم وتأهيل وتصحيح بعض الثغرات وتقويم كل النواقص، وإلى جانب هذا الحرص تطبيقي، وجب على هذه المؤسسات تقديم الخدمات الطبية وتتبع صحي صارم يستدعي من خلاله ترويض وتقويم للنطق وللحركة وعلاج أطياف التوحد ومواكبة ذوي الثلث الصبغي لكي ينخرطوا في المجتمع بشكل سلس ومرن، وإضافة إلى كل الأفعال الإجرائية، فإن ماهو نظري سيساهم في تزويدهم ببعض التقنيات البيداغوجية التي يستخدمها المدرب في دمج تعلماتهم مثلا (كلغة الإشارة؛ وتقنيات براين؛ اعتماد أنشطة الإيقاظ البيداغوجي لإكسابهم المعارف الأساسية، التي تمكنهم في الانخراط والتفاعل إيجابيا) .
إن المشروع البيداغوجي الذي يتوقف على ميكانزم الدمج يتم عبر تحديد أهداف مسطرة ينبغي الوصول إليها مع كل متعلم ومتعلمة داخل فصول الدمج، إذ ينبغي شحد تلك النواقص والعمل عليها بالنظر إلى احتياجاته ووضعيته الخاصة ولا يتوقف فقط عند المعارف بل يتجاوزه إلى تمكينه من الحصول على المهارات الحس الحركية، التي تساهم من التخفيف من إعاقته ولبناء المشروع البيداغوجي لكل فرد وجب الانطلاق من جمع المعطيات حول الطفل لتشخيص النقائص وتحديدها والاحتياجات الأساسية، ثم العمل على انتقاء المضامين والأنشطة الملائمة لخصوصية المتعلم ونوعية الإعاقة، مع وضع برنامج وصيغة أولية للمشروع بحيث سيساهم في بلورة العمل مع الأطر التربوية والشبه الطبية وكل الفاعلين المعنيين بمبادئ التربية الدامجة، ثم تأتي مرحلة المناقشة للمصادقة على المشروع من قبل المؤسسة الحاضنة والتنفيذ يبقى على عاتق المؤطر التربوي .
إن التربية الدامجة هو مشروع مجتمعي شامل يستوجب انخراط جميع أطياف المجتمع لإعطاء دفعة قوية له عن طريق إرساء مشاريع متنوعة بدءا بمشاريع الأكاديمية مرورا بمشاريع الجمعية والأسرة ثم مشاريع المدرسة والقسم انتهاء بالمشروع التربوي الفردي للمتعلم.
بقلم: هريدة محمد
باحث تربوي