الترجمة الأمينة الخيانة والخائنة الأمانةالترجمة الأمينة الخيانة والخائنة الأمانة

-6-

“علم آدم الأسماء كلها” ولكن بني آدم أصبحوا يخطئون فيها نطقا وكتابة.
وما انفكوا يغلطون ويخلطون حابلا بنابل ويحطبون بليل ويخبطون خبط عشواء في رسم الأعلام الأجنبية والأسماء الأعجمية كلها تقريبا. وقد سلكوا فيها مذاهب شتى، فنطقوها وكتبوها بصور مختلفة عن نطقها في لغتها، وبطرق مرتجلة، وبلا قواعد ثابتة، وبذوق غير سليم، وبمنطق غريب، وبفوضى عارمة، وبلغة غير مستساغة، وبعربية عشوائية، لا شرقية ولا غربية، وبأصوات مستثقلة، وأشكال مستهجنة، لا أشباه لها ولا نظائر ربما لدى أي شعب مختار سوى عند خير أمة أخرجت للناس.
وقد بلغت من شدة الإغراب في الإعراب إلى درجة أن أعلام مشاهير الأساطير لو عرضت عليهم أسماؤهم وألقابهم في لغة الضاد مكتوبة ومسموعة ومرئية لما عرفوها.
وفي مصنفات ومؤلفات العظماء القدماء المحترمين من النقلة والمترجمين الملمين والمتكلمين بألسنة أهل الجنان والنيران الحادة الأسنة المبينة والهجينة ما لا يعد ويحصى من الأعلام الأجنبية والأسماء الأعجمية المعربة والمنسوخة والممسوخة والمحرفة والمختلفة الصور والأشكال، ومن ذلك القبيل على سبيل المثال والسؤال: ماذا يمكن أن تقول ملكة مصر الخلاسية الحسناء السميراء والحميراء، لو سمعت النداء بأسمائها الحسنى على الوجه التالي: “قلبطرة! قلاوفطرا ! كلبطرة
!” ! كلوبطرة ! كلابطرا ! كلابطرة
و”من التحريفات المضحكة ما ورد على اسم فيليب المقدوني والد الإسكندر فتراه محرفا وممسوخا إلى هذه الصور: فيلقوس، قيلبوس، قنلتوس، فيلثوس، فيلتوس.”! -فن الترجمة في الأدب العربي لمحمد عبد الغني حسن ص 218-
وما إلى ذلك من شتى التحريفات المضحكة التي طالت تعريب ورسم أسماء العظماء، وألقاب الملوك والسلاطين، وأرباب وآلهة الأساطير وأعلام مشاهير الشعراء والفلاسفة مثل “فلاطن” و “رسطاليس” حتى على لسان الرفيق المعلم العظيم أبي الطيب المتنبي:
من مبلغ الأعراب أني بعدها
شاهدت “رسْطاليسَ” والأسْكنْدَرا؟
وهكذا دواليك من ” رسطاليس ” إلى ” أفيروييس”-ابن رشد- وأفيسين- ابن سينا- ظلت حركة الترجمة المباركة النقل والنسخ والمسخ والتعريب و التغريب و”التخريب” متروكة -حتى هنا والآن- لأهواء وأذواق وأمزجة النقلة والمترجمين المحترمين الأقدمين والمحدثين المشكورين والمعاصرين المقدَّرين، ولا تزال هذه الحركة كما كانت مباركة النقل والترجمة والتعريب ومتروكة لحالها ومآلها وجهلها بعلمها وفنها وجمالها طوال عصور “الجاهليات” الباليات والتاليات والحاليات، وما برحت بحاجة ماسة وملحة إلى الدراسة والمأسسة والتأصيل، على الأقل، في ما يخص كتابة الأعلام الأعجمية ورسم الأسماء والكلمات والأصوات والمصطلحات الأجنبية وفقا لمبادئ واضحة وقواعد ثابتة وطرق جيدة صحيحة وموحَّدة وحديثة وجديدة.
يتبع
في إصدار جديد يعرض قريبا، بعنوان
.”من دروس الأدب الروسي”

> بقلم: إدريس الملياني

Related posts

Top