انفراج العلاقات الخليجية، وخصوصا على المستوى الثنائي بين المملكة العربية السعودية ودولة قطر، ومجريات القمة الواحدة والأربعين لمجلس التعاون الخليجي، التي جرت بالعلا السعودية، وحضرها أمير دولة قطر، وأيضا البيان الختامي الصادر عنها، كل هذا يفرض النظر إليه اليوم وقراءته من الزاوية المغربية كذلك، أي من هنا.
الدرس الأساسي لنا من كل هذا الذي وقع لبلدان الخليج، هو أن التاريخ أنصف المغرب، ومنح المصداقية لموقف الحياد الإيجابي الذي التزمت به المملكة تجاه الخلافات الخليجية.
ولنفهم قوة الموقف الديبلوماسي والسياسي لجلالة الملك، يجب أن نستحضر الأحداث وتطوراتها منذ بروز الخلافات، ونذكر أن العاهل المغربي زار الدوحة، وكان قدم إليها من دولة الإمارات العربية المتحدة، وأجرى اتصالات عديدة بكل الأطراف، وكان يلح على التهدئة والحكمة والحوار وتفادي التوتر.
نذكر كذلك، في هذا السياق، أن البعض هاجم المغرب وتهجم عليه، جراء تبنيه هذا الموقف العاقل والحكيم، وتحملت المملكة هذه الكلفة، ولم تساير كل المزايدين وقصيري النظر، وأصرت على الإمساك ببعد النظر ووضوح الموقف..، واليوم يعترف الجميع للمغرب بحكمته.
إن ما يجهله البعض، في الشرق العربي وأيضا هنا حوالينا، أن المملكة بقيت دائما ترفض الدخول في لعبة المحاور العربية العقيمة، ولا تنخرط في كل الإصطفافات المشعلة للتوترات والمواجهات، ولا تقترب من الشؤون الداخلية للدول، والموقف الحالي من الأزمة الخليجية للسنوات الثلاث الأخيرة يكرس هذا السلوك المغربي المتأصل.
من جهة ثانية، يحرص المغرب دائما على تأطير سلوكه الديبلوماسي ضمن رؤية سياسية إستراتيجية تقوم على العقلانية والمصالح المشتركة الجامعة وبعد النظر، ويمكن هنا أن نعيد قراءة خطاب جلالة الملك أمام القمة الخليجية التي انعقدت بالرياض سنة 2016، واعتبر حينها مرافعة قوية من قائد دولة كبير، استعرض معادلات وتعقيدات الواقع العربي والعالمي، ونبه إلى المخاطر القادمة وتبدلات العلاقات والتموقعات الإقليمية والدولية، وكل هذا تأكدت صوابيته اليوم، وشهد الجميع بسداد الرأي المغربي.
المملكة، مع ذلك، لم تشعل الكاميرات لتركز النظر على موقفها، ولم تطلق الزغاريد، ولكنها تركت الآخرين يصلون إلى الخلاصات والاستنتاجات.
القمة الخليجية في العلا، أشادت بالعلاقات مع المغرب، وجددت مساندتها لوحدته الترابية، ووجه قادة البلدان الخليجية بتنفيذ خطط العمل المشترك التي تم الاتفاق عليها في إطار الشراكة الإستراتيجية المغربية الخليجية، وبذلك يجري فتح صفحة جديدة، إن على صعيد البيت الخليجي الداخلي أو على مستوى علاقات مجلس التعاون مع المملكة، وتؤكد توقعات عدد من المراقبين أن الفترة المقبلة ستعرف تركيزا أكبر للاهتمام الدولي على منطقة الخليج، كما يتوقع أن تلعب المملكة المغربية أدوار أكبر ضمن التحديات المطروحة في المنطقة العربية بشكل عام، وهو ما يفرض تمتين التعاون والتنسيق المغربي الخليجي بشأن الشراكة الثنائية أو في العمل معا على الملفات الإقليمية.
لقد عبر المغرب وملكه عن حكمة كبيرة وبعد نظر واضح تجاه التوتر بين بلدان الخليج، والذين تهجموا على الموقف المغربي في الأعوام الثلاثة الماضية يجب أن يخجلوا اليوم و… يصمتوا.
<محتات الرقاص