الدورة التاسعة عشر من مهرجان كناوة وموسيقى العالم تنطلق بالصويرة

بموكب استعراضي زاخر بالألوان والإيقاعات، تنطلق يومه الخميس، بمدينة الصويرة، فعاليات الدورة التاسعة عشر من مهرجان كناوة وموسيقى العالم، الموعد الذي خط لنفسه مسارا متميزا ضمن خريطة التظاهرات الفنية والثقافية المهمة في الساحة الوطنية والدولية.
 بهويته الخاصة والمتميزة التي تحتفي بالموسيقى ذات الجذور الإفريقية، استطاع هذا المهرجان خلال ما يقارب العقدين من الزمن استقطاب كبار نجوم الجاز والريغي والبلوز في العالم وإتاحة الفرصة للفرق الكناوية للانفتاح على العالم من خلال إقامات المزج الفنية مع موسيقيين عالميين بارزين، الأمر الذي دفع بالإيقاعات الكناوية المغربية إلى واجهة الساحة الموسيقية الدولية، وضمن استمرارية هذا التراث ونقله الى هذا الجيل ومن سيليه.
 تقول نائلة التازي مديرة ومنتجة هذه التظاهرة: “إن هذا المهرجان هو بمثابة مختبر حقيقي للمزج الموسيقي ونحن متشبثون بمواصلة هذا النهج. كما نعمل على حماية هذه الخصوصية والأصالة التي تميزه وتمنحه معنى ومصداقية.
وتضيف التازي في تصريح للصحافة “اليوم، برهنا على أن الثقافة يمكن أن تشكل رافعة للسياسات الحضرية ولإعادة ترتيب المجالات الترابية… الثقافة مشروع سياسي حقيقي!”.
ويفيد بلاغ للمنظمين توصلت بيان اليوم بنسخة منه، أن هذه الدورة ستفتتح بتكريم أحد معلمي كناوة الكبار الذين ساهموا في صنع الصورة التي اكتسبها المهرجان اليوم، الراحل محمود غينيا،  فيما سيتم تكريم  قارع الطبل السينغالي الراحل دودو نداي روز، وهو تكريم سيقوم به أبناء الراحلين، الذين تعهدوا بالمشي على خطاهما.
ويضيف البلاغ أن برنامج هذه الدورة الفني سيتضمن ما يفوق 30 حفلا موسيقيا خلال 4 أيام، إضافة إلى المنتدى الفكري والحقوقي الخامس، الذي ينعقد بالتوازي مع الأنشطة الموسيقية، وسيكون هذه السنة تحت عنوان “الدياسپورا الإفريقية: الجذور، الحركية، الإرساء.”

محمود غينيا الغائب الحاضر

كان حضوره على المنصة يختصر أسرار تراث تكناويت، وأسرار سفر إيقاعاته عبر الزمن الإفريقي إنه لمعلم محمود غينيا، الذي غادرنا الى دار البقاء يوم 2 غشت الماضي. وقد كان قيد حياته الوجه الرمزي لمهرجان كناوة، و كانت مشاركته في كل دورة من الدورات الفارطة تعطيها دلالة وعمقا، وخلافا للعادة سيلتئم مهرجان كناوة وموسيقى العالم بالصويرة، هذه السنة بدون محمود غينيا وموهبته الهائلة، هو الذي سلم آلته “الكمبري” لابنه حمزة خلال الدورة الأخيرة وكان بمثابة تصريح بأن المشعل سيظل موقدا.
كان محمود غينيا، فخورا وله كاريزما وموهبة موسيقية وإيقاعية كبيرة، هو الذي شهد ولادة المهرجان وشارك في تطوره، وعاين نموه، وعاش معه.
لقد استطاع الراحل محمود غينيا أن يستثمر إرثه و يسافر به و يوظفه وفق منطلقات أخرى، ونظرا لرؤيته الطليعية، فإنه لم يكتف بتنشيط “الليلات”، بل كان يذهب أبعد من ذلك  فخلال السبعينيات من القرن الماضي كان عضوا في الفرقة الشعبية “المشاهب” وهو من المبادرين بالمزج مع موسيقيي الجاز، حيث سجل ألبوما مع عازف الساكسوفون “فاروا ساندري” سنة 1991 بعنوان : “ذو ترانس أوف سيفن كولورس” (جذبة سبعة ألوان). بعد ذلك، وبفضل مهرجان كناوة، اتخذ غينيا مسارا دوليا وسافر بموسيقاه إلى اليابان و الولايات المتحدة و الشرق الأوسط وأوربا حيث تقاسم المنصة مع أكبر الفنانين دون أن يرتعش، و دون انبهار…لنتذكر لقاءه مع “كارلوس سانتانا”، سنة  1994 في الدار البيضاء، حيث أثبت قوة شخصيته و الكاريزما الفعلية التي يمتلكها.
 كان لمعلم غينيا ينتمي إلى تلك الفئة الشغوفة بالموسيقى، وذات الروح الصافية التي يصعب تسييرها لأن ما يهمها بالدرجة الأولى هي الخشبة والجمهور، كان يستمر في الأداء 3 ساعات بدون انقطاع، غير عابئ بالبرمجة، وكان يبلغ كل مرة حالة النشوة، وكان الجمهور يحبه من أجل ذلك.
وقد كشف في استجوابه مع مجلة “ي ن روك” أنه يمتلك حوالي عشرة آلات  “كمبري”، كل واحدة تحمل اسما حسب ما تمثله في نظره، حيث صرح للصحافي “فرانسيس دوردور” سنة2013 ، أي سنتين قبل وفاته قائلا :” هناك ‘عنتر’، الغازي، و ‘الطاووس’، الذي يبرز جماله، و ‘الرعد’، لأنه يدوي، و ‘عويشة’، وهو أكثر أنوثة”.

المهرجان والمدينة

منذ الان وطيلة 4 أيام، ستفتح مدينة الرياح ذراعيها لجمهور المهرجان وعشاق الموسيقى خلال دورة عنوانها إحياء الذاكرة والتقاليد والاحتفاء بالشباب والجاز وكناوة.
وسيعطي حفل الافتتاح اشارة انطلاق دورة، تتضمن أعمال دمج موسيقي واعدة واستحضار أجمل الذكريات فضلا عن كونها مناسبة للالتقاء وتبادل الأفكار. وتمتزج خلال هذه الدورة أغاني وأصوات وكلمات كبار الفنانين والمفكرين بالصوت الفريد لحميد القصري والعزف الأسطوري على البيانو لراندي ويستون فضلا عن الراب الهادف لنور ديستان  الذي يغني على إيقاعات أبيات نزار قباني وأحمد مطر. هذه الدورة هي مناسبة كذلك للاحتفاء بالموسيقى الصاخبة ل “دودو” والكمبري الرحال لحسن حكمون.
  كما ستكون هذه الدورة مثل سابقاتها مناسبة لإبراز القيم الجميلة للثقافة والموسيقى والفنون.

منتدى حقوق الانسان

ينطلق “منتدى حقوق الإنسان”، بشراكة مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وذلك يومي 13 و14 ماي الجاري. ويهدف المنتدى، الذي أطلق في 2012، إلى تعزيز فعاليات المهرجان بــ”فضاء للنقاش بين متدخلين وطنيين ودوليين بخصوص القضايا الراهنة في مجتمعاتنا”. وستخصص دورة هذه السنة من المنتدى، الذي وصل محطته الخامسة، لسؤال “الدياسبورا الإفريقية الجذور، الحركية والإرساء”، حيث ينتظر منها أن تشكل “فضاء للحوار والتفاعل وفرصة لمناقشة مساهمات تدفقات الشتات في إفريقيا والتدبر في الطفرات الجديدة التي تنتج عنها”. ديناميات جديدة وكان المنتدى، بعد تخصيصه لدورتي 2012 و 2013، للشباب والثقافة، قد جعل من أفريقيا تتمة مركزية لأشغاله. ويرى المنظمون أن القارة الإفريقية باعتبارها ذات تقليد قديم وقوي فيما يخص الهجرة، تواجه اليوم ديناميات حركية جديدة تعيد تشكيل أنماطها القديمة في الهجرة”، إذ “في الوقت الذي تتواصل فيه أنماط الهجرة من الجنوب نحو الشمال، تظهر أنواع جديدة من التنقلات.
وشدد بلاغ المنظمين على أن “استمرارية استقرار جاليات خارج التراب الإفريقي والهجرة الدائمة والمتواصلة داخل افريقيا وخارجها، وظهور أجيال جديدة ذات جنسيات مزدوجة، وتنوع مجالات الاستقرار، واستقلالية جاليات الشتات وتجديد طبيعة الروابط العائلية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية مع إفريقيا، ستشكل ابرز الاسئلة الموضوعة على طاولة النقاش.  
ويعول المنظمون على أن يشكل المنتدى فرصة لبحث “الإسهامات التي يقدمها الشتات لإفريقيا والتفكير في الواقع الجديد لهذه التنقلات والحركيات التي يقوم بها الشتات”. لذلك، ينتظر أن يتمركز النقاش حول أربعة محاور، تتوزع على جلستين رئيسيتين، حيث ستتناول الجلسة الأولى موضوع “الكونية الإفريقية والثانية “الدياسبورا ومجتمع المعارف الشاملة”، والثالثة “نساء إفريقيات إسهامات وتحولات”، و”تنقلات فنية وثقافية”، فضلا عن مائدة مستديرة، في موضوع “الشتات وسوق المعارفة الشمولية”.
ويعرف المنتدى مشاركة عدد من الباحثين والمختصين والمهتمين بالشأن الأفريقي، من المغرب وفرنسا والسنغال والجزائر وبلجيكا والكاميرون والولايات المتحدة وتونس، بينهم نائلة التازي العبدي، منتجة “مهرجان كناوة وموسيقى العالم” (المغرب)، وإدريس اليزمي، رئيس “المجلس الوطني لحقوق الإنسان” (المغرب) وفريد العسري، باحث في علم الانتروبولوجيا (المغرب) وجان بابتيست ماير، مدير الأبحاث في معهد البحث التنمية (فرنسا) ومهدي عليوة، باحث في علم الاجتماع (المغرب) وفؤاد العروي، الكاتب والأستاذ بجامعة أمستردام (المغرب) وعبد الرحمن شيخ، باحث في الانتروبولوجيا وأستاذ في جامعة غاستون بيرغر في سان لوي (السنغال) وعثمان خوما، أستاذ القانون في جامعة شيخ انتديوب في دكار ومدير الدراسات في معهد حقوق الإنسان والسلم (السنغال) وادريس عويضة، رئيس جامعة الأخوين (المغرب) وكريم الرويسي، عضو المكتب الوطني لحركة “أنفاس الديمقراطية” (المغرب) وبيير غايتن نجيكام موليوم، نائب عمدة بوردو المكلف الشراكات مع أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (فرنسا/الكاميرون) وستيفان دوفوا، أستاذ علم الاجتماع في جامعة باريس ويست نانتير (فرنسا) وإليزابيث تشونغي، صحفية وكاتبة (الكاميرون/فرنسا) وفاطمة آيت بنلمدني، باحثة في مركز الدراسات الأفريقية في جامعة محمد الخامس (المغرب) ورقية ديالو، صحفية وكاتبة ومخرجة (فرنسا/السنغال) وحاجة الحبيب، صحفية (الجزائر/ بلجيكا) وماليت ما نجامي مال نجام بلدي، المدير العام لشركة أفريكريا والمفوض العام للمعرض الدولي للحرف (الكاميرون) وهشام العايدي، أستاذ العلوم السياسية وناقد موسيقي (المغرب/الولايات المتحدة) وماريم مالونج، مؤسسة معرض الفن المعاصر “مام” في دوالا (السنغال/الكاميرون) وصوفي بافا، عالمة في الأنثروبولوجيا الاجتماعية وباحثة في معهد البحث والتنمية (فرنسا) وكمال  الجندوبي، وزير مكلف بحقوق الإنسان (تونس).
هذا، و سيختتم المهرجان فعالياته بلحظة ستكون مخصصة لتكريم الطيب الصديقي فتى الصويرة المشاغب، وذلك بتسليط الضوء على موهبته وتأثيره على الساحة الفنية، و بما أنه كان شاهدا على تأسيس فرق أحدثت ثورة في الموسيقى المغربية خلال سبعينيات القرن الماضي، مثل ناس الغيوان، المشاهب، أو جيل جيلالة، سيتم تكريمه والاحتفاء به من خلال حفل موسيقي سيدعو فيه محمد الدرهم نبيل الخالدي، المعلم مصطفى باقبو و عمر السيد لأداء أشهر أغاني الفرق الثلاث المذكورة خلال سبعينيات القرن الماضي، التي تعد امتدادا لتراث مغربي غني يضطلع مهرجان كناوة وموسيقى العالم بالتعريف به وصيانة رافد أساسي من روافده المتنوعة.

سعيد الحبشي

Related posts

Top