- الثقافة والفنون في أوساط السجون
اختارت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، شعار ” تقوية القدرات الإبداعية للسجناء رافعة للإدماج”، للجامعة الخريفية في السجون في دورتها الخامسة بالسجن المحلي أيت ملول 2 بأكادير، يومي 26 و27 شتنبر الماضي.
ويأتي تنظيم هذه الدورة، في إطار استراتيجية المندوبية التي تهدف أساسا إلى تثمين قدرات السجناء وتمكينهم من اكتساب مهارات تساعدهم على معالجة المشاكل التي تعترض مسارهم والتفاعل بشكل إيجابي مع مستجدات الحياة اليومية وتسمح لهم بتحصيل المعرفة واستدماج القيم الصحيحة والفضلى للمجتمع والقدرة على تجسيد كل ذلك وجدانا، فكرا وابداعا، كل ذلك في أفق تسهيل عملية إدماجهم في المجتمع بعد مغادرتهم لأسوار السجون.
وقد أجمع كل المتدخلين والمتدخلات في الجلسات الخمس المبرمجة خلال هذه الجامعة، على قيمة الفنون والثقافة باختلاف أشكالها وأدواتها في التمكين عبر البوح والتقاسم والمشترك الإنساني والشهادات التحفيزية، على تحقيق مطلب بلوغ التمييز الإيجابي في السلوك الإنساني، المؤدي للرقي بمستويات الوعي عبر المصالحة مع الذات والتسامح مع الغير، بل ذهب بعض المتدخلين إلى القول، أن السجن وإن كان الهدف الأساسي منه هو حرمان السجين من حريته كعقوبة بعد صدور حكم قضائي نهائي في حقه، فإن السجن أصبح معني أكثر من أي وقت مضى بالمساهمة في مسلسل إعادة الإدماج لكل فئات السجناء، عبر تشجيع ودعم الإبداع، وبالضبط عبر العمل الإبداعي، إبداع واسع ومتنوع يشمل كافة أشكال ومظاهر الإبداع بمختلف تجلياته وحمولاته، وبالتالي صناعة رافعة هذا الإدماج وتسهيل تحقيق غاياته.
وفي هذا الإطار، وانسجاما مع شعار هذه الجامعة، تمت برمجة خمس جلسات علمية، وقراءة في مجموعة قصصية، وأربع ورشات فنية تقف على أشكال من الإبداع، حيث وقفت الجلسات على التجارب في مجال اعتماد الممارسة الثقافية في المجال السجني، من خلال التجربة السجنية والمغربية والأمريكية والاسبانية التي انتهت لأهميتها الكبرى في العلاج والتصحيح والإدماج، كما تداولت أشغال الجامعة بالسجون المفاهيم الأساسية من مصطلحات كالثقافة والثقافة الفرعية والسجن ومفهوم السجن في التجربة العامة والمكان والزمان والوعي الفردي.
هذا، وقد جعلت المندوبية العامة من تشجيع المبادرات الفنية للسجناء والنهوض بإبداعاتهم أحد ركائز استراتيجيتها المتعلقة بتأهيل السجناء للإدماج من خلال تنزيل مجموعة من البرامج تشجع على الخلق والابتكار والابداع نذكر من بينها:
البرنامج الوطني للمسابقات: ويشتمل على 34 مسابقة من بينها 11 مسابقة في مجال الابداع وهي: الفن التشكيلي، الخط العربي، الشعر، الزجل، القصة القصيرة، الراب لفائدة النزلاء الأحداث، المسرح، الموسيقى، العزف المنفرد، الأشغال الفنية اليدوية لفائدة النزيلات وأسبوع الكتاب. كما تم برسم سنة 2018 إحداث مسابقة “كوميك” تهدف إلى ابراز ابداعات السجناء في مجال الكوميديا وصقلها وتطويرها على يد فنانين محترفين.
ومن جانب آخر تم اصدارمؤلفين يتعلقان بإبداعات السجناء: الأول بعنوان cARTcéral ويضم أفضل ابداعات السجناء في مجال الفن التشكيلي والخط العربي، والثاني تحت عنوان “صناع مصير مغاير” وهو عبارة عن قراءات وتأويلات فلسفية تحاول تقريب القارئ من الأبعاد الوجودية والإنسانية العميقة للإبداعات اليدوية للنزلاء في المجالات الحرفية المتعددة كالخزف والنجارة والزرابي والحدادة وغيرها.
كما تم تنظيم مسابقة أفضل منتوج حرفي وذلك في إطار الشراكات التي تعقدها المندوبية العامة لتشجيع الابداع مع منظمة البحث عن أرضية مشتركة في إطار مشروع “حياة جديدة، أمل جديد” وتهدف هذه المسابقة إلى تشجيع إبداعات السجناء والرفع من مستوى قدرتهم وكفاءتهم في مجال تصميم وصنع منتجات ذات قيمة حرفية وفنية وابداعية عالية. وتم بالمناسبة تتويج السجناء الفائزين في هذه المسابقة خلال الحفل الختامي لهاته الجامعة.
وتحفيزا للسجناء على الخلق والابداع، تقرر بموجب مقرر تنظيمي منح مقابل مادي في حدود 2000 درهما للمعتقلين الذين يزاولون نشاطا أدبيا أو فنيا بالمؤسسات السجنية، وذلك عن طريق لجنة مركزية تناط بها مهمة معاينة الأعمال الأدبية والفنية للمعتقلين حسب معايير تضعها اللجنة وتأخذ بعين الاعتبار المجهود الإبداعي للمعتقلين ومدى انخراطهم في برامج التأهيل لإعادة الادماج.
وفي نفس الصدد، تم إطلاق برنامج فرصة وابداع في إطار شراكة مع كتابة الدولة المكلفة بالصناعة التقليدية والاقتصاد التضامني ومكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل ومؤسسة محمد السادس لإعادة ادماج السجناء يروم تأهيل السجناء وإبراز كفاءاتهم الحرفية والفنية.
وفي سياق متصل، تم إحداث موقع بشبكة الأنترنت للسجناء الموهوبين بمعية منظمة البحث عن أرضية مشتركة يتم من خلاله عرض ابداعات السجناء في شتى المجالات مع إرفاقها ببيانات حول مؤهلاتهم المعرفية والاجتماعية، مما يتيح لرواد الشبكة إمكانية دعم النزلاء الموهوبين أو حتى التكفل بهم.
وفي إطار هذا التوجه التأهيلي، أطلقت تجربة أولى لبرنامج المقاهي الثقافية في السجون من خلال تنظيم المقهى الثقافي بالسجن المركزي بالقنيطرة. يروم هذا البرنامج تمكين السجناء من التفاعل في المجال الثقافي والابداعي الأدبي مع نخبة من المثقفين والأدباء المغاربة. ونظرا لنجاح هذه التجربة الأولى، عمدت المندوبية العامة بشراكة مع برنامج الأمم المتحدة للتنمية إلى تعميم هذا البرنامج ليشمل عشر مؤسسات سجنية أخرى.
وفي إطار المبادرات الفكرية والثقافية، تم خلق مجلة فصلية بعنوان ” دفاتر السجين ” تشرف على الأعمال المنشورة فيها لجنة علمية للقراءة تتكون من كفاءات علمية ومثقفين وجامعيين وخبراء. وقد حرصت الهيئة العلمية للمجلة على تنويع المجالات الإبداعية للنزلاء لتشمل التاريخ والعلوم السياسية والعلوم الشرعية وعلم الاجتماع والآداب والأعمال الإبداعية من قصة قصيرة وشعر وزجل وغيرها.
هذا، وفي ختام أشغال هذه الجامعة، قدم المشاركون مجموعة من التوصيات، كان منطلقها الآثار الإيجابية للإبداع والثقافة والفن في الإدماج، حيث أكدوا على أن الإبداع مدخل أساسي للإدماج، مع توسيع التجربة وتوثيقها من خلال إشراك وزارة الثقافة والاتصال في الدعم والمواكبة.
واعتبر المشاركون أيضا اعتبار الإدماج مسؤولية جماعية مشتركة تسائل كل الفعاليات، وأن الإبداع وسيلة للتغيير. كما أوصوا باعتبار الثقافة حق للجميع وبالتالي الحرص على توفير الفن والثقافة كعلاج وتقاسم.
وفيما يلي تصريحات بعض المتدخلين المشاركين في هذه الجامعة الخريفية استقتها بيان اليوم، إضافة لبعض المداخلات التي ألقيت في الجلسات الخمس.