الثراء: أزمة تدبير وضعف رقابة

بات من الواجب وضع سقف للغناء، والتدقيق في مصادر ثراء البعض، بعيدا عن كل مظاهر التجارة والاستثمار القانونيين. والتحقيق بدقة في الثراء الفاحش والسريع والغامض لمجموعة من الموظفين الحاليين والسابقين، وكذا بعض العاطلين ومنعدمي الدخل القار. كما بات من الواجب وقف نزيف الاستثمار الفاحش والفاسد في التعمير والعقار. والتدقيق في كل التراخيص التي تشرف عليها لجن الاستثمار والوكالات الحضرية والعمالات والولايات ومجالس المنتخبين..
فلا يعقل أن تحتكر الثروة من طرف أقلية داخل بلد يعاني الفقر والبطالة. قد نكون أحسن حالا من عدة بلدان. لكن هذا الحال لن يستمر في حالة استمرار نزيف المال والعقار. ويهدد مستقبل التنمية والاقتصاد بالمغرب. كما بات من الواجب فرض ضرائب خاصة بالأثرياء.
إن استمرار (اللهط) و(الجشع) و(حب الثروة) لدى بعض المغاربة الذين لا تربطهم بالوطنية أي رابط. ولا يعيرون اهتماما لفقراء البلد ومستقبل سكانها، يهدد الاستقرار الأمني والغذائي والتنموي بالمغرب، وينذر بانهيار المعيشة لدى فئة عريضة من الشعب.لأن هؤلاء يتغذون برأسمالية لا وجود لها على أرض الواقع. فالرأسمالية تفرض الوضوح في المعاملات التجارية والخدماتية. وتفرض التطبيق الحرفي للقوانين، والإنصاف الفوري والسريع لذوي الحقوق.. كما تفرض الالتزام والمسؤولية. وليس الاعتماد على مداخيل سرية وسلك طرق مشبوهة واعتماد أساليب الغش والمراوغة والتهرب الضريبي والتملص من التزامات الدولة..
بات من الواجب معرفة مصادر أموال هؤلاء الأثرياء المتخفين وراء مشاريع واهية لا مداخيل لها. مشاريع يضعونها ك»فيترينا» من أجل غسل أموالهم المتعفنة. بات من الواجب محاربة السواد بكل تجلياته، وفرض الالتزام بالوضوح والتقيد بالقوانين المنظمة للمعاملات التجارية والخدماتية، بعيدا عن الأسواق السوداء من قبيل (الرشاوي والإكراميات والمحسوبية والزبونية و..).
بات من الواجب فرض الإجابة على سؤال «من أين لك هذا ؟»، على العديد من الأشخاص في صفوف كل القطاعات العمومية والخاصة، ومعهم الأشخاص العاديين، الذين تحولوا هم وزوجاتهم وأبنائهم وبناتهم بقدرة قادر إلى أصحاب أملاك وعقارات وأرصدة مالية. يقتنون الأراضي والعقارات بكل المناطق المغربية. يوزعون ثرواتهم على شكل مشاريع واستثمارات هنا وهناك لكي لا يتم رصدها.  
 بات من اللازم تحريك محرك البحث على أرض الواقع (داخل البنوك والمحافظات العقارية والمكاتب الضريبية …). من أجل الوقوف على ما تعرضت إليه الحواضر ومحيطاتها القروية من استنزاف مالي وعقاري. وما تعرض له سكانها من إقصاء وتهميش وسرقات في واضحة النهار لأموالهم وكراماتهم ومصالحهم. بعضها باسم القانون. بات من الواجب إحصاء مالكي العمارات والفيلات والشقق والمقاهي والمحلات التجارية والخدماتية والضيعات الفلاحية والمصانع المرخصة والسرية والأراضي والمؤسسات التعليمية والتكوينية الخاصة و.. وتصنيفهم. للتأكد من أن غالبيتهم كانوا ينتمون أو (ينتمون) إلى أسلاك النفوذ بالمغرب، عملوا أو (لازالوا يعملون) كموظفين بدرجات مختلفة بوزارات مختلفة (العدل والداخلية ..)، أو عناصر من الأمن الوطني أو الدرك الملكي أو الجيش الملكي.
هناك ممثلين بالسلطة المحلية والمجالس المنتخبة وباقي الوزارات (حاليون أو سابقون)، من يتوفر على عمارات وشقق وأراضي غير مبنية، وأكشاك ومأذونيات.. استفادوا منها باعتماد نفوذهم. في وقت كان فيه مجموعة من سكان الصفيح يجدون صعوبة في الاستفادة من سكن بديل. وكان مجموعة من الشباب العاطل يأمل في كشك أو مأذونية أو محل تجاري. وهناك آخرين قضوا ولاياتهم في بيع أراضي الدولة عبر التجزيء السري، وتفريخ المساكن الصفيحية. والمتاجرة في الشواهد الإدارية، وفي مقدمتها شواهد السكنى.. والسمسرة والتلاعب في الأراضي المسترجعة وأراضي الأملاك المخزنية ورخص البناء..
بات من الواجب التأكيد على أن هناك من العناصر الأمنية والدركية والقضائية (قدامى وجدد)، من فاح عطرها. وأزكمت أنوف السكان. بالنظر إلى حالة الجشع المادي التي أصبحوا مدمنين عليها. راكموا ثروات مالية. أصبحوا لا يخجلون من الدخول في  أنشطة تجارية وخدماتية. بل منهم من تمكن من اقتناء أراضي بأثمنة بخسة، مستغلين جهل وخوف أصحابها. ومستغلين دخول البعض في دعاوي قضائية من أجل تقسيم الأرض (أراضي الشياع، الإرث..). أو من عمد إلى فتح أو كراء مقاهي ومحلات تجارية. مستغلين نفوذهم ووظائفهم.
سؤال «أين الثروة بالمغرب؟» الذي يطرحه بإلحاح الشعب المغربي، سبق وطرحه ملك البلاد محمد السادس في خطاب له بمناسبة الذكرى الـ 16 لتوليه عرش المملكة المغربية. ورد عليه في ذات الخطاب، بأن الثروة محتكرة بأياد أقلية. بعدما وقف على الفقر والهشاشة في صفوف معظم المغاربة. وأوصى الحكومة بفك هذه المعضلة. إلا أن بين الملك والشعب هناك الحكومة وباقي أجهزتها (التنفيذية، التشريعية، القضائية) التي يفرضها الدستور. فالحكومة ومعها البرلمان بغرفتيه تغرد خارج سرب الملك والشعب. وحان الوقت لتدبير الثراء بالمغرب وتقنين مصادره. وإحداث أنظمة ضرائبية ورقابية تحمي اقتصاد البلاد.

بقلم: بوشعيب حمراوي

[email protected]

Related posts

Top