الجزائر: شعب شقيق ونظام ماض في التضييق

الحلقة الخامسة: هذيان عبد المجيد تبون

كلما تذكرت مطلب «الاعتذار للشعب الجزائري الشقيق»، الذي يصر عليه الرئيس الجزائري الجديد، ردا على الأيادي المغربية المبسوطة من أجل فتح الحدود، وكلما تذكرت هذيانه طيلة فترة حملته الانتخابات الرئاسية، وحتى بعد فوزه بالرئاسة في انتخابات يرفضها الشارع الجزائري.. وإصراره على تهميش مطالب شعب مقهور، وفرض الاهتمام بقضية وهمية، لدمى وكراكيز صنعها النظام العسكري من أجل مضايقة جار كان أول من ساند ودعم استقلال الجزائر.. وكلما استمعت إلى تصريحاته الأخيرة عند زيارته لبن بطوش الرخيص أو عند حواراته الإعلامية المعدة مسبقا، ومدى انتقاده للنظام المغربي، وتودده للشعب المغربي، في محاولات يائسة من أجل إشعال فتيل انتفاضة كالتي بداخل بلده، كلما أحسست بهول المعاناة التي يعيشها الشعب الجزائري الشقيق تحت رحمة نظام مستبد يغرد خارج سرب التنمية والإنصاف، وأحسست بضرورة تقديم الاعتذار للأشقاء الجزائريين، ليس من أجل تبريرات تبون الواهية، ولكن بسبب عدم قدرتنا نحن المغاربة على التدخل من أجل نجدتهم وتخليصهم من قبضة مصاصي دماءهم.
أما كان الأولى أن ينصت تبون لنبض الشارع الذي يغلي. وأن يكفر عما ارتكبه النظام العسكري على مر العقود. بتقديم الاعتذار للشعب الجزائري، ودعم مطلبه الوحيد والأوحد، والمتمثل في العيش الكريم، في كنف دولة مدنية، تحكمها الديمقراطية والشفافية والانتخابات النزيهة. حيث لا مكان للعسكر وأسلحته التي استنزفت جزء كبيرا من ثرواته النفطية والغازية؟.
أما كان له أن يستمع لشعب الجزائر الحر الذي خاض أزيد من سنة من الاحتجاجات، وانتفض أزيد من 54 جمعة في وقفات ومسيرات المطالبة بالإنصاف. الشعب الذي جهر غير ما مرة بهوية الجهة التي يريد منها الاعتذار والتنحي والمحاسبة؟. أما حان له أن يجري استفتاء وطنيا، ليدرك أنه يراهن على قضية خاسرة ومرفوضة وطنيا. وأن الشعب يطالب بفتح الحدود من أجل لقاء الأشقاء واسترجاع ما ضاع من سنوات الفراق المفروض ؟.
قد يلعب فيروس كورونا دور المهدئ، للشارع الجزائري. بسبب التخوف من الإصابة به عند الازدحام. وقد يكون هذا الوباء «النقمة»، في طيته نعمة مؤقتة لتبون. لكنها نعمة ظرفية. تتيح للمحتجين استعادة أنفاسهم، وإعادة ترتيب أوراقهم من أجل تنفيذ ثورة حتى النصر. ومن أجل أن تصرف أموال النفط الجزائري في الغذاء والتنمية. لا أن تستعمل في توسيع دائرة العداء لشعب شقيق، وكرشاوي من أجل كسب مؤيدين وهميين لقضية مصطنعة. ولا أن تصرف في احتضان شعب وهمي بقيادة مأجورة. ولا في التسليح والتجنيد من أجل استعراض العضلات وتهديد جيرانه.
لابد من الاعتراف بأن على المملكة المغربية «حكومة وشعبا» الاعتذار للشعب الجزائري الذي كتب عليه الفقر والحصار الغذائي والصحي والثقافي.
كتب على الطفل واليافع الجزائري أن يتلقى مناهج وبرامج مزورة في التاريخ والجغرافيا والفكر الإسلامي. وأن يتغذى بأفكار استعمارية وعنصرية من توليف النظام العسكري.كتب على المواطن الجزائري أن يكتم حبه لأشقائه المغاربة، ويظهر رغم أنفه، عداء مجانيا إرضاء لنزوات نظام عسكري استبدادي. وكتب الإجهاض على حلمه في وطن مغاربي رحب، يتسع لكل الأشقاء بالمغرب والجزائر وتونس ولبيا وموريتانيا.
وجب الاعتذار للأشقاء الجزائريين، بالنظر إلى ما يعانون منه، من لامبالاة وتهميش لمطالبكم المشروعة. التي يسهل تحقيقها بالنظر إلى ما تختزنه بلادهم من ثروات نفطية وغازية. وكفاءات بشرية. مطالب كلما انتفضوا من أجل تحقيقها، يسارع النظام إلى فرض لفت اهتمامكم وشغلكم بقضية وهمية لشعب لا وجود له إلا في أجندات النظام. نظام يسعى دائما لتبرير عمليات صرف وتحويل أموالهم، وتبذيرها في التسلح و إنعاش قياديي جبهة الوهم. وشراء الذمم. وضخ جزء كبيرا منها في حسابات بنكية خارجية. يعيش شعب الجزائر الدولة الغنية بثرواتها النفطية والغازية، أوضاعا معيشية مزرية. حيث ارتفعت نسبة البطالة إلى أزيد من 14 %. توقع تقرير للبنك الدولي أخيرا، اتساع رقعة الفقر في الجزائر، وتوقع أن يسقط ربع سكان الجزائر تقريباً تحت عتبة الفقر. ارتفاع في أسعار المواد الغذائية المصنعة والخضر والفواكه، وحتى الوقود الذي تعتبر الجزائر من بين أكبر الدول المنتجة له.
فكرت للحظات في احتمال أن يراجع الرئيس تبون العائد من رحلة علاج ألمانية، مواقف النظام الجزائري المستفزة والمفضوحة، من قضية وحدة المغرب الترابية. وأن يكون لفيروس كوفيد 19، تأثير على الرئيس الجديد للبلد الشقيق. لكنني عدت لاستبعاد حالة الشفاء من الحقد الدفين للمغاربة. بعد أن تأكدت كما يعلم العام والخاص أن كل القرارات الجزائرية تطبخ داخل الثكنات العسكرية.

بقلم: بوشعيب حمراوي

[email protected]

Related posts

Top