ندرة للمياه وجفاف وفيضانات وحرائق للغابات وارتفاع مهول في درجات الحرارة كلها كانت كفيلة بإعلان حالة طوارئ مناخية بالمغرب. فبعد أقل من شهر من موجة الحرارة السابقة ارتفعت درجات الحرارة إلى مستويات عالية وبشكل استثنائي منذ الاثنين الماضي في المغرب وفي شبه الجزيرة الأيبيرية حيث تجاوزت مقاييس الحرارة 48 في المغرب و42 درجة وفي جنوب فرنسا. إن تكاثر هذه الظواهر هو نتيجة مباشرة للاحتباس الحراري، حيث إن انبعاثات الغازات الدفيئة تزيد من شدتها ومدتها وتواترها، ففي إسبانيا مثلا تم تسجيل 43.3 درجة مائوية كحد أقصى في كاندليدا الساعة 6:10 مساء، بينما بلغت 42 درجة في مدن جنوبية أخرى مثل إشبيلية، وتعتبر هذه الموجة الحارة الجديدة وهي الثانية في شهر بعد منتصف يونيو، موجة استثنائية للغاية بدأت يوم الأحد 10 يوليوز وقد تستمر حوالي الأسبوعين مما يجعلها واحدة من أطول ثلاث موجات حرارة التي يشهدها المغرب.
فاليوم يتسبب تغير المناخ في حدوث موجات حرارة أكثر تواترا ويزيد من شدتها حيث تضاعف عدد هذه النوبات خلال الاثني عشر عاما الماضية، بينما عاشت المنطقة المتوسطية المرحلة الأسوأ مناخيا بين الثلاثاء 12 يوليوز والخميس 14 يوليوز حيث ناهز المحرار 49 درجة مائوية في بعض المناطق بالمغرب، وتم تحطيم مقاييس الحرارة المطلقة المسجلة في إسبانيا والبرتغال. وعلى سبيل المثال مرت إسبانيا بخمس حلقات من درجات الحرارة المرتفعة بشكل استثنائي خلال الأشهر الأحد عشر الماضية حيث كان شهر ماي أكثر الشهور سخونة منذ بداية القرن. وبالإضافة إلى ارتفاع درجات الحرارة، تعاني إسبانيا من نقص حاد في هطول الأمطار منذ فصل الشتاء، ونتيجة لذلك بلغت مستويات السدود 45.3٪ من طاقتها الإجمالية مقابل 65.7٪ في المتوسط خلال هذه الفترة على مدى السنوات العشر الماضية.
شمال المغرب تحت ضغط حرائق متطرفة
أدت هذه الحرائق إلى إجلاء قرابة 500 عائلة على إثر تعرض المغرب لموجة حرارة مع درجات حرارة قريبة من 45 درجة مئوية تعدتها في سيدي قاسم وسيدي سليمان إلى حوالي 48 درجة مائوية، في الوقت الذي يعمل فيه رجال الإطفاء والجنود المغاربة وفي ساعات متأخرة من يوم الخميس 14 يوليوز للسيطرة على عدة حرائق اندلعت خلال النهار في مناطق حرجية معزولة شمال المملكة. ولم تتسبب حرائق الغابات التي أججتها رياح عاتية، في وقوع أية إصابات حتى الآن لكنها تسببت في إجلاء قرابة 500 عائلة “كإجراء وقائي” بمدينتي العرائش وتازة. وكان مدير مركز إدارة مخاطر المناخ فؤاد عسالي قد أكد إن الحرائق تجتاح غابات يصعب الوصول إليها في العرائش ووزان وتطوان وتازة شمال المغرب وأن: “الجهود مستمرة على أمل السيطرة على هذه الحرائق في الساعات المقبلة”، وفي المجموع تعرض ما لا يقل عن ألف هكتار من غابات البلوط والصنوبر وغيرها من الصنوبريات وأشجار الفاكهة للتدمير منذ مساء الأربعاء في العرائش ووزان وتازة بينما دمرت النيران قرية صغيرة في ضواحي القصر الكبير بالكامل وكان لابد من إخلاء العديد من الدواوير من سكانها.
جهود متواصلة وعيون لا تنام
بينما لا تزال التعبئة مستمرة لاحتواء الحريق الغابوي المسجل على مستوى غابة “بني يسف آل سريف” المتواجدة بالمجال الترابي لجماعتي سوق القلة وبوجديان، حيث تم تعزيز طاقم الإطفاء ووسائل وآليات التدخل الأرضي والجوي في مواجهة النيران، مع تسجيل اتساع محيط المجال الغابوي المعني بهذا الحريق إلى حوالي 4660 هكتار، طالت ألسنة النيران النصف منها تقريبا، إلى حدود مساء اليوم السبت 16 يوليوز 2022، مع تسجيل بؤرتي حريق مهمة نسبيا، حيث تجاهد أطقم الإطفاء لتطويقها واحتوائها، مستمرة في تتبع ومعالجة المناطق الأخرى الأقل حدة بالإضافة إلى عملها على تأمين نقل 1325 أسرة موزعة على 19 دوارا- إلى حين كتابة هذه السطور- بعيدا عن أماكن الحريق، وذلك حفاظا على سلامتهم ودرء لكل المخاطر الممكنة، وأفادت مصادر محلية بإقليم شفشاون أن المجهودات التي تبذلها فرق التدخل، المشكلة من مختلف المصالح المعنية مدعومة بكافة الوسائل والآليات، مكنت نسبيا وبشكل عام،من التحكم في محيط النيران التي تعرفها المنطقة الغابوية المتواجدة على مستوى جماعتي تاسيفت وتلمبوط، وقد تم في هذا الإطار، تنفيذ 12 طلعة إطفائية جوية لصب المياه بواسطة طائرات متخصصة في إخماد النيران من نوع “كانادير” تابعة للقوات الجوية الملكية وأخرى من نوع “توربو تراش” تابعة للدرك الملكي.
وفي حصيلة مؤقتة للخسائر التي طالت الغطاء الغابوي، فقد امتدت رقعة هذا الحريق إلى حوالي 80 هكتارا، مشكلة أساسا من البلوط الفليني والبلوط الأخضر والأرز، وأفادت مصادر محلية بإقليم وزان أن جهود فرق الإطفاء لا تزال متواصلة من أجل احتواء وتطويق الحريق الغابوي المندلع بغابة “جبل أمزيز” على مستوى جماعتي زومي ومقريصات، حيث تم العمل على تعزيز كافة الموارد والإمكانات المعبأة من أجل الحيلولة دون توسع محيط النيران بشكل جسيم قد يطال التجمعات السكنية أو القطاع الغابوي المحاذي والمقدرة مساحته بما يقرب 3000 هكتار، ولأجل ذلك، فقد تم استقدام تعزيزات بشرية مكونة من المئات من أفراد القوات المسلحة الملكية والقوات المساعدة من أجل دعم فرق التدخل الأرضي للتصدي للنيران، التي أتت، إلى حدود زوال يوم السبت 16 يوليوز 2022، على مساحة غابوية تقدر بــ400 هكتار، دون تسجيل أية خسائر بشرية، وبالنظر لوعورة تضاريس المنطقة المعنية بالحريق، فقد تم الرفع من وتيرة استعمال آليات التدخل الجوي التي يعتبر تدخلها حاسما في مثل هذه الظروف، حيث جرى تنفيذ 80 طلعة إطفائية جوية لصب المياه بواسطة الطائرات وتكثيف برمجة طلعات أخرى لتحويط رقعة النيران، ويشار إلى أنه قد تمت السيطرة على الحريق الذي كان قد اندلع بغابة “”جبل مولاي عبد القادر”بجماعة زومي، يوم السبت 16 يوليوز 2022، وقد التهم حوالي 5 هكتارات من المساحة الغابوية دون تسجيل خسائر بشرية، وللإشارة أيضا، فقد تم عشية أول أمس السبت 16 يوليوز 2022، تسجيل اندلاع حريق ثالث قرب دوار “فتراس” جماعة عين بيضاء، حيث تجندت الجهات المختصة بمساعدة الساكنة المحلية من أجل التصدي للحريق الذي طال 2 هكتارات من الغطاء النباتي، دون تسجيل إصابات بشرية.
ومن ضمن مستجدات التدخلات الميدانية المتواصلة منذ يوم الخميس 14 يوليوز 2022، من أجل إخماد الحريق الغابوي المسجل بغابة بني إيدر، جماعة الخروب، قيادة جبل لحبيب، بإقليم تطوان، علم لدى مصادر محلية بإقليم تطوان أنه تم إلى غاية مساء اليوم السبت 16 يوليوز 2022 استقدام تعزيزات بشرية وتقنية إضافية من أجل دعم جهود الإطفاء، وتنفيذ 34 طلعة إطفائية جوية لصب المياه بواسطة طائرات متخصصة في إخماد النيران من نوع “كانادير” تابعة للقوات الجوية الملكية وأخرى من نوع “توربو تراش” تابعة للدرك الملكي، ونقل 265 شخصا من ساكنة 4 دواوير بعيدا عنبؤر النيران، ضمانا لسلامتهم، وفي حصيلة مؤقتة للخسائر التي طالت الغطاء الغابوي، فقد امتدت رقعة المساحة الغابوية التي لحقتها النيران إلى حوالي 220 هكتارا، إلى حدود كتابة هذه السطور.
الجفاف والإجهاد المائي غير المعتاد
في ظل الحرارة الخانقة، التي تجاوزت 40 درجة مئوية، فوجئ سكان القرية بسرعة تطور الحريق، وغادروا منازلهم على عجل، وجلبوا معهم الماشية والخيول كلما أمكن ذلك، وتعرض المغرب منذ عدة أيام لموجة حارة، مع درجات حرارة تقترب من 45 درجة مئوية، في سياق جفاف استثنائي وإجهاد مائي. عبر مضيق جبل طارق، تشتعل الحرائق في جميع أنحاء جنوب أوروبا، من البرتغال إلى اليونان إلى إسبانيا وفرنسا، ويشارك المئات من أفراد الحماية المدنية والمياه والغابات والقوات المسلحة الملكية والدرك، بمساعدة متطوعين محليين، في مكافحة الحرائق، تم تعبئة مائة سيارة إطفاء ودبابة وسيارات إسعاف وآلات جرف التربة.
يرجع الخبراء موجة الحرائق التي تحدث في دول المعمور إلى تغير المناخ، فقد حدث تغير المناخ بالفعل منذ الثورة الصناعية بينما شهد متوسط درجة حرارة الكرة الأرضية زيادة عامة بمقدار + 1.1 درجة مئوية خلال القرن الماضي. وتلعب العوامل الطبيعية المرتبطة بالاختلافات في الطاقة الشمسية والانفجارات البركانية وما إلى ذلك دورا في تعديل المناخ، ومع ذلك فإن المجتمع العلمي الدولي متفق إلى حد كبير على إرجاع معظم هذا التغيير إلى زيادة تركيز غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، نتيجة النشاط البشري. وشهدت التسعينيات أكبر ارتفاع في درجات الحرارة في القرن العشرين، ويتوقع الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ في تقريره الصادر في أبريل 2007 بالنسبة لسيناريو متوسط يقارن الفترات 1980-1999 إلى 2080-2999 أنه من المنتظر أن يزيد متوسط درجات الحرارة السنوية في منطقة البحر الأبيض المتوسط بمقدار + 2.2 درجة مئوية إلى 5.1 درجة مئوية، مع احتمال ارتفاع درجات الحرارة القصوى في الصيف أكثر من المتوسط. بينما من المرجح جدا أن ينخفض متوسط هطول الأمطار السنوي في كل مكان تقريبا في منطقة البحر الأبيض المتوسط مع توقعات تتراوح من -4٪ إلى -27٪ اعتمادًا على النماذج.
في منطقة البحر الأبيض المتوسط، من المتوقع حدوث أكبر طفرات في الصيف حيث ينبغي أيضا أن يزداد عدد الأحداث المتطرفة مثل موجة الحر في فصل الصيف، لتظهر التأثيرات الأولى لتغير المناخ على الغطاء النباتي في منطقة البحر الأبيض المتوسط خاصة الصنوبر الاسكتلندي والتنوب. بينما يمكن أن تزداد المساحة المحتملة للغابات من نوع البحر الأبيض المتوسط في فرنسا من 9٪ إلى 28٪ بحلول عام 2100، لذلك يمكننا أن نتوقع زيادة في تواتر الحرائق في المناطق التي لم تعتد عليها ولم يتم تجهيزها. ويمكن أن يكون خطر نشوب حريق مصدر قلق لجزء كبير من الغابات المنتجة، ويعد تغير المناخ أحد مكونات التغير العالمي الذي يشمل أيضا التغيرات في الاستخدام. وتعتبر حرائق الغابات في منطقة البحر الأبيض المتوسط ظاهرة معقدة مدفوعة بمكونات مناخية وبيولوجية وبشرية. يؤدي تدهور الأحوال الجوية إلى اندلاع الحرائق وانتشارها، يمكن تعزيز هذه الظاهرة من خلال استمرار الاتجاهات الحالية المتعلقة بالديموغرافيا والتحضر في منطقة البحر الأبيض المتوسط، فضلا عن الهجر الريفي الذي يؤدي إلى مناطق حساسة للحرائق كبيرة ومتجانسة بشكل متزايد.
ومع ذلك، من الصعب تحديد مساهمات كل من هذه العوامل المختلفة، خاصة وأن السياسات العامة في مجال منع حرائق الغابات ومكافحتها تتطور بحد ذاتها ومن المتوقع أن تحققها كفاءة أكبر بمرور الوقت، وسوف يتسبب تغير المناخ في حدوث اضطرابات على نطاق عالمي في مناطق مختلفة، وأحيانا تكون بعيدة جدا عن تلك التي تهمنا هنا، ولكنها بدورها يمكن أن يكون لها تأثيرات كبيرة على ظاهرة حرائق الغابات. على سبيل المثال، سيكون لتطور سياسة الطاقة وخاصة الطلب على الطاقة الخشبية والوقود الحيوي عواقب على ممارسات إدارة الغابات بشكل عام وعلى إجراءات الوقاية من الحرائق بشكل خاص، وأخيرا ستحدث التغييرات المعلنة على المدى الطويل، وسيكون من المناسب بلا شك التمييز بين عدة فترات، تتميز كل منها بسياق معين، بمحددات معينة ستختلف معها رافعات اتخاذ القرار، ومن المؤكد أن هذا البعد الزمني ليس أسهل ما يؤخذ في الاعتبار، ولكن يجب أن يؤخذ في الاعتبار من أجل الحفاظ على القدرة على التكيف والتعديل الضروري للإجراءات المتخذة. فيما يلي، سوف نركز بشكل خاص على عواقب تغير المناخ على حرائق الغابات. ومع ذلك، ستتم أيضا مناقشة الطريقة التي يمكن أن تؤدي بها التغييرات في الاستخدام إلى تفاقم الظاهرة أو تخفيفها.
مع احتمال زيادة درجات الحرارة القصوى في الصيف أكثر من المتوسطات السنوية. بمقارنة بيانات الفترة 1980-1999 بمتوسط توقعات 21 نموذجا لعام 2080-2999 بمتوسط السيناريو A1B ، يعلن مؤلفو هذا التقرير أن متوسط الهطول السنوي يجب أن ينخفض على الأرجح عمليا في كل مكان في منطقة البحر الأبيض المتوسط ، مع تتراوح التوقعات من -4٪ إلى -27٪، ويتوقع في منطقة البحر الأبيض المتوسط حدوث أكبر انخفاض في هطول الأمطار في الصيف ولكنها ستتعلق أيضا بالمواسم الأخرى ومن المرجح أن ينخفض عدد أيام هطول الأمطار سنويا، ومن المرجح أن تزداد مخاطر الجفاف الصيفي في منطقة البحر الأبيض المتوسط ووسط أوروبا، ومن هذا المنظور من المثير للاهتمام تحليل حالة إسبانيا لأنها تنذر بتطور معلن لبلدان البحر الأبيض المتوسط الأوروبية الأخرى.
وفي الواقع إسبانيا هي البلد الأكثر جفافا في أوروبا و 31٪ من أراضيها في طور التصحر ويكشف تحليل بيانات الأرصاد الجوية لهذا البلد على مدى 30 عاما (1971-2000) أن التبخر المحتمل، والذي يمكن استيعابه في جفاف الغلاف الجوي، وقد زاد من 1000 مم/ سنة في بداية القرن العشرين، إلى أكثر من 1150 مم/ سنة في الوقت الحاضر ، وهو ما يمثل زيادة بأكثر من 15٪. ووفقا لبيانات مرصد الأرصاد الجوية في منطقة مدريد، فإن الانخفاض خلال هذه الفترة يزيد عن 27٪ وهناك حاليا مشاكل في إمدادات المياه في هذه المدينة، إن عواقب نقص المياه في إسبانيا على مشكلة حرائق الغطاء النباتي واضحة لأن القيمة اليومية لمؤشر الجفاف تدخل في صيغة حساب مخاطر نشوب حرائق، ونلاحظ فقط الزيادة في قيمة هذا المؤشر، ولكن أيضا في عدد وكثافة الحرائق نفسها، ويخلص أيالا سيرادو أيضا إلى أن مناخ البر الرئيسي لإسبانيا قد تم تفريقه، ففي أوروبا، وخاصة في جنوب أوروبا، ومن المتوقع أن يزداد عدد الأحداث المتطرفة، مثل موجة الحر في صيف عام 2003، وبالتالي فإن احتمال وجود درجة حرارة قصوى تزيد عن 35 درجة مئوية في الصيف، والتي كانت 1٪ للفترة 1961-1990 في دلتا الرون، يجب أن تصل إلى 20٪ للفترة 2071-2100 وفقا للسيناريو A2 وتتميز مجموعة الحرائق المتولدة في هذا السياق المناخي الاستثنائي بمستويات استثنائية من القوة وسرعة انتشار الحرائق، وقد عانت دول مثل فرنسا في عام 2003 والبرتغال في عامي 2003 و 2005 أو اليونان في عام 2007 بالفعل من هذه الأنواع من الحرائق. وقد تجاوزت هذه الحرائق غير المتوقعة الشدة القدرات الحالية لأنظمة الوقاية والسيطرة الوطنية، وتعمل خدمات الأرصاد الجوية الفرنسية على أقلمة منطقة البحر الأبيض المتوسط لنماذج تغير المناخ العاملة على نطاق عالمي، وتتنبأ التوقعات المناخية المستقبلية، هناك اتجاه نحو تعزيز إعصار الأزور المضاد المرتبط بشذوذ إيجابي لتذبذب شمال الأطلسي والاضطرابات الأطلسية المرفوضة شمالا، هذه الظواهر، التي لا يزال يتعين تأكيدها، يمكن أن تساعد على انخفاض في الضباب وهذا الانخفاض سيكون عندئذ النتيجة المفيدة الوحيدة لتغير المناخ في مجال حرائق الغابات، ويجب أن نتذكر أيضا أن حرائق شديدة وسريعة جدا حدثت في فار خلال صيف عام 2003 في ظروف رياح معتدلة إلى حد ما.
بناء على ما سبق، من الممكن استنتاح أن زيادة في مخاطر الأرصاد الجوية لحرائق الغابات قد لوحظت بالفعل في إسبانيا وأنها متوقعة في فرنسا. إلى هذه التغيرات المناخية، من الضروري إضافة المكونات الأخرى التي تعمل على مخاطر الحريق والتي تتعلق بالسياقات الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية، نحن نعلم أن التوقعات الديموغرافية في منطقة البحر الأبيض المتوسط تعلن عن تعزيز مشكلة واجهات الموائل والغابات التي تزيد من المخاطر والصعوبات في مكافحة حرائق الغابات وتحدد ظروف الأرصاد الجوية اندلاع الحرائق وانتشارها ولكنها تحدد أيضا ظروف نمو النباتات القابلة للاحتراق وبقائها على قيد الحياة، لذلك من الضروري دراسة العواقب المباشرة لتغير المناخ على الغطاء النباتي قبل دراسة عواقب تطور الوقود على نظام الحريق. الملاحظات الأولى لتأثيرات تغير المناخ على الغطاء النباتي تظهر التأثيرات الأولى لتغير المناخ على الغطاء النباتي بالفعل في منطقة البحر الأبيض المتوسط، مع موت الأشجار ، والتغيرات في توزيع النباتات والتغيرات في نظام الاضطرابات. فيما يتعلق بتراجع الأشجار، فقد لوحظ انخفاض منذ عام 2003 في أشجار الصنوبر الاسكتلندي والتنوب. في ويمكن للمرء أيضا أن يستشهد بانخفاض بلوط الفلين في موريس حيث يصل معدل الوفيات إلى 20 إلى 25٪ والبلوط الأبيض على المنحدر الشمالي لجراند لوبيرون.
نظرا للتهديدات المناخية الأكبر من أي مكان آخر في منطقة البحر الأبيض المتوسط، يمكننا أن نتوقع استمرار ظاهرة حرائق الغابات وتفاقمها. لذلك من الضروري توجيه الوعي العام بحزم نحو فهم أفضل للظاهرة وكيفية الحماية منها. يجب أن يشمل هذا الوعي إجراءات تعزز الحماية الذاتية للممتلكات والأشخاص قبل موسم المخاطر العالية، ولاسيما تنظيف الفرشات حول المنازل، ويشمل أيضا تعلم سلوكيات الحماية الفردية والجماعية أثناء مسار الحريق نفسه. في منطقة البحر الأبيض المتوسط، في توزيعها الجغرافي المستقبلي، من الضروري تحديد التدابير الوقائية التي سيتم وضعها تدريجيا، باستخدام جميع الأدوات التنظيمية والتخطيطية المتاحة، ويجب بالفعل تطوير تدابير الوقاية بما في ذلك تنظيف الفرشات للتعامل مع المخاطر المتزايدة وللحفاظ على المستوى الحالي للوقاية أو حتى توسيعه، ويمكن أن يكون استغلال الكتلة الحيوية استجابة اقتصادية مهمة لهذا التحدي، لكن هذه التكهنات قد تكون قصيرة الأجل إذا تم استنفاذ المورد بسرعة في ظل الآثار المشتركة لزيادة الحصاد، وظروف النمو الصعبة لنباتات البحر الأبيض المتوسط والآثار المدمرة للحرائق نفسها. أخيرا دعونا لا ننسى أن الطاقة الخشبية كانت السبب الرئيسي لتدهور غابات البحر الأبيض المتوسط ، منذ وقت ليس ببعيد.
كل سنة تطلق الوكالة الوطنية للمياه والغابات ومحاربة التصحر حملة وطنية للوقاية ومحاربة الحرائق بالغابات المغربية عبر تعبئة جميع الإمكانيات المادية والبشرية، حملة تهدف إلى التنظيم المحكم خلال الموسم الصيفي، الذي يصنف بـ” فترة المخاطر الكبرى”، من أجل رصد وتقليص عدد النقط التي تندلع بها الحرائق وتخفيض المساحات المتضررة منها واعتماد منهجيات التدخل حسب الظروف المناخية، حيث تم وضع تدابير جديدة لإدارة العمليات الرامية إلى المحافظة على الغابات من الحرائق بناء على استغلال التجارب المكتسبة في هذا المجال، وتماشيا مع التحديات الراهنة، ويعتبر التحسيس والتوعية عاملين أساسيين لمحاربة الحرائق. وفي هذا الإطار تم إطلاق برنامج تحسيسي حول مخاطر الحرائق عبر وسائل الإعلام، من أجل خلق دينامية كفيلة بتعزيز الوعي البيئي ومن أجل تبني المواطن لتدابير ومواقف بيئية ”مسؤولة” تجاه الغابة والمحافظة عليها من مختلف الكوارث خاصة الحرائق.
وتمثل النار الخطر الطبيعي الأول للغابات في دول حوض البحر الأبيض المتوسط عامة و بالمغرب خاصة، فهي تدمر الأشجار أكثر من أي كارثة طبيعية أخرى، وخلال العقدين الأخيرين انخفضت مساحة الغابات المحروقة بنسبة 13٪ بمعدل 2928 هكتار في السنة، ومع ذلك يصل عدد حرائق الغابات بحوض البحر الأبيض المتوسط إلى حوالي 50000 حريق في السنة، حصدت منها حوالي 841 هكتار عام 2018 من غابات المغرب.
ويعتبر المغرب أقل البلدان المتوسطية تأثرا بالحرائق في عام 2017 مقارنة بالبرتغال وإسبانيا وفرنسا والجزائر، حيث تضررت 2414 هكتارا من الغابات بسبب الحرائق بالمغرب مقابل تضرر 215000 هكتارا بالبرتغال، وتضرر 106000 هكتار من الغابات بإسبانيا و54000 هكتارا من الغابات بالجزائر و 11000 هكتارا من الغابات في فرنسا.
المركز الوطني لإدارة مخاطر المناخ الغابوية
ويعتبر المركز الوطني لإدارة مخاطر المناخ الغابوية نموذجا قياسيا للتكيف مع تغير المناخ حيث يعتمد على ثلاث ركائز: نقل التكنولوجيا والتكيف وبناء القدرات، و هو تتويج لعملية طويلة تهدف إلى حماية النظم البيئية للغابات التي تخضع لضغوط هيكلية بسبب الأنشطة البشرية وخاصة تربية الحيوانات وكذلك التعديلات والتغيرات المرتبطة بشكل رئيسي بالمناخ، ويهدف المركز الوطني لإدارة مخاطر المناخ الغابوية الذي تم تأسيسه عام 2016 إلى تطوير الخبرة الوطنية في إدارة مخاطر حرائق الغابات، هذا المركز الذي سيعزز الإطار المؤسساتي للتكيف مع تغير المناخ سيكون مسؤولا عن إنشاء برامج الوقاية والإشراف عليها ومراقبتها على المستوى الوطني ضد حرائق الغابات ومخاطر الصحة النباتية ومسؤولا كذلك عن تحسين فعالية وكفاءة عمليات التنسيق بين مختلف الشركاء من أجل الحصول على معلومات في الوقت الحقيقي حول الحرائق وصحة الغابات عبر آلية التنسيق مع الإدارات والمؤسسات المعنية مع إعطاء الأولوية لحوادث حرائق الغابات من أجل اتخاذ قرارات أفضل بشأن تعبئة الموارد الكافية وتخصيصها، كما سيخصص المركز لتبادل الخبرات والتجارب ولنشر المعلومات بين الدول المتوسطية، حيث سبق للفريقين البرتغالي والتونسي زيارة المركز الوطني عام 2019 للاستفادة من الخبرة المغربية في مجال مكافحة الحريق خاصة بالنسبة لسيولة المعلومات والتنسيق الجيد بين المركز وموقع الحريق
أسباب حرائق الغابات طبيعية و بشرية
وعلى عكس مناطق أخرى من العالم حيث تكون نسبة عالية من الحرائق ذات المصدر الطبيعي، يتميز حوض البحر الأبيض المتوسط بانتشار الحرائق التي من صنع الإنسان وتمثل الأسباب الطبيعية نسبا جد صغيرة، وتختلف الأسباب من بلد إلى آخر، حيث أن بعضها مرتبط بالمنشآت الثابتة كخطوط الكهرباء ومطارح النفايات متوسط المراقبة، والبعض الآخر مرتبط مباشرة بالأنشطة البشرية كأفران الفحم المعدلة بشكل سيئ والحرائق غير المتحكم فيها والمدخنين وحرائق المخيمات والحرائق التي ينتجها الرعاة، فالقائمة طويلة جدا ولا يمكن تلخيصها في حالات قليلة، ومع ذلك، يبدو أن هذه الحرائق غير المقصودة ترتبط ارتباطا مباشرا بالأنشطة الزراعية،
ومن المفارقات أن السبب الأساسي لحرائق الغابات يرتبط بارتفاع مستوى المعيشة، ففي دول غرب أوروبا أدى انتقال السكان من البوادي إلى المناطق الحضرية إلى تباطؤ كبير في معدل النمو السكاني وبالتالي التخلي عن الأراضي الصالحة للزراعة وفقدان الاهتمام بموارد الغابات كمصدر للطاقة، وقد أدى ذلك إلى الزيادة في هجرة السكان المسؤولين عن حماية الغابات.
كيفية التقليل من حرائق الغابات
إن معرفة أسباب حرائق الغابات شرط أساسي لتنفيذ الحلول المناسبة، وفي هذا الصدد تم تطوير تقنية جديدة في البرتغال بعد زيادة وقوع الحرائق حيث أنشأت السلطات البرتغالية ألوية بحث تتكون من حراس الغابات الذين كلفوا بتحديد أسباب كل حريق، وتم تطوير الأساليب العلمية للتحقيق تدريجيا. وفي غضون بضع سنوات انخفضت الحرائق غير المعروفة الأصل من 80 بالمائة إلى أقل من20 بالمائة، حيث أشارت هذه التجربة كذلك إلى أن الغالبية العظمى من الحرائق ترجع إلى الإهمال، واعتمدت جميع دول البحر الأبيض المتوسط تقريبا تدابير لزيادة الوعي العام حول حرائق الغابات مع التركيز في جميع الحالات تقريبا، على الحرائق العرضية، حيث يعتبر السكان المستهدفين هم الجمهور البالغ في المناطق المعرضة للخطر، المقيمين أو السياح، وتخصص برامج محددة أيضا للشباب المتمدرس بالمؤسسات التعليمية، ويتم استخدام جميع تقنيات الاتصال الجماهيري الحالية للوصول إلى عامة الناس: الإشهارات التلفزيونية والملصقات والإعلانات الإذاعية: في إسبانيا وفي المناطق القروية يتم تنظيم العروض المسرحية أيضا حول عواقب حرائق الغابات. وتطورت هذه الرسائل حيث كانت في البداية عبارة عن ملصقات مخيفة إلى حد ما، ثم تم التركيز على المخاطر البيئية للحرائق، في حين أصبحت الرسائل في الوقت الحالي أكثر فائدة في حالة نشوب حريق، وتفرض معظم البلدان عقوبات متفاوتة وغالبا ما تكون أشد على الحرائق التي تسببها عمدا، بعض الدول مثل البرتغال شددت العقوبات بعد تعرضها لموجة من هجمات الحرق العمد للغابات، ومع ذلك يمكن ملاحظة أنه كلما كانت العقوبات التي ينص عليها القانون أثقل كلما كان من الصعب إثبات أنها عملية إحراق متعمدة، وكلما صعبت عن المحاكم عملية إدانة الحرائق.
ترقب أحوال الطقس
وتستخدم التنبؤات الجوية لتعبئة الموارد الضرورية مسبقا في حالة نشوب حريق، من وجهة النظر هذه غالبا ما يستخدم نهج الولايات المتحدة الأمريكية كنموذج، كما بذلت البلدان جهودا كبيرة لتجهيز محطات مراقبة الطقس لتسجيل درجات الحرارة والرطوبة وسرعة الرياح واتجاهها، وتستخدم العديد من البلدان أبراج المراقبة للمراقبة وتستخدم الطائرات الخاصة في كثير من البلدان لمراقبة المناطق الغابوية، وفي بعض الحالات يتم استكمال الفحص البصري بأنظمة الأشعة تحت الحمراء الآلية. ومن المثير للاهتمام ملاحظة أنه وفقا للإحصاءات، وعلى الرغم من جميع أنظمة المراقبة المعقدة، فإن أول من يبلغ عن الحرائق غالبا ما يكون من السكان المحليين.
وتتبع إدارة الغابات ضد الحرائق تقريبا نفس الاتجاهات في جميع أنحاء دول حوض البحر الأبيض المتوسط، وتتجه نحو إنشاء الخنادق وفواصل الحرائق واحتياطات المياه، وغالبا ما تكون هذه الأعمال جزءا من مشاريع الإدارة اليومية، وتعتبر صيانة هذه الأنظمة قضية مهمة، ليس أقلها أنه غالبا ما يحدث أن السلطات التي أنشأت هذه الأنظمة وصيانتها ليست هي نفسها، ففي كثير من الأحيان لا تأخذ هذه البنيات التحتية التي يعود تصميمها في بعض الأحيان إلى عدة سنوات في الاعتبار وسائل التدخل الحديثة، وعلى الرغم من الجهود المبذولة، لا سيما في دول جنوب أوروبا، فإن هذه الظاهرة بعيدة عن الاستقرار، حيث أنها تبدو في ارتفاع في معظم بلدان الحوض الأبيض المتوسط.
وفي الأخير تجدر الإشارة إلى أن حرائق الغابات عبر العالم كانت قد أدت إلى انبعاث 7800 مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون عام 2019، وهو ما يعادل حوالي 25 ضعف إجمالي انبعاثات إسبانيا فى عام واحد، واتسم عام 2019 بنشاط استثنائي من حيث شدة الانبعاثات، وإن الجمع بين موجات الحرارة الطويلة والجفاف المتراكم والرطوبة المنخفضة جنبا إلى جنب مع النباتات الجافة جدا والغابات غير المدارة يولد حرائق أكثر سرعة وضراوة من أي وقت مضى وعلاوة على ذلك، تم تمديد فترات الخطر -حالة حرائق غابات أستراليا لعام 2019 كنموذج- حيث بلغت “العواصف النارية” أكثر من 1000 درجة مئوية، ما أسفر عن مقتل العشرات من الأشخاص وأكثر من مليار حيوان. على العكس من ذلك فالحرائق فى غابات الأمازون أو إندونيسيا لها خلفية اجتماعية واقتصادية واضحة تتجلى في إزالة الغابات. وأيضا يعتبر التغيير في استخدام الأراضي هو أصل هذه الحرائق، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى النظام الغذائي السائد وغير المستدام ما تسبب في إزالة ثلاثة أرباع الغابات في العالم.
- محمد بن عبو خبير في المناخ والتنمية
المستدامة رئيس المكتب الوطني لجمعية مغرب اصدقاء البيئة