الحاجة إلى أداء حكومي مختلف…

من المؤكد أن تداعيات زمن الجائحة وما نجم عنها من تبدلات في العالم، وأيضا تبعات الحرب الجارية اليوم بين روسيا وأوكرانيا، كلها تعتبر ظروفا دولية استثنائية موضوعية خلفت انعكاسات سلبية على أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية الداخلية، كما أن الجفاف صار واقعا فعليا عندنا، ويمثل أيضا تأثيرا سلبيا على حالنا التنموي والمعيشي…
وبقدر ما أن هذه العوامل مفروضة ولا يمكن تحميل الحكومة الحالية مسؤولية صنعها، فإن هذه الأوضاع الاستثنائية هي بالذات التي تفرض أن تكون لدينا حكومة سياسية حقيقية، وأن تكون قوية ومنسجمة وممتلكة للمصداقية وبعد النظر، وأن تكون قادرة على مواجهة مثل هذه الظرفيات المعقدة وإبداع الحلول الناجعة للمشاكل والمعضلات المطروحة أمام بلادنا وشعبنا.
اليوم هناك معاناة حقيقية للفئات الفقيرة والمتوسطة من شعبنا، وذلك جراء الغلاء وارتفاع الأسعار بالنسبة للمحروقات، وما ينجم عن ذلك من زيادات في أسعار النقل وخدمات ومواد أخرى، وهناك زيادات في ثمن الطماطم ومواد استهلاكية أساسية أخرى، فضلا عن ندرة بعض هذه المواد وخضوعها لمضاربات وابتزازات السماسرة…
وتأتي موجة الغلاء هذه، وسط معاناة قائمة أصلا عقب تضرر عدد من قطاعات الاقتصاد الوطني جراء تداعيات الجائحة، ومن ثم حرمان الكثيرين من عملهم ومصادر دخلهم…
كل هذا جعل الواقع المعيشي صعبا للغاية بالنسبة لفئات اجتماعية عديدة، وزاد الجفاف من تعقد هذه الظروف، سواء بالنسبة لسكان الأرياف والفلاحين أو لعموم شعبنا.
هذه الأوضاع الاجتماعية الصعبة نجمت عنها احتجاجات في عدد من المناطق، وأجواء غضب وسط شعبنا، وهو ما يفرض على حكومتنا ألا تبقى متمسكة بالصمم والخرس، وكأن شيئا لم يقع.
هناك قرارات استعجالية يجب أن تقدم عليها مثلا بالنسبة لأسعار المحروقات وما يرتبط بذلك بالنسبة لقطاع النقل أو خدمات أخرى…
وهناك قرارات مماثلة يجب اتخاذها بالنسبة لأسعار المواد الغذائية الأساسية وتأمين هذه المواد خلال شهر رمضان…
ثم هناك أيضا قرارات استعجالية يجب أن تشمل صغار الفلاحين وساكنة الأرياف بالدعم والمساندة لمواجهة آثار الجفاف، ولتخفيف معاناتهم مع ندرة الماء، ولتحسين ظروف عيشهم.
وعلى هذا المستوى، يجب أن تمتلك الحكومة وأغلبيتها الشجاعة والإرادة والقدرة لإبداع الحلول الفورية المطلوبة وفرضها في الواقع، والإنصات للناس، وتمتين الحضور السياسي والتواصلي للشرح والتوعية والتفاعل، وكل ذلك من أجل حماية جبهتنا الداخلية الوطنية، وتقوية استقرارنا الاجتماعي.
في عالم اليوم، وبالنظر لكل المخاطر المحدقة بنا حاليا ومستقبلا، تعتبر الجبهة الداخلية أساسية، ولا بد من تمتينها، ولن يتحقق ذلك دون حكومة قوية وذات مصداقية، وتستطيع الخروج للحديث مع الشعب المغربي، وتعمل بشراكة وتعاون مع مختلف الهيئات الوطنية.
تحولات العالم أبانت عن ضرورة قيام الدولة بمسؤوليتها الاجتماعية، ومن هنا عمق الورش الملكي المتعلق بالحماية الاجتماعية، والذي يجب أن يكون أولوية وطنية لتطوير شروط عيش شعبنا وتحقيق العدالة الاجتماعية وكرامة المواطنات والمواطنين.
ولهذا، فإن الحكومة، وعلاوة على القيام بأدوارها الذاتية، لا بد من تعبئة الفاعلين الاقتصاديين الخواص، وذلك ضمن تعبئة وطنية لصيانة السلم والاستقرار الاجتماعيين، ولتحفيز المقاولات الوطنية، في مختلف القطاعات، لاستعادة الدينامية التنموية وحماية مناصب الشغل.
ويفرض الأمر كذلك خروج الحكومة من منغلقات التردد والتلكؤ والالتباس، واعتماد الوضوح والحسم في العلاقة مع مختلف الفاعلين الوطنيين لإشراكهم والإنصات إليهم والتفاعل الإيجابي معهم، كما يستوجب الأمر مباشرة إصلاحات استراتيجية أساسية وعدم إغفالها، من قبيل: المحروقات، النقل، الإصلاح الجبائي والعدالة الضريبية، التغطية الصحية والحماية الاجتماعية، الشغل، تمويل الاقتصاد….، وكل هذه القطاعات وسواها تفرض الأوضاع الاستثنائية والخاصة، الوطنية والدولية، الانكباب عليها اليوم وعدم التأخر فيها.
الحكومة الحالية لم يعد من حقها اليوم الاستمرار في الانتشاء بنتائجها الانتخابية وأغلبيتها الواسعة، ولكنها مطالبة بالوعي بأنها تتحمل المسؤولية التدبيرية ضمن ظرفية صعبة وخطيرة، وواجبها أن تتحمل مسؤوليتها، وأن تفكر في إبداع الحلول لمختلف المعضلات، والحرص على الحوار العمومي والإقناع، والسعي لصيانة الجبهة الوطنية الداخلية.
هذا هو دور الحكومة السياسية القوية، والتي يبقى واجبها الرئيسي هو أن تتحمل المسؤولية، وتواجه الصعاب، حتى غير المتوقعة، بشجاعة كبيرة.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top