الحسن بنبل: الحكومة تقدم إحصائيات مغلوطة حول خلايا النحل والدواء الذي تعتمده غير ناجع

أثار تصريح الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة، الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، خلال الندوة الصحفية التي عقدها عقب اجتماع المجلس الحكومي يوم الخميس 6  أكتوبر 2022، عن قرب إطلاق حملة وطنية لمكافحة داء “الفرواز” لدى 900 ألف خلية نحل”، بتكلفة ثلاثة ملايير سنتيم، (30 مليون درهم)، (أثار) عدة أسئلة شائكة تتعلق أساسا بحماية المال العام، خاصة أن عدد الخلايا المعلن عنها يتجاوز بشكل كبير العدد الحقيقي للخلايا الموجودة واقعيا، بناء على عدد من الوثائق الرسمية، والإحصائيات السابقة، إضافة إلى كونه يتناقض مع ما كشفت عنه مديرية تنمية سلاسل الإنتاج لوزارة الفلاحة قبل شهر واحد، بكون أن عدد خلايا النحل المسجلة لديهم هذه السنة يقارب مليون وسبع مائة ألف خلية نحل على الصعيد الوطني، وهو الرقم الذي يعد بدوره “خياليا”، لكون أن المغرب لو كان يتوفر على أحد الرقمين المتناقضين الصادرين عن مؤسستين حكوميتين في ظرف شهر واحد لكان يحقق الاكتفاء الذاتي من إنتاج العسل.

ولتسليط الضوء على هذا الموضوع، والوقوف على حقائق الأرقام التي تحاول الحكومة الترويج لها، في سياق أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة، اتصلت “بيان اليوم” بالحسن بنبل، رئيس النقابة الوطنية لمحترفي تربية النحل بالمغرب، الذي أبرز أن وزارة الفلاحة سنة 2019 قالت إن عدد خلايا النحل العصرية ذات الإطارات بالمغرب بلغ ست مائة وأربعون ألف خلية عصرية، مؤكدا على أنه إذا أخذنا بعين الاعتبار جائحة انهيار خلايا النحل بالمغرب التي قضت خلال السنة الماضية على ما يزيد عن 60% من خلايا النحل العصرية بالمغرب، إضافة إلى كون عدد كبير من النحالين المحترفين لا يستفيدون من الدواء أصلا، فسنجد أننا أمام رقم أقل حتى من 640 ألف خلية.

وكشف الحسن بنبل في هذا الحوار، عن العديد من الخروقات والتجاوزات والاختلالات التي تشوب تدبير ملف قطاع تربية النحل وإنتاج العسل بالمغرب، مشيرا إلى أن هناك تضخيم في الأرقام ويتم اعتماد دواء غير ناجع.

بداية ما هو داء الفارواز الذي يصيب النحل؟

“الفارواز varroase ou varroatose” هو داء يصيب نحل العسل بمختلف مناطق العالم ويسمى كذلك داء فيروس “الجناح المشوه” المعروف اختصارا بفيروس “DWV”، ينقله طفيل من فصيلة القراديات يسمى “الفاروا  varroa” وقد ظهر في المغرب في أواخر الثمانينات من القرن الماضي صنف منه يسمى “الفاروا جكوبسوني Varroa jacobsoni “، وهو نفس الصنف الذي لا يزال يوجد بالمغرب إلى يومنا هذا، حسب آخر تقرير مخبري أنجزه المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية بأكادير بتاريخ 05/09/2022.

ومن المعلوم أن داء “الفارواز” الذي ينقله طفيل الفاروا كان قد تسبب حينها في انهيار أكثر من نصف خلايا النحل بالمغرب، وقد استطاع النحل بعد مرور ما يناهز 33 سنة أن يكون، سنة بعد سنة، مناعة ضد الفيروس الذي لم يعد له التأثير نفسه على النحل كما كان في السابق، ولكن طفيل “الفاروا” الذي يمكنه كذلك أن ينقل عدة أمراض بكتيرية وفيروسية يبقى حاضرا في كل الخلايا دون استثناء، ويتعايش مع النحل ويسبب له إزعاجا كبيرا من خلال امتصاص دمه (الهيموليمف l’hémolymphe)، ما يستدعي من النحال معالجة نحله مرة أو مرتين في السنة للحصول على مردودية أفضل من العسل.

ما هو نوع الدواء الذي سيتم توزيعه؟

لقد تفاجأنا هذه السنة بأن وزارة الفلاحة ستوزع الدواء الكيميائي نفسه للسنة الثالثة على التوالي وهو “الأبيستان Apistan”. وقد انطلقت فعلا عملية التوزيع منذ ثلاثة أسابيع تقريبا في بعض المناطق، وقد قامت مديرية تنمية سلاسل الإنتاج بوزارة الفلاحة بإصدار مذكرة عجيبة من حيث الإحصاء حددت فيها شروطا غريبة لمواصلة توزيع هذا الدواء خلال الأيام المقبلة ابتداء من 17/10/2022 إلى غاية 05/11/2022، وهذا الدواء هو عبارة عن شرائط مصنوعة من نوع معين من البلاستيك مشبعة بمادة كيميائية فعالة تسمى “الطو- فلوفالينات Tau-fluvalinate”، يقوم النحال بوضع جرعة مكونة من شريطين لكل خلية تضم عشرة إطارات من النحل، بمعدل شريط واحد لكل خمسة إطارات، ويعلقه بين إطارات الحضنة بشكل عمودي حيث يعمل كل شريط على إطلاق المادة الكيميائية الفعالة داخل خلية النحل، خلال مدة الاستعمال التي يجب أن تصل لثمانية أسابيع تقريبا، كما هو مكتوب في كل عبوة تضم خمس جرعات  أي عشرة أشرطة.

ما مدى فعالية هذا الدواء؟

هناك خطأ كبير وقعت فيه الجهة التي اعتمدت توزيع الدواء نفسه للسنة الثانية والثالثة على التوالي، فمن المعروف علميا وعالميا، وهذا لا يخفى طبعا على المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية “أونسا”، الذي يضم أطرا وخبراء كبارا وأطباء بيطريين أكفاء، أن استعمال الأدوية نفسها على التوالي، ذات المواد الكيميائية الفعالة نفسها، يولد لدى الحشرات أو القراديات والعناكب المراد مكافحتها مناعة ضد هذا الدواء، مما يتطلب تنويع الأدوية بشكل دوري تجنبا لذلك، وهو ما ينطبق على قراد الفاروا الذي يصيب النحل، وحتى الشركات العالمية المصنعة للأدوية ذات الاستعمال البيطري، ومنها الموجهة للنحل توصي بعدم استعمال الأدوية الكيميائية ذات المادة الفعالة نفسها لموسمين متتابعين تفاديا لأي مناعة يمكن أن يكتسبها طفيل “الفاروا” ضد هذه الأدوية.

ولابد لي كذلك أن أشير إلى أن مجموعة من النحالين على الصعيد الوطني كانوا قد اشتكوا في السنة الفارطة من عدم جدوى هذا الدواء ضد الفاروا، مما دفع بعضهم لمضاعفة الجرعات المحددة واستعمالها بطرق خاطئة، نتج عنها انقطاع ملكات النحل عن البيض ومن ثم هلاك الخلايا. 

كيف سيتم توزيع هذا الدواء؟

كما أشرت إليه سابقا، فإن عملية التوزيع انطلقت فعلا منذ ثلاثة أسابيع تقريبا في بعض المناطق بناء على مذكرة سابقة أصدرتها مديرية تنمية سلاسل الإنتاج لوزارة الفلاحة بتاريخ 12/09/2022، وتم وقف العملية بناء على مذكرة أخرى أصدرتها نفس المديرية، جاء فيها أن عدد خلايا النحل المسجلة لديهم هذه السنة بلغ 1699196 خلية، أي ما يناهز مليون وسبع مائة ألف خلية نحل على الصعيد الوطني، وهذا العدد المذكور من خلايا النحل بالنسبة لنا في النقابة الوطنية لمحترفي تربية النحل بالمغرب هو عدد خرافي وغير موجود إطلاقا على أرض الواقع، وهو ما ينطبق كذلك على تصريح الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، الذي قلص العدد المراد معالجته إلى 900 ألف خلية نحل، وهو رقم غير صحيح كذلك وبعيد كل البعد عن الواقع، وهو ما سنوضحه فيما بعد.

وحسب المذكرة نفسها فإنه سيتم توزيع الدواء تحت إشراف لجن مكونة من ممثل عن وزارة الفلاحة وممثل عن المكتب الوطني للسلامة الصحية “أونسا”، وممثل عن المكتب الوطني للاستشارة الفلاحية، وممثل عن ما يسمى تنظيم “فيماب”، وهذا الأخير فرضته مديرية تنمية سلاسل الإنتاج لوزارة الفلاحة لغاية لا نعرفها رغم وجود تعارض المصالح، علما أن هذا التنظيم لا يمثل كل النحالين المهنيين وغير معترف به من قبلهم، فهل تم فعلا ضبط لوائح كل مربي النحل بالمغرب وإتمامها مع 09/10/2022 الذي عد أجلا صارما ستنطلق بعده حملة توزيع الدواء بين 17/10/2022 و 05/11/2022، علما بأن المذكرة نفسها تشير إلى وجود أشخاص ذاتيين ومعنويين وتنظيمات مهنية ليست منتمية إلى تنظيم ما يسمى “فيماب” . ألن يكون إذن من التناقض أن تعمد هيئة إلى تحديد لوائح أشخاص وجهات لا ينتمون إليها؟

ثم كيف يحدد هذا التاريخ للحملة، ونجد أن الدواء قد بدأ توزيعه منذ أزيد من ثلاثة أسابيع بناء على المذكرة الصادرة بتاريخ 12/09/2022، فكيف يمكن تفسير هذا الارتباك؟.

وقد اتصلنا بمختلف النحالين المهنيين وتنظيماتهم المهنية فأكدوا لنا عدم اتصال أي جهة بهم لإخبارهم بموعد التصريح بعدد الخلايا من أجل الاستفادة من الدواء، في حين فتحت تمثيليات لما يسمى “الفيماب” أبواب الانخراط لكل من هب ودب من أجل الاستفادة، ويتم يوميا استقبال عدد كبير من الأشخاص على شكل طوابير يقع تسجيلهم دون التأكد من كونهم يمتلكون النحل أم لا، وإذا بقينا على هذا الحال من العبث فسيتم تسجيل ملايين خلايا النحل الخيالية والموجودة على الورق فقط.     

كل يحدث في الوقت الذي كنا نرتقب في النقابة تنزيل التعليمات الملكية السامية على أرض الواقع من خلال معالجة جميع خلايا النحل بالمغرب دون استثناء ودون وسيط، تحت إشراف الجهات الرسمية للدولة، وأن يشمل الدعم بجميع أشكاله النحالين الفعليين المتضررين.

كم عدد خلايا النحل بالمغرب التي ستشملها هذه المعالجة؟

حسب الإحصائيات التي أنجزتها وزارة الفلاحة سنة 2019 فإن عدد خلايا النحل العصرية ذات الإطارات بالمغرب بلغ 640000 ست مائة وأربعون ألف خلية عصرية، مع استثناء الخلايا التقليدية من الحساب لأنه لا يمكن معالجتها بشرائط “الأبيستان Apistan” التي صنعت خصيصا للاستعمال في الخلايا العصرية ذات الإطارات فقط، مع تأكيد الشركة المصنعة على ضرورة اتباع الإرشادات المكتوبة فوق كل علبة أثناء الاستعمال، وإذا أخذنا بعين الاعتبار جائحة انهيار خلايا النحل بالمغرب التي قضت خلال السنة الماضية على ما يزيد عن 60% من خلايا النحل العصرية بالمغرب، إضافة إلى كون عدد كبير من النحالين المحترفين لا يستفيدون من هذا الدواء أصلا، فسنجد أنفسنا أمام رقم أقل حتى من 640000 خلية.

ويجب الإشارة كذلك إلى أن خلايا النحل التقليدية التي عرفت انخفاضا كبيرا في أعدادها خلال العقد الأخير، تتم معالجتها ضد الفاروا بطرق تقليدية باستعمال أدوية بيولوجية طبيعية ذات رائحة عطرية مثل أعشاب الزعتر أو الشيح أو أوراق الأوكاليبتوس… عن طريق المدخان، أو التي توضع داخل الخلية مثل الثيمول الذي يستخلص من الزعتر. ولا شك أن عدد خلايا النحل المسجلة البالغ عددها هذه السنة 1699196 خلية، المذكورة بالمذكرة التي أصدرتها مديرية تنمية سلاسل الإنتاج لوزارة الفلاحة قد تم اعتماد التسجيلات التي قام بها ما يسمى “فيماب” خلال الشهور القليلة الماضية، حيث قام ممثلو هذا التنظيم بمختلف المناطق بفتح باب تسجيل عشوائي للانخراط للاستفادة من دواء مكافحة الفاروا، وفي نفس الوقت الحصول على التعويض عن فقدان النحل بسبب الجائحة والاستفادة من الإعمار !!!، مقابل طلب انخراط يوجه لرئيس “الفيماب” بصفة منخرط كعضو مستفيد، ويتم أداء إتاوة عن كل خلية من عدد الخلايا المصرح بها في الطلب، وهذه الإتاوة غير قانونية ولو كانت قيمتها درهما واحدا عن كل خلية، وتفتح باب التلاعب في العدد الحقيقي لخلايا النحل،  لأن المنخرط تكون لديه مثلا 10 خلايا ويصرح ب100 أو 200 خلية أو أكثر من أجل الاستفادة من الدواء دون حسيب ولا رقيب، وهذا شهدناه بكثرة في جهة سوس ماسة وفي جهة بني ملال خنيفرة، ما يبرر هذا التضخيم الحاصل في عدد خلايا النحل المصرح به في مذكرة مديرية تنمية سلاسل الإنتاج الفلاحي لوزارة الفلاحة، وإذا كان ثمن الدواء الذي وزعته الدولة بالمجان قد بيع السنة الفارطة في السوق السوداء بثمن يتراوح ما بين 40 و60 درهم للعلبة، وإذا ما بقي الحال على ما هو عليه في نهج نفس طريقة التوزيع عبر الوسيط فيماب، فمن المؤكد أن الدواء سيباع هذه السنة على الأرصفة بثمن لا يتعدى 10 و20 درهما للعلبة، في حين أن ثمنه الحقيقي يناهز 250 درهم للعلبة.      

ماذا تقصدون بتنظيم “الفيماب”؟

ما يسمى ب “الفيماب” هي هيئة بين مهنية لتربية النحل بالمغرب غير معترف بها من قبل أغلبية النحالين المحترفين بمختلف هيئاتهم المهنية، تم إنشاؤها خلسة بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة بالرباط من قبل أشخاص أغلبهم ينتمون للإدارة أو تقاعدوا منها أو لهم ارتباط بها بتاريخ 01 فبراير 2011، وترأس الاجتماع التأسيسي حينها ممثل وزير الفلاحة بصفته مدير تنمية سلاسل الإنتاج بوزارة الفلاحة، (الذي أصبح فيما بعد مديرا عاما للمكتب الوطني للسلامة الصحية “أونسا”)، في غياب تام للمهنيين والنحالين المحترفين وبدون علمهم، في خرق واضح للقانون 03.12 المتعلق بالهيئات بين المهنية للفلاحة والصيد البحري الذي تنص المادة الأولى والثالثة والرابعة منه على ضرورة إحداث الهيئات بين المهنية للفلاحة والصيد البحري بمحض إرادة المهنيين المنتمين لنفس السلسلة، ولا تعترف الإدارة المختصة إلا بالهيئة بين المهنية المحدثة من لدن المنظمات المهنية الأكثر تمثيلا للقطاع، أخذا بعين الاعتبار، على الخصوص، الوزن الاقتصادي للمنظمات المذكورة داخل السلسلة المعنية أو خصوصية منتوجات السلسلة.

والمثير للريبة أن هذه الهيئة تأسست سنة 2011 وبعد أسابيع من تأسيسها وقعت مع الإدارة الوصية على القطاع عقدة برنامج في إطار مخطط المغرب الأخضر بالمعرض الفلاحي بمكناس بقيمة 1480000000.00 (مليار وأربع مائة وثمانون مليون درهم)، علما أن هذه الهيئة لم تحصل على الاعتراف الرسمي المنصوص عليه في المادة 06 من القانون رقم 03.12 المنظم للهيئات بين المهنية للفلاحة الصيد البحري إلا في مارس 2018، أفلا يعد إذن أن توقيع عقدة برنامج بذلك الحجم منذ سنة 2011 بحد ذاته اعترافا ضمنيا، وحتى بعد حصولها على هذا الاعتراف بشكل رسمي سنة 2018 فإنها لم تعقد جموعها العامة لأزيد من ثلاث سنوات متتالية خلافا للقانون الذي يعتبر إلزامية عقدها كل سنة، كما تم الإبقاء على رئيسها في منصبه لما يقارب 12 سنة ضدا على القانون الأساسي الإطار الذي ينص على ولايتين فقط !!!.

تحدثت الحكومة عن إعمار خلايا النحل لفائدة المربين المتضررين من اختفاء النحل، برأيكم، كيف ستتم هذه العملية؟

إن القائمين على القطاع لا يفقهون شيئا في تربية النحل وتقنياتها، فتوزيع النحل على النحالين المهنيين المحترفين يعتبر ضرب من العبث، فلا يمكن مقارنة دورة حياة النحلة من البيضة إلى حشرة كاملة تبلغ 21 يوما فقط، بدورة التوالد عند الماعز والغنم التي تستوفي ستة أشهر، أو تسعة أشهر عند الأبقار، كما أن فترة التكاثر عند نحل العسل تكون في فصل الربيع، ويطلق عليها موسم التطريد، وهذه الفترة من السنة تعتبر بالنسبة للنحالين أوج فترة العمل التي يراهن عليها كل نحال من أجل مضاعفة خلايا نحله وإعدادها للإنتاج، والنحال الذي لا يستطيع مضاعفة نحله لا يعتبر نحالا محترفا، وتربية النحل بالطرق العصرية تعتبر صناعة، والقاعدة عندنا تقول : من خلية واحدة نخرج عشرا، ومن عشر خلايا نخرج مائة خلية، ولا نعتبر النحل رأس مال كحشرات، فإذا مات النحل بأي حال من الأحوال تبقى الخلايا الفارغة التي تملأ بطرود النحل في الموسم المقبل، ورأس مال النحال المحترف هو ما يتوفر عليه من آليات ومعدات وخبرة ورصيد معرفي في الميدان، وإنتاج العسل لا يقاس بعدد خلايا النحل وكثرتها، ويبقى السؤال، كيف سيتم توزيع النحل والمرض مازال موجودا ؟

إن ما يلزم القطاع  من دعم هو توفير الإمكانات الكفيلة بتطوير قطاع تربية النحل بالمغرب وفتح حوار مع مربي النحل المهنيين الحقيقيين لإحداث هيئة بين مهنية حقيقية لسلسلة تربية النحل تتمتع بتمثيلية النحالين المهنيين الحقيقيين طبقا لما ينص عليه القانون 03.12، وتكون قريبة من همومهم وانشغالاتهم، ولا تقصي أحدا ممن هم أرباب المهنة وفرسانها. 

كم يبلغ عدد الخلايا المتضررة جراء ظاهرة انهيار خلايا النحل بالمغرب ؟ 

الإحصائية التي قامت بها النقابة الوطنية لمحترفي تربية النحل بالمغرب من خلال منسقيها، وبالتعاون مع مختلف الهيئات المهنية لمربي النحل بخمس جهات المملكة هي كالتالي: جهة الرباط سلا القنيطرة تضررت خلاياها بما يناهز 70 و75 في المائة خاصة بمنطقة الغرب؛ جهة بني ملال خنيفرة: ما بين 60 و70 في المائة؛ جهة سوس ماسة: مابين 50 و 60 في المائة؛ جهة درعة تافيلالت: ما بين 40 و50 في المائة؛ جهة فاس مكناس: مابين 40 و50 في المائة؛ باقي الجهات ما بين 20 و 30 في المائة؛ وهناك جهات ومناطق بقيت منعزلة لم يلحقها المرض.

ولابد من الإشارة إلى أن إقليم بولمان، خاصة منطقة ميسور وأوطاط الحاج، هي الأولى وطنيا التي أصابتها ظاهرة انهيار خلايا النحل في خريف سنة 2020 وقضى على أزيد من 90% من طوائف النحل بالمنطقة، وقام اتحاد تعاونيات مربي النحل بإقليم بولمان بوضع رسالة إخبارية بوجود مرض يهدد خلايا النحل بالإقليم لدى المديرية الإقليمية للفلاحة بميسور بتاريخ 28/10/2020 تحت رقم 722/م ف ب، دون أن تحرك الجهات الرسمية ساكنا، ما أدى إلى إبادة النحل بالمنطقة وانتقال العدوى وانتشارها بباقي المناطق، وقد سبق للنقابة الوطنية لمحترفي تربية النحل بالمغرب أن أشارت إلى ذلك في بلاغاتها السابقة. 

مع الاشارة كذلك إلى أن العديد من النحالين المهنيين استطاعوا استرجاع ما بين 70 في المائة إلى 100% من رصيد خلايا نحلهم عن طريق التقسيم خلال هذه السنة.

هل توقف المرض؟

إن المرض لم يتوقف، وفترة نشاطه قد بدأت، وقد رصدنا بوادر نشاطه في أواسط ماي الماضي في ثلاثة مناحل  بثلاث مناطق مختلفة، وقمنا بمراسلة المدير العام للمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية في الموضوع بتاريخ 17/05/2022، وإن خلايا النحل التي غفل المربون عن الاعتناء بها ومعالجتها في الوقت المناسب، طبقا لما أشرنا إليه في عدة منشورات سابقة، وكانت موضوع الحملة التوعوية التي سبق لنقابتنا أن أطلقتها، سيكون مصيرها الهلاك عند نهاية الخريف وبداية فصل الشتاء، وقبل أسبوعين تقريبا اكتشفنا منحلا بإحدى التعاونيات بضواحي خنيفرة أتى المرض على 90 في المائة من مجموع خلايا نحله، ومنحل آخر بمنطقة تاونات أتى المرض على 80 في المائة من خلايا نحله التي كانت 100 خلية وأصبحت الآن 20 خلية ضعيفة ولن تصمد بدورها، وأخشى أن يمتد المرض إلى المناحل الموجودة بالمناطق التي لم يصل إليها المرض في السنة الماضية، ونوصي النحالين باتخاذ التدابير الاحترازية للحد من انتشاره.

وهل هناك علاج لهذا المرض ؟

لقد سبق لنا خلال السنة الماضية أن صرحنا أن الحالة المرضية للنحل متحكم فيها، وهي تحت السيطرة، وتم الحد من الخسائر بوجود العلاج، والعلاج المستعمل لم نأت به من عندنا، بل نقلناه من الدول المجاورة التي سبق أن تعرضت طوائف نحلها لهذا المرض وتمت معالجته بهذا الدواء الذي كان يدخل للمغرب عن طريق التهريب، وكان عدد من النحالين في الشمال يستعملونه عند ظهور الأمراض، كما أن أحد قيادمة النحالين وهو على مشارف التسعين من عمره الذي انضم إلى نقابتنا في أوائل السبعينيات ولا زال معنا في تسيير النقابة إلى يومنا هذا، أشار في أحد اجتماعاتنا إلى أن الحالة المرضية التي يعيشها النحل الآن مشابهة تماما لحالة كان النحل قد تعرض لها في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، ما دفعنا إلى العودة لأرشيفنا في النقابة لنكتشف فعلا أن هناك مراسلة على شكل برقية وجهها الرئيس السابق لنقابتنا، رحمه الله، إلى وزير الفلاحة والغابات حينئذ بتاريخ 16/02/1982 يشرح فيها حالة النحل المرضية، وأعراضها، هي بالمناسبة، الأعراض نفسها في الوقت الحالي، كما لو أن التاريخ يعيد نفسه. وقد وجدنا كذلك مع البرقية تجاوب وزير الفلاحة آنذاك عثمان الدمناتي، فتم أخذ عينات من المناحل المتضررة لمختبر أبحاث المصالح البيطرية بالدار البيضاء الذي أكد أن الأمر يتعلق بمرض بكثيري، وسلم لنقابتنا نسخة من التقرير المخبري مع وصف الدواء الذي كان عبارة عن مضادات حيوية.

وهو الدواء نفسه الذي أشرنا إليه في أحد بلاغات نقابتنا بتاريخ 23/12/2021، حيث أبرزنا أننا استعملناه وأعطى نتائج مبهرة، والتمسنا، في إحدى مراسلاتنا، من المدير العام للمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية بتاريخ 01/01/2022 انتداب أحد الأطباء البيطريين لتتبع أعمالنا والاطلاع على نتائجها في الميدان، لكننا لم نتلق منه أي رد.

إن البحث العلمي يبين أن المضادات الحيوية لا تقضي على الفيروسات، لكنها تقضي على البكتيريا التي تعد مأوى الفيروس وحاضنته، بما يؤدي إلى عزل الفيروس وتمكين النحل من اكتساب مناعة ضده، هذا ما يفسر أن طوائف النحل التي تعافت من المرض بعد معالجتها تعود إلى وضعها الطبيعي مع اكتسابها للمناعة، وقد اكتشفنا وجود طوائف نحل تحمل في الأصل صفات وراثية مقاومة للمرض، وهذا ما حاولنا نقله للمسؤولين عدة مرات، كي يتم استعمال جميع أدوية النحل بما فيها المضادات الحيوية وفق وصفة طبيب بيطري مختص، لكننا لم نجد آذانا مصغية لنداءاتنا، ولا ردودا على مراسلاتنا على عكس ما كان عليه الأمر في السابق حين كان مسؤولو وزارة الفلاحة يأخذون ملاحظات نقابتنا بعين الاعتبار.  

حاوره: عبد الصمد ادنيدن

*رئيس النقابة الوطنية لمحترفي تربية النحل بالمغرب

Related posts

Top