> سعيد آيت أومزيد
قدمت القناة الأولى المغربية، أول أمس الخميس الحلقة الأولى من سلسلة حلقات برنامج الشاهد، مع الراحل شمعون ليفي سجلت قبل وفاته سنة 2011 بمقر المتحف اليهودي بالدار البيضاء وبمواقع مختلفة بملاح مدينة فاس.
من خلال هذه الحلقة الأولى سنتعرف على نشأة شمعون ليفي في وسط عائلي وثقافي يهودي، حيث
يحكي الراحل عن ولادته من أب وأم يهوديين يتحدران من عائلة عريقة (أفلالو) وهي عائلة متجدرة في التربة المغربية. ويتناول ليفي في هذه الحلقة المتميزة التي تنقل المشاهد إلى بداية العقد الثاني من القرن الماضي، الدور الاجتماعي الكبير لعائلته في تلك الحقبة، حيث يحكي أن جده كان شيخا للملاح ورئيسا لـ “الحبرة” وهي منظمة جماهيرية تعنى بموتى اليهود وتؤمن دفنهم بالطقوس اللازمة التي لها أهمية كبيرة في الديانة اليهودية، كما تهتم هذه المنظمة يقول الشاهد بالأمن والحراسة، وبالعمل الخيري المتجلي في جمع القوت من خبز وأكل كل يوم سبت وتوزيعه على الفقراء. ينقلنا الحاكي إلى الحي الجديد (دارالدبيبغ) حيث بنى والده الذي كان يشتغل تاجرا بيتا للأسرة رغم إمكانياته المحدودة وذلك في بداية العشرينيات.
ويتناول بالكثير من التفصيل الحديث عن هذا الحي الجديد حيث كان والده من أوائل المشيدين للبيوت في هذه المدينة الجديدة، ويطلعنا عن أطراف المنزل الذي احتضن أولى صرخاته، مبرزا، شكله المعماري الذي لا يختلف كثيرا عن شكل البيوت في الملاح الذي تتخذ فيه الهندسة بعدا خاصا باليهود، لاسيما، داخل العواصم التاريخية.
ويطلعنا الراحل من خلال إطلالة من سطح هذا البيت، على جيران الأمس، وشجرة الكرم التي ما تزال قائمة، ومحلات البقالة التي تؤثث ساحة هذا الحي التاريخي، كما يعرفنا كذلك على المعبد الذي يؤدون فيه الصلاة والذي ما يزال يحتفظ إلى اليوم برونقه وجماله ويبدو كتحفة فنية.
تطرق الراحل ليفي في حديثه الممتع إلى طفولته وما تميزت به من قيم في بناء شخصية تشع بالنضال والكفاح من أجل الكرامة الإنسانية، مستحضرا تربيته الدينية في “المسجد” كباقي أقرانه، ثم دراسته في المدرسة الفرنسية.
وحكى عن سوء المعاملة التي كان يعامل بها اليهود من قبل المعمرين المشرفين على هذه المدرسة التي أنشئت بالحي الجديد. وتحدث الشاهد عن جانب من الحياة الاجتماعية لليهود والذي يكون قد نسي، وهو يتعلق أساسا بطريقة عيشهم الانعزالية في مدينة فاس وتدبيرهم الذاتي لأمورهم بالعيش في تجمعات مصغرة لها قواعدها الخاصة، مشيرا إلى العلاقة التي كانت تربطهم مع باقي مكونات المجتمع والتي تتم عبر التعامل سواء في المجال الصناعي أو التجاري أو عن طريق الإدارة التي يمثلها الخليفة أو الباشا.
يستحضر الراحل في هذه الحلقة فترة الثلاثينيات من القرن الماضي وما شهدته من أحداث لها قيمة في تاريخ المغرب. كما يستحضر التغيرات التي رافقت الحرب العالمية الأولى والثانية وتأثيرها على نظام الحماية الفرنسية، ويشير إلى الدور الهام الذي لعبته عائلته في الكفاح من أجل استقلال المغرب مبرزا ذلك في الدور الكبير الذي لعبه زوج خالته، وكان طبيبا للأسنان، والذي كان يسمح له بدخول القصر من أجل تقديم العلاجات الضرورية، حيث كان يستغل هذا الوضع لإيصال رسائل الوطنيين.
وقد تميزت هذه الحلقة الشيقة بإثارتها على لسان الشاهد لسؤال الهوية والمصير اللذين كانا دوما حاضرين لدى اليهودي المغربي الذي يبحث عن موقعه من الإعراب، مبرزا في هذا السياق كيف فشل المخطط الفرنسي الذي كان يرغب في استغلال الوضع لطمس الانتماء اليهودي إلى المغرب بتعليمهم الفرنسية….
****** تقديم حلقات أخرى جديدة من برنامج الشاهد مع الراحل شمعون ليفي
> محمد الضو السراج
ابتداء من يوم الخميس 3 مارس القادم ستشرع القناة الأولى المغربية في تقديم حلقات أخرى جديدة من برنامج الشاهد مع الراحل شمعون ليفي، سجلت قبل وفاته سنة2011 بمقر المتحف بالدار البيضاء وبمواقع مختلفة بملاح مدينة فاس. شمعون ليفي مناضل مغربي يهودي، دافع باستماتة عن أحياء الثقافة المغربية اليهودية المهددة بالانقراض بصفتها جزء أساسي من تاريخ وهوية بلادنا. ومن أجل تحقيق هدفه النبيل أسس إطارا ثقافيا مقره بالدار البيضاء هو مؤسسة التراث الثقافي اليهودي المغربي، إلى جانب متحف يعرض في مقره جزءا من هذا التراث الذي بشمل مجموعة من المقتنيات التي تجسد بعضا من مظاهر الحياة الاجتماعية لليهود المغاربة في مختلف المناطق القروية والحضرية. وتعتبر هذه المؤسسة والمتحف التابع لها الوحيدة من نوعها في البلاد العربية والإسلامية. نتعرف من خلال الأجزاء الخمسة على مسار وحياة شمعون ليفي انطلاقا من نشأته بملاح فاس في وسط عائلي وثقافي يهودي، مرورا بمرحلة شبابه وبداية احتكاكه برفاق دربه من الشباب المغاربة مسلمين ويهود، وبالمحيط السياسي في ظل الاستعمار الفرنسي، والبحث عن إجابات لتساؤلات جيله من الشباب اليهودي المتعلقة بسؤال الهوية وهو الهاجس الأكبر لديهم في تلك المرحلة. من خلال حياته وتقلباتها ونضاله في الحزب الشيوعي المغربي وبحوثه الثقافية وآرائه السياسية، نلمس وتتبع صورة المجتمع المغربي اليهودي في الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين، حيث كان اليهود يشكلون نسبة مهمة من سكان المدن والبوادي بالمغرب. وسنتعرف من خلال هذه الحلقات على هذا التراث الثقافي والديني المختلف والمتنوع وكذلك تأثير اليهود المغاربة سواء منهم المقيمين أو المهاجرين في الحياة السياسية والاقتصادية الوطنية.
ومن خلال مسار ليفي نغوص في الحياة السياسية والأحداث التي طبعتها في سنوات الستينيات والسبعينيات وبداية قوة المد اليساري وبداية تراجعه أمام أمواج سياسية أخرى. وكذلك مساهمته في الحياة السياسية الوطنية من خلال مسؤوليته في الحزب الشيوعي المغربي وامتداداته، وكذلك اهتمامه كامازبغي مغربي باللغة والثقافة الأمازيغية.
لأول مرة ستفتح القناة الأولى المغربية المجال واسعا من خلال الوقت الكافي للحديث عن التراث اليهودي المغربي ولأول مرة أيضا سيتحدث مواطن مغربي من ديانة يهودية خلال عدة حلقات عن نفسه وعن ثقافة بلاده المتنوعة والمتعددة الروافد.
من خلال حديثه الشيق والممتع تحدث عن طفولته وشبابه وطموحاته واحباطاته، فتح لنا قلبه وتحدث باحساسه المرهف وبلغته السلسة التي تحمل عنفوان الذكريات أحيانا، والمثقلة بالعتاب أحيانا أخرى، خصوصا في الجانب المتعلق بوضعية التراث والثقافة اليهودية بالمغرب الذي يتعرض للاندثار .
حرص شمعون ليفي دائما عند لقائه به أو باتصال خاص منه، بعد أن أتممت توضيب هذه الحلقات عن السؤال عن موعد إخراجها للجمهور . وقد كان أخر لقائي به قبل رحيله في شتنبر 2011 بمناسبة تكريم منتدي الحرية والإعلام والصحافة بمدينة شيشاوة لمستشار جلالة الملك السيد أندري ازولاي، أسابيع معدودة قبل أن بلبي رحمه الله داعي ربه يوم 2 دجنبر 2011 .
واكب فريق البرنامج هذه الحلقات بمجموعة من الوثائق النصية والصور الخاصة بمسار شمعون ليفي، وأخرى لمعابد وشخصيات يهودية من مختلف المجالات، ومقاطع غنائية لفنانين يهود مغاربة ومجموعة من الفيديوهات التي ستبث لأول مرة عن اليهود المغاربة، في السنوات الأولى وما بعدها من القرن الماضي من مختلف المدن المغربية .
أشرفت على إعداد وإنتاج هذه الحلقات خلال أزيد من سنة من العمل والبحث . حلقات الشاهد تم إعدادها بمساعدة فريق من الزملاء هم لبنى الكوال وحميد خباش وعلي مبارك ورفقة فريق تقني فني يتكون من الزميل المخرج شكيب بنعمر الذي اشرف على فريق التصوير المكون من عبد الرحيم غربال وحسن اشنيط والزميل المخرج عزيز حيزون الذي اشرف على مختلف العمليات التقنية والفنية من مونتاج وميكساج غيرها ..
***
شمعون في سطور
شمعون ليفي، (ولد 1934، فاس – توفي 2 ديسمبر 2011، الرباط) هو كاتب وسياسي يهودي مغربي مهتم بالتاريخ اليهودي في المغرب. الكاتب العام للطائفة اليهودية بالدار البيضاء وقيادي في حزب التقدم والاشتراكية، يتحدث بالإضافة إلى اللغة العربية، اللغات الفرنسية، الإسبانية والبرتغالية. كان الراحل يشغل منصب الأمين العام لمؤسسة التراث الثقافي اليهودي المغربي بالدار البيضاء. التحق سنة 1954 بصفوف الحركة الوطنية لمقاومة الاستعمار وهو ما زال لم يبلغ بعد 20 سنة من العمر، واحد من الذين كانت لهم إمكانية الحصول على الجنسية الفرنسية بموجب أحد القوانين الاستعمارية الفرنسية التي أعطت بموجبها الجنسية الفرنسية لكل يهود المغرب العربي حينما كانت تحتل كلا من الجزائر، تونس والمغرب. غير أنه فضل أن يعيش بدون أوراق وبدون جنسية أكثر من 24 عاما إلى أن صدر قانون الجنسية المغربية في نهاية 1958. كانت فرنسا تمنع ليفي من الدخول إلى ترابها على خلفية موقفه غير المتوقع من الجنسية الفرنسية.