من جديد مجلس مدينة الدار البيضاء يحتل العناوين..
الصورة كانت يوم الخميس، وقبل ذلك أيضا، تحيل على…العبث.
اجتماع المنتخبين يتحول إلى حلبة عراك، ومعارضون للعمدة يحتلون منصة الاجتماع، ولافتات ترفع، وشارات احتجاج حمراء على الأذرع، وتهديد باعتصام، وإعلان عن حركة أخرى من وحي فبراير، ومطالبات للعمدة وربعه بالرحيل…
(ارحل…ارحل….ارحل…) صاحت الجماعة ملئ الحناجر..
العمدة يرفع الاجتماع، يغيب..، ثم يعود …، ثم يغيب من جديد…
مواطنون من خارج القاعة ومن داخلها يصيحون بدورهم ويصرخون ضد الفساد، ومن أجل…مدينتهم.
ساعة الدار البيضاء توقفت.
إن ما يجري في المجلس يمثل العنوان لما يجري في المشهد العام للمدينة.
ليس الأمر اليوم مجرد أغلبيات عبثية تشكل في الصباح وينفرط عقدها بعد الزوال، وليس الأمر مجرد عدم تمكين الأعضاء من وثائق ومعطيات الحساب الإداري قبل انعقاد الدورة، إنما الأمر يتعلق بمنتخبين من نوعية خاصة بسطوا أيديهم وأرجلهم أيضا على المدينة وعلى مصالح ومستقبل أهلها.
الدار البيضاء تفتقر اليوم إلى الحكامة المحلية، وتفتقر إلى مسيرين يمتلكون الرؤية والقناعة والنزاهة والغيرة الوطنية، فضلا عن الكفاءة وبعد النظر.
نخب الدار البيضاء وساكنتها تروي في كل مجالس الحديث تفاصيل ملفات فساد عديدة عششت في كل ألأركان، ويعرف الناس كيف صارت بعض اللوبيات العقارية والإدارية تتحكم في مقررات مجلس المدينة، ويستغرب الناس أيضا كيف تغيب المراقبة عن تدبير أكبر مدن المملكة.
من التبسيطية أن نختزل أمر مجلس الدار البيضاء في صراع بين أغلبية ومعارضة، يمكن أن يكون صراعا طبيعيا في كل ممارسة ديمقراطية، لكن الأمر أكبر وأخطر، حيث صارت رقاب البيضاويين يمسكها «شناقة» أفرزتهم لنا ذات عبثية انتخابية، وحولتهم إلى نخب وأعيان وساسة، وهم في الحقيقة أصغر قامة ونزاهة ونضجا من إدارة مدينة مثل…كازا.
وإن الخطير في هذا أن ملايين البيضاويين يقيمون جدوى السياسة ويفهمونها عبر مثل هؤلاء…، وانطلاقا من ذلك يتحول «شناقة» الدار البيضاء اليوم إلى أعداء مسلسل تطوير حياتنا السياسية والانتخابية، وإلى جيوب معرقلة لأي تفعيل للجهوية أو لتوسيع اختصاصات الجماعات المحلية، أو للحداثة.
نعرف فعلا أن في المجلس بعض النزهاء، لكنهم في الحقيقة أقلية قليلة، ويغيب صوتهم بين أغلبية مشلولة وغريبة، ومعارضة متعددة، وعناصر أخرى أقرب إلى «البلطجية» ، وهذا الواقع الخطير على مستقبل مدينة مثل الدار البيضاء، يدعو اليوم إلى إنقاذ العاصمة الاقتصادية للمملكة، وهي مهمة بقدر ما تفرض على السلطات المركزية التدخل للتحقيق في مختلف ملفات الفساد، فإنها تفرض على القوى السياسية الجادة وهيئات المجتمع المدني الحضور بوعي ودينامية لتمكين المدينة من مجلس ومن منتخبين يستحقون ثقة البيضاويين.
التغيير يبدأ اليوم من الدار البيضاء.