السياسة اللغوية

أقيمت مؤخرا  ندوات اهتمت بـ»المسألة اللغوية في المغرب»، وشهدت نقاشات متفاوتة انتقلت بعض تجلياتها إلى الصحف، وجرى جدال، هو في الحقيقة نفسه الذي يتواصل في البلاد منذ الاستقلال… أغلب المتخصصين يجمعون على أن في المغرب مشكلة لغوية حقيقية، تنعكس في التعليم وفي الثقافة والإعلام، وأيضا على مستوى التمثل المجتمعي العام، وهي المشكلة التي تحيل على استعجالية الاتفاق على سياسة لغوية  في البلاد.
الندوات المشار إليها، بقدر ما أنها تمثل فضاءات مفترضة  للحوار وللجدل، فإنها في الغالب لم تستطع أن تكرس دينامية حقيقية للنقاش حول الموضوع، واكتفت بتجديد السجالات المكرورة، وتبادل الاتهامات والمزايدات  بين الآراء المختلفة، والتعبير عن توجسات متوهمة في غالبيتها، ووحده التفكير  العلمي الرصين بقي غائبا أو مغيبا لصالح … البوليميك.
البوليميك هو كل ما استفادته البلاد منذ استقلالها من الصراع حول المسألة اللغوية، خصوصا أن إثارتها كانت دائما مقرونة بمواقف هوياتية ودينية، وعندما  تحققت في البلاد مكاسب همت الأمازيغية مثلا، برز من يصر على العودة بالنقاش إلى نقطة الصفر، وإلى منغلقات الهوية من جديد، وإلى اللعب في دائرة المقدس…
المغرب تأخر كثيرا في الانكباب على مشكلاته اللغوية، ولم يعد مسموحا له تغييب هذا الملف الحيوي، بكل ما يحمله من انعكاسات وتجليات سياسية واقتصادية ووسط الحياة الاجتماعية…
اليوم، البلاد مدعوة للتأمل العلمي والسياسي في لغتها/ لغاتها، باعتبارها أيضا واقعا ماديا، ومن حيث «الرأسمال اللغوي»، ونطرح جميعا الأسئلة ذات الصلة بالسياسة اللغوية التي نريد، وبالقيمة التداولية للغة مغربيا ومع العالم، وما يمكن أن نكسبه كمجتمع من «أرباح» من وراء تعليم هذه اللغة أو تلك، إن على المدى القريب أو المتوسط…
لنتأمل في  المكون اللغوي في رهاناتنا الاقتصادية والإستراتيجية مع العالم اليوم وبمنطق اليوم، ولنتأمل في مستوى امتلاك اللغات لدى  التلاميذ المغاربة بعد أن يحصلوا على الباكالوريا، وحتى بعد أن يكملوا تعليمهم الجامعي، ولنتأمل ثالثا في «فوضانا اللغوية» كما هي واضحة في الإدارة وفي التعليم وفي الإعلام…وفي الشارع.
والتأمل هنا يجب أن يوكل إلى العلماء والخبراء والأكاديميين، مع استحضار تجارب عدد من الدول واجهت واقعها اللغوي، وبلورت إجابات مناسبة لانشغالاتها…
وعندما  نوكل أمر التفكير والبحث إلى (أهل الذكر…)، من الضروري  امتلاك إرادة سياسية عمومية لتطبيق ما ستتم بلورته، وأيضا لتحديد أهداف وميكانيزمات السياسات العمومية بهذا الخصوص.
المغرب اختار الانفتاح على العالم، والمغرب أقر بهويته المتعددة، والمغرب باشر النهوض بالأمازيغية، وهذه هي محددات التحرك على صعيد بلورة سياسته اللغوية من أجل تدبير تعدده اللغوي على نحو منصف وعادل، وبما يخدم أفقه التنموي ورهاناته الإستراتيجية والتحديثية بشكل ملموس، ومن دون مزيد من اللف داخل منغلقات التوهمات الإيديولوجية  القاصرة.

Top