الحاجة إلى السياسة

بعد اختتام الدورة البرلمانية الخريفية، واستكمال هيكلة مجلس النواب الجديد، وبعد مرور عام على انطلاق مسيرات واحتجاجات «20 فبراير»، وما شهده هذا الحراك من تطورات وتغيرات، يجدر بنا كلنا اليوم استعادة السؤال الجوهري المطروح على بلادنا ومجتمعنا، وهو المتعلق بالحاجة إلى… السياسة.
لا شك أن المآلات التي انتهت إليها المقاربة المبنية على التحكم في الحياة السياسية الوطنية، والسعي إلى تطويع وتهجين المشهد الحزبي المغربي وتهديد تعدديته، علاوة على ما يكشف عنه المحيط العربي يوميا من مآسي جراء غياب حياة سياسية وحزبية طبيعية، كل هذا ينبهنا، وللمرة الألف، إلى ضرورة الإصرار على دعم وتقوية منظومتنا الحزبية، وتأهيل حياتنا السياسية والمؤسساتية، وجعل السياسة مقترنة بوضوح الرؤى والأفكار والبرامج، وقائمة على المصداقية وعلى الأخلاق، ومبنية على التعددية وعلى استقلالية القرار والموقف.
لن تستفيد بلادنا شيئا من رسم التنظيمات الحزبية على الورق وفي الكواليس، ومن ثم الانطلاق إلى فرضها في الواقع، وتجميع من يجب أن يحمل بطائقها، ويتولى مسؤولية تدبيرها، فالسياق اليوم لم يعد هو السياق، والتحديات بدورها تغيرت، ولم يعد من المقبول أن ندفع البلاد في كل مرة إلى العودة إلى البدايات، وإلى تجريب طرق لن تقود إلا إلى الفشل.
وفي المقابل ستكون البلاد هي المستفيدة بالحرص على تعدديتها الحزبية والسياسية الحقيقية، وبوجود أحزاب قوية ذات تاريخ ومصداقية واستقلالية قرار، لأن هذه الأحزاب هي صمامات الأمان الحقيقية، وهي الضامن لتطور البلاد واستقرارها.
هنا المسؤولية ليست لدى الدولة وحدها، وليست في القوانين والأنظمة الانتخابية وميكانيزمات التمويل والدعم فقط، إنما أيضا في المواكبة الإعلامية والأكاديمية والتحليلية والنقدية لمسارات الأحزاب ولمواقفها ولبرامجها، وكذلك في حرص الأحزاب نفسها على نجاح مسلسلات تأهيلها الذاتي، وعلى تعميق الديمقراطية الداخلية والانفتاح وتحديث فضاءات الاستقبال بداخلها.
إن وجود أربعة أحزاب اليوم ضمن التحالف الحكومي الحالي، واتفاقها على منظومة تنسيقية وتشاورية يؤطرها ميثاق جرى التوقيع المشترك عليه وإعلانه للرأي العام الوطني، ووجود أحزاب جدية أخرى في صفوف المعارضة، أو خارج التمثيل البرلماني، من شأنه أن يساعد على تعزيز التفاعل السياسي داخل الساحة، ويغني الصراع الإيجابي المثمر، لكن هذا مرتبط أيضا بنجاح كل هذه الأحزاب في تمتين آلتها الداخلية، وبقدرتها على الانتقال إلى القضايا والأوراش المهمة المطروحة على بلادنا وشعبنا اليوم، وذلك بما يمكن من تمتين ارتباطها بالناس وبالشارع، وبقيادة الفعل السياسي والاجتماعي في الزمن المغربي الجديد.
البلاد في حاجة إذن إلى أحزابها الحقيقية والجدية، وهذه الحاجة تقتضي انخراط الكل في السعي إلى تحقيقها.

[email protected]

Top